You are here: Home الوثيقة السياسية مشروع الوثيقة السياسية 2015

مشروع الوثيقة السياسية 2015

إرسال إلى صديق طباعة

"حركة الشعب" 

مشروع الوثيقة السياسية 

2015

مقدمة:

تتطلع "حركة الشعب" من خلال مؤتمرها العام إلى تحقيق خطوة واسعة على الطريق نحو أهدفها القومية والوطنية. وهذا يتطلب تحقيق شرطين رئيسيين:

-تحديد أهدافنا للمرحلة المقبلة بدقة ووضوح.

-الارتقاء بعمل الحركة على الصعيدين الشعبي والسياسي إلى المستوى الذي يمكنها من تحقيق أهدافها المرحلية.

إن تحديد الأهداف المرحلية هذه لا يمكن أن يكون دقيقاً وواضحاً إلا في ضوء القراءة العلمية والموضوعية للصراع الدولي في هذه المرحلة. ثم انعكاس هذا الصراع على المنطقة العربية عموماً وعلى لبنان خصوصاً. كما أنه، ومن أجل تحديد الأهداف المرحلية هذه، وبعيداً من حالة الإحباط واليأس التي تطغى على الساحتين العربية والمحلية، وبعيداً من الأحلام المثالية التي لا تربطها بالواقع صلة، يجب أن لا نغفل ظاهرة المقاومة التي تتنامى في مختلف الساحات العربية، وكذلك حالة الاحتقان والغليان الشعبي التي تتصاعد في هذه الساحات. لذلك فإن الورقة السياسية المطروحة للنقاش تتناول الموضوعات الآتية:

أ-الصراع الدولي في هذه المرحلة الانتقالية، ما بين نظام انهار قبل حوالي ربع قرن ونظام دولي لم يتشكل بعد.

ب-الصراع الدولي  المحتدم في منطقة الشرق الأوسط، وحقيقة المشروع الأميركي "للشرق الأوسط الجديد". والدور الذي تلعبه قوى إقليمية فاعلة في تنفيذ هذا المشروع أبرزها إسرائيل وتركيا والرجعيات العربية. وبالمقابل القوى الدولية والإقليمية التي تواجه هذا المشروع.

ج-التكتلات الدولية الناشئة ودورها في مواجهة مشروع الهيمنة الأميركية على العالم.

د-المقاومات العربية في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر ودورها في مواجهة المشروع الأميركي.

هـ-الانتفاضات الشعبية العربية. والمنظمات التكفيرية.

و-لبنان وانهيار الأساسات التي كان يقوم عليها النظام السياسي. والدور الذي تلعبه القوى الطائفية في تدمير الدولة.

أما لجهة الأهداف المرحلية فتخلص الورقة إلى:

-ضرورة قيام جبهة عربية تنضوي فيها كل القوى المناهضة للمشروع الأميركي المشار إليه.

-ضرورة قيام تكتل وطني لا طائفي في لبنان، ينتزع المبادرة لقيادة المرحلة الانتقالية التي يمر بها الوطن من أجل بناء النظام والدولة على أسس وطنية راسخة.

إن تحقيق الأهداف المرحلية هذه يتطلب بناء القوة القادرة على تنفيذها، وهذا يفرض على القوى الوطنية التقدمية في لبنان كما في سائر البلدان العربية إعادة النظر في هيكليتها وفي أساليب عملها لجهة توظيف طاقات المجتمع في خدمة هذه الأهداف. لهذا سوف تتقدم هيئة التنسيق في "حركة الشعب" إلى المؤتمر بورقتين واحدة تتضمن خطة العمل في المرحلة المقبلة في مجالي العلاقات السياسية والعمل الشعبي. وأخرى تتعلق بتعديلات مهمة على صعيد الهيكلية لكي تكون الحركة أكثر فعالية في تنفيذ خطة العمل.

 


 

 

القسم الأول: 

خلال السنوات الخمس الماضية التي تلت مؤتمرنا الأخير في شباط 2009، وقعت في لبنان وفي المنطقة العربية أحداث كثيرة وخطيرة، وفرضت متغيرات هائلة نفسها على رقعة الشرق الأوسط بكياناته ومجتمعاته ونظم الحكم القائمة فيه. ونحن إذ نستعد لمرحلة جديدة في عمل "حركة الشعب" من أجل أهدافنا الوطنية والقومية، فإن أول شروط الإعداد الصحيح للمرحلة الجديدة هذه ومواجهة تحدياتها هو القراءة الصحيحة لهذه المتغيرات والتحليل العميق للأحداث والتطورات، ثم استقراء مساراتها في المستقبل وتداعياتها. والبحث في كيفية التأثير في هذه المسارات من أجل تحقيق الأهداف الوطنية. غير أن القراءة الصحيحة للمتغيرات المشار إليها والتحليل العلمي للأحداث لا يمكن أن يتما من دون رؤوية واضحة إلى الصراع الدولي الدائر بين قوى عالمية وإقليمية كبرى من أجل نظام عالمي جديد ومن أجل نظام إقليمي جديد، هذا الصراع الذي تدور أشرس معاركه في هذه الحقبة في هذا الشرق الأوسط.

الصراع الدولي على "الشرق الأوسط": 

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، وبالتالي انهيار النظام الدولي القديم الثنائي القطبية انفتح العالم على مرحلة جديدة بالكامل، هي في الواقع مرحلة انتقالية بين نظام دولي انتهى ونظام دولي لم يتشكل بعد.

في هذهالمرحلة التي بدت فيها الولايات المتحدة الأميركية القوة العظمى الوحيدة وصاحبة اليد الطولى في قيادة عملية الإعداد لنظام عالمي جديد، حددت الولايات المتحدة ثلاثة ميادين رئيسة لصراعها مع قوى دولية أخرى منافسة، وهذه الميادين هي: شرق أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا، وأعطت الولايات المتحدة لنفسها عشر سنوات في كل واحد من هذه الميادين لإنجاز خططها وتحقيق الانتصار على القوى الأخرى المنافسة.

في شرقي أوروبا تمكنت الولايات المتحدة الأميركية ما بين 1992- 2002، من إنجاز خططها بنجاح شبه كامل. فقد سيطرت على جميع الدول الاشتراكية في شرقي أوروبا، وأعادت رسم جغرافية بعضها (تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا)، وأدخلتها في حلف الناتو، وفككت جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق عن دولة المركز الروسية.

في الشرق الأوسط، ومن أجل إحكام قبضة الولايات المتحدة الأميركية على هذه المنطقة الحيوية كانت استراتيجيتها تتلخص بالآتي:

أ-إقامة نظام إقليمي يتلاءم ورؤويتها إلى النظام الدولي العتيد، بالاستناد إلى دولتين أسايتين هما إسرائيل وتركيا، وربما نضيف إليهما أثيوبيا.

ب-ومن أجل "إسباغ" الشرعية عليه كان لا بد من استخدام شعار "الإسلام" كغطاء شرعي لهذا النظام الإقليمي. هذا ما يفسر دعمها "للإخوان المسلمين" واعتمادها بالدرجة الأولى على كل من قطر ومصر "الإخوانية" في المرحلة الأولى من الحرب على سوريا، وبعد فشلهم في مصر عادت الولايات المتحدة لتعتمد على "الإسلام" الوهابي بالدرجة الأولى.

ج-إن خارطة هذا "الشرق الأوسط" تمتد من أفغانستان إلى جنوب السودان وتشمل جميع البلدان الواقعة في هذا الحيز الجغرافي وأبرزها تركيا وإيران والعراق وسوريا ومصر والسودان واليمن والسعودية.

د-أما شروط قيام هذا النظام الإقليمي الجديد فتتلخص بالآتي: إضافة إلى استخدام شعار "الإسلام" كغطاء شرعي لهذا النظام ثمة شروط أخرى لا بد من توفيرها أهمها:

-إغراق المنطقة في حروب أهلية دامية طائفية وإثنية (الفوضى الخلاقة).

-تدمير عدد من الكيانات العربية وتقسيمها وأبرزها العراق وسوريا والسودان واليمن وليبيا... وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة (سايكس بيكو جديدة) بما يتلاءم ورؤيتها إلى ما تسميه "الشرق الأوسط الجديد". وضمان سيطرتها عليه، وبالاستناد على عصبيات طائفية وإثنية وقبلية، وهو ما يضفي الشرعية على إسرائيل كدولة يهودية.

-محاصرة مصر وعزلها وتهديد أمنها القومي وإغراقها بأزمات داخلية لا تنتهي، اقتصادية واجتماعية خصوصاً.

-تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق "السلام" بين الكيانات السياسية الناشئة في هذه المنطقة وإسرائيل.

أما الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة، فهي:

أ-السيطرة على معظم الاحتياطي النفطي العالمي والمتركز في المنطقة الممتدة من القوقاز والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى إلى جنوب السودان، ما يزيد من قدرتها على التحكم بالاقتصاد العالمي، خصوصاً اقتصادات الصين واليابان وسائر دول شرق آسيا من جهة واقتصادات حلفائها الغربيين في أوروبا.

ب-محاصرة روسيا ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة.

ج-سد الطريق أمام تغلغل النفوذ الصيني في أفريقيا.

د-محاصرة قوة إقليمية صاعدة مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل ومتحالفة مع المحور الروسي – الصيني وهي إيران.

هل نجحت الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذ خطتها المرسومة لهذا "الشرق الأوسط"؟

لقد حققت الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ العام 2003 تحديداً نجاحات مهمة في خطتها الرامية للسيطرة على الشرق الأوسط وإعادة تشكيل نظامه بما يتلاءم وهدفها الاستراتيجي الكبير لجهة قيام نظام عالمي جديد تكون لها فيه اليد الطولى وتملك مفاتيح السيطرة عليه.

بالعودة إلى التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث تابعة لدوائر القرار في أميركا نذكر باقتضاب ما يلي:

أن الخطة التي تم التصديق عليها في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة كانت تقضي بتحطيم كل من العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، السودان، اليمن، ومن ثم محاصرة إيران وإسقاطها من الداخل. بل إن بعض هذه التقارير يؤكد أن الخطة ترمي إلى تقسيم المشرق العربي إلى 18 دولة.

لا ننسى أيضاً التقارير والتصريحات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى عن "الفوضى الخلاقة" وإثارة الفتن والحروب الأهلية، ونقل الصراع في هذه المنطقة من صراعات كانت تدور أساساً بين دول وأنظمة حكم مختلفة إلى صراعات بين العصبيات الإثنية والطائفية لتمزيق المجتمعات ما يأسس لإعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة.

نقل مركز الثقل وموقع القيادة في العالم العربي من دول يمكن أن تحمل مشروعاً للتحرر الوطني كمصر والعراق وسوريا والجزائر إلى دول، هي في حقيقتها مجرد محميات متخلفة وتابعة، كالمملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة، والتي تشكل رأس حربة في عملية تمزيق المجتمعات العربية وإشعال نيران الحروب الأهلية.

لقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية في إنجاز عدد مهم من حلقات خطتها. حطمت العراق وفرضت فيه تقسيماً واقعياً ذا طابع إثني وطائفي. قسمت السودان. حطمت ليبيا وقسمتها. كذلك فإن هذا ما تحاوله في اليمن. أحكمت الحصار على مصر وهددت أمنها القومي بشكل خطير، في الجنوب عبر دول حوض النيل خصوصاً جنوب السودان وأثيوبيا، وفي الشرق بعزلها عن أي تأثير في مسار الأحداث الدراماتيكية في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، وفي الغرب ليبيا حيث تتكاثر وتقوى مجموعات الإرهاب "الإسلامية". أما في الداخل المصري فقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بتمكين الرأسمالية الطفيلية المتوحشة المرتبطة بالرأسمالية العالمية من السيطرة على مقاليد السلطة ومن خلالها على السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

إن ما يجري في سوريا والعراق اليوم، خصوصاً لجهة الدور الذي تلعبه منظمات إرهابية أبرزها "دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" و "جبهة النصرة" و "جيش الإسلام"... التي تحظى بدعم سعودي قطري تركي، يؤكد حقيقة إصرار الولايات المتحدة على تنفيذ مخططها لتفتيت المنطقة العربية وإعادة رسم جغرافيتها السياسية.

أما بشأن القضية الفلسطينية فقد نجحت الولايات المتحدة في محاصرة المقاومة الفلسطينية وعزلها عن عمقها الاستراتيجي، سوريا، وذلك بإشغال سوريا في أزمة داخلية طاحنة، ومقاطعتها عربياً، وتقليص قدرتها على تعطيل ما يسمى "المبادرة العربية للسلام" مع إسرائيل.

بالرغم من هذا كله يمكن القول إن الخطة الأميركية فشلت في مواقع حساسة جداً، أبرزها:

المقاومة: 

في العام 2006، فشلت في القضاء على المقاومة في لبنان (عدوان تموز)، وبالتالي عزل سوريا وإضعافها، وفرض "السلام" بين السلطة الفلسطينيةوالدول العربية من جهة وإسرائيل، من جهة أخرى.

سوريا:

في سوريا توقعت الولايات المتحدة إسقاط النظام في العام 2012، وإغراق سوريا في حرب أهلية بعد سقوط الدولة، وتقسيمها ما يمهد لإعادة رسم الخارطة السياسية للمشرق العربي كله. غير أن خطتها لهذه الناحية لم تنجح، بل على العكس من ذلك، وبالرغم من الدمار الهائل والاستنزاف الرهيب لسوريا في مختلف المجالات، فإن المحصلة الأولية للحرب على سوريا حتى الآن تتلخص بالآتي:

-عودة روسيا للعب دور كبير على المسرح الدولي كقطب فاعل في تشكيل النظام الدولي العتيد.

-خروج الصين من عزلتها لتحتل، بالتحالف مع روسيا، موقعاً قطبياً مؤثراً في إعادة تشكيل النظام الدولي.

-تعزيز دور إيران كقوة إقليمية ذات نفوذ وتأثير كبيرين في صراعات الشرق الأوسط وفي تقرير مستقبل النظام الإقليمي.

-أما على الجبهة الفلسطينية فقد فشلت الولايات المتحدة الأميركية في تصفية القضية الفلسطينية، وهي لم تنجح في جر المنظمات الفلسطينية إلى توقيع "اتفاق الإطار" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ثم جاء العدوان الوحشي على قطاع غزة وفشل إسرائيل في تصفية المقاومة ليفتح صفحة جديدة في الصراع العربي – الإسرائيلي ويقضي على مسار التفاوض وعلى أوهام "السلام" مع الكيان الصهيوني.

تعثر الولايات المتحدة في ميدان الشرق الأوسط أعاق توجهها نحو الميدان الثالث في خطتها وهو الشرق الاقصى.

***

قبل العودة إلى التطورات الإقليمية التي حصلت منذ العام 2009، لا بد من التوقف، وباختصار شديد، عند عدد من المتغيرات على الصعيد الدولي، وهي متغيرات بالغة الأهمية والدلالة، إن لجهة محاصرة النفوذ العالمي للولايات المتحدة والتصدي له، أو لجهة تأثير هذه المتغيرات على صورة النظام الدولي العتيد.

في الفترة ما بين 2006 و 2011 قامت ثلاث منظمات دولية مهمة حطمت مشروع الولايات المتحدة لإقامة نظام عالمي أحادي القطب بزعامتها، وانخرطت في صراع متعدد الأشكال والميادين مع منظومة "الناتو" من أجل قيام نظام عالمي جديد لا تكون الغلية فيه للغرب الرأسمالي. وأبرز هذه المنظمات هي:

1-منظمة شتغهاي:

-بدأت فكرة إنشاء هذه المنظمة في العام 2001. ولكنها تأسست فعلياً في 26/4/2006 بتوقيع الدول المشاركة على اتفاقية فيما بينها سميت اتفاقية شنغهاي. وتتكون هذه المنظمة من ست دول دائمة العضوية هي: روسيا والصين وطاجكستان وقيرغزستان وكازخستان وأوزبكستان.

-وأربع دول أخرى تملك صفة المراقب ( وسوف تصبح أعضاء أصيلين في المنظمة قريباً) وهي الهند وباكستان وإيران ومنغوليا.

-شركاء حوار، سيريلانكا وبيلاروسيا.

-ضيوف، أفغانستان، منظمة دول "أسيان" التي تضم عشر دول تقع جنوب شرق آسيا. ومنظمة "كومنولث الدول المستقلة" عن الاتحاد السوفياتي.

إن أبرز ما يمكن ملاحظته فيما يتعلق بهذا المنظمة هو:

أ-إن جميع الدول المنخرطة فيها وتلك الدول المرشحة لعضويتها هي دول أسيوية.

ب-إن المساحة الإجمالية للدول الأعضاء وتلك المرشحة قريباً للعضوية يقارب الـ40 مليون كلم مربع.

ج-إن عدد سكان هذه البلدان يناهز الـ3 مليار.

د-وهذا هو الملفت، أن هذه الدول بدأت يتنفيذ مناورات عسكرية مشتركة سنوياً لتعزيز قدراتها العسكرية، وتأكيد شراكتها في المجال العسكري.

2-مجموعة البريكس:

نشأت هذه المجموعة في حزيران من العام 2009، وكانت تضم أربع دول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت دولة جنوب أفريقيا في العام 2010. هذه المجموعة هي تكتل اقتصادي – سياسي عالمي. هدفه كسر سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على الاقتصاد العالمي. وأبرز ما يمكن ملاحظته في هذا المجال هو:

-أن مساحتها تساوي 40% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية.

-أن تعداد السكان فيها يساوي 40% من مجمل تعداد البشر في الكرة الأرضية.

-أن مجمل الدخل القومي لهذه البلدان يساوي 20% من مجمل الإنتاج العالمي.

-أن متوسط معدل النمو في هذه البلدان بلغ في العام الماضي 6,8% في حين لم يتعد النمو في البلدان الرأسمالية الغربية 2%.

-أما الملاحظة الملفتة فهي أن هذه المجموعة في قمتها الأخيرة التي عقدت في البرازيل أقرت إنشاء بنك مشترك للتنمية بقيمة 50 مليار دولار، وبنك آخر للاحتياطي بقيمة 100 مليار دولار. ذلك لكسر أحادية سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الاقتصاد العالمي حيث تتمتع الولايات المتحدة الأميركية بسلطة القرار في هاتين المؤسستين. كذلك فقد اتخذت قراراً بالغ الأهمية والدلالة يقضي بإنشاء عملة موحدة لهذه المجموعة.

-ثمة ملاحظة أخيرة هي أن الدول المشاركة في هذه المجموعة تنتمي إل قارات ثلاث هي: أسيا، وأميركا اللاتينية وإفرقيا. ولا ننسى أيضاً أن روسيا تعتبر دولة أسيوية – أوروبية.

3-منظمة سيلاك:

نشأت هذه المنظمة في 23 شباط 2010 بمبادرة من رئيس فنزويلا السابق هوغو تشافيز وهي تضم جميع بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي وعددها 33 دولة. وقد كان الهدف من إنشاء هذه المنظمة تعميق التكامل بين دول هذه المنظومة ومواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية. وأبرز ما يمكن ملاحظته بشأن هذه المنظمة الآتي:

-أنها استثنت من عضويتها دولتين هما: الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

-أنها قامت على أنقاض منظمة "واس" التي أنشأتها الولايات المتحدة في العام 1948 من أجل إحكام قبضتها على القارة الأميركية. وهذه المنظمة "واس" كانت قد طردت من عضويتها كوبا بعد الثورة.

-أن الدول التي تتزعم المجموعة الجديدة "سيلاك" هي تلك التي قامت فيها ثورات وطنية تقدمية مناهضة للولايات المتحدة الأميركية وأبرزها البرازيل وفنزويلا وكوبا ونيكارغوا وبوليفيا. وهذا يشكل ضربة قوية لسيطرة الولايات المتحدة على القارة الأميركية في المجالين الاقتصادي والسياسي.

***

على الصعيد الإقليمي العربي حدثت خلال السنوات الأربع الماضيات تطورات هامة أبرزها ثلاثة: الانتفاضات الشعبية التي انطلقت في مواقع هامة من العالم العربي. والتحولات الدراماتيكية التي شهدتها مصر بعد ثورة 30 يونيو /حزيران. والشروع في تفتيت عدد من الكيانات، خصوصاً في المشرق العربي بالتلازم مع تفشي ظاهرة الإرهاب والتنامي للامحدود للمنظمات الإرهابية التي حظيت بكل أشكال الدعم المادي والسياسي من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها واتباعها.

الانتفاضات الشعبية:

في مطلع العام 2011، انطلقت في بلدان عربية عدة انتفاضات شعبية عارمة، أدت إلى إسقاط عدد من الأنظمة القائمة، كما أدت في أماكن أخرى إلى صراعات مسلحة اتخذت في نهاية المطاف شكل حروب أهلية.

انطلقت الشرارة الأولى لهذه الانتفاضات من تونس على أثر إقدام مواطن هو محمد البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجاً على ظلم تعرض له، وسرعان ما اشتعلت تونس كلها بمظاهرات عارمة كانت تطالب بإسقاط النظام. وبالفعل ففي 14/1/2011 ركب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته الطائرة وهرب من البلاد التي شهدت مرحلة انتقالية انتهت بإقامة سلطة بديلة كان جماعة "الإخوان المسلمين" القوة الأساسية فيها.

بعد أيام قليلة من الحدث التونسي قامت في مصر تظاهرات سرعان ما عمت القطر المصري كله وكانت ترفع الشعار عينه الذي رفعته الجماهير التونسية. وانتهى الأمر بأن استقال (بل أقيل) الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد ثلاثين سنة أمضاها في سدة الرئاسة. وكما في تونس، فيعد مرحلة انتقالية تمكنت جماعة "الإخوان المسلين" من الوصول إلى قمة السلطة.

لقد أصاب الحراك الشعبي في كل من تونس ومصر بعدواه ميادين عربية أخرى، فانطلقت فيها انتفاضات متفاوتة كليبيا واليمن والبحرين وسوريا ولبنان والأردن والمغرب والجزائر....

وإذ لا يتسع المجال هنا لبحث تفصيلي عميق لهذه الظاهرة، إلا أن ما يجب ملاحظته في هذا المجال هو:

أ-إن الأنظمة الرسمية العربية، وبالتحديد في العقود الأربعة الأخيرة، وإن اختلفت أشكالها وتعددت تسمياتها، كانت متحدة في بنيتها وفي جوهرها. فقد كانت السلطة في البلاد العربية قائمة على حكم الأسرة، المستندة إلى عصبيات ما دون وطنية عشائرية أو قبلية أو طائفية. وبالتحالف مع رأسمالية طفيلية لا وطنية، تتغذى على الفساد والنهب اللامحدود للثروة الوطنية والشعب. وكان هذا التحالف الجهنمي بين الأسر الحاكمة والرأسمالية الطفيلية الفاجرة يمارس سلطته عن طريق القهر الذي تنفذه أجهزة مخابرات فاسدة هي في الحقيقة أقرب إلى العصابة منها إلى المؤسسة.

ب-ولقد نتج عن ممارسة هذا التحالف للسلطة، وتراكم على مدى عقود الآتي:

1 -تشوهات اقتصادية فادحة انعدمت معها كل إمكانية لتحقيق نمو حقيقي.

2-تشوهات اجتماعية خطيرة أدت إلى تعميق الفوارق في المجتمع، فتكثفت الثروة في أيدي قلة قليلة من الرأسمالية الطفيلية، واتسعت بشكل غير مسبوق رقعة البطالة والفقر، وتقلصت الطبقات المتوسطة الدخل، وتقلص أو اختفى بالكامل أحياناً الدور الرعائي للدولة.

3 -إدراك عام لحقائق النهب الذي يارسه تحالف السلطة ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والأصول التي تقوم عليها شرعية السلطة، ما ولد نقمة واحتقاناً لدى الغالبية الساحقة من الشعب، كانت تمنع تفجره أجهزة القمع البوليسية.

4-لقد شكلت التشوهات الاجتماعية المشار إليها والقمع البوليسي وانعدام الحريات البيئة الملائمة لتفشي ظاهرة التطرف واللاعقلانية، ونمو الحركات الإرهابية التي رفعت زوراً راية "الإسلام" لإضفاء الشرعية على ارتكاباتها.

5-إلى ما تقدم ثمة عامل مهم ورئيسي دفع إلى هذه الانتفاضات وهو الشعور العام بالمهانة الوطنية، خصوصاً لجهة التبعية للولايات المتحدة الأميركية، والعجز في مواجهة العدو الصهيوني، وانهيار كل مقومات الأمن القومي. وقد كان هذا العامل بارزاً جداً في الانتفاضات المصرية وفي انحياز الجبش إلى هذه الانتفاضات.

ج-ليس صحيحاً أن الانتفاضات الشعبية هذه أطلقتها أيادٍ خارجية، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية. ولكن ليس صحيحاً أيضاً أن الأيادي الخارجية هذه ظلت بمنأى عن التدخل في هذه الأحداث والعمل على توجيهها بما يخدم أغراضها.

د-وإذا كانت القوى الأكثر رجعية والتي ترفع شعار "الإسلام" قد تمكنت من تصدر واجهة الحراك بعد انطلاقه فمرد ذلك تفكك القوى الوطنية التقدمية وضعفها، بحيث أنها في أحسن الأحوال واكبت الحراك الشعبي، ولكنها كانت عاجزة عن قيادته وفق مشروع وطني قومي وحديث، ما أفسح المجال أمام القوى الرجعية والأكثر تنظيماً لاستثمار هذا الحراك والوصول إلى السلطة، أو تصدر هذا الحراك والانحراف به نحو الفتنة والعنف والحروب الأهلية. هذا ما حصل في مصر مثلاً أذ تخلفت جماعة "الإخوان المسلمين" عن المشاركة في الانتفاضة، ثم جاءت بعد فترة لتركب الموجة وتستغل النضال الشعبي من أجل الوصول إلى السلطة. وذلك بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية لقاء تعهدات تتعلق بالدور الذي تلعبه في عملية إقامة "الشرق الأوسط الجديد" عموماً وتصفية الصراع مع إسرائيل خصوصاً. وهذا ما حصل أيضاً في ليبيا مثلاً عندما انحرفت هذه الجماعة ومثيلاتها بالانتفاضة إلى حرب أهلية مدمرة. كذلك فإن ما ساعد القوى الرجعية على تصدر واجهة الانتفاضات الشعبية والانحراف بها ومنعها من التحول إلى ثورات وطنية تقدمية كان الدعم السياسي والمالي والإعلامي والعسكري الذي وفرته لها دول الخليج العربي، خصوصاً السعودية وقطر، بتوجيه من الولايات المتحدة الأميركية.

مصر:

لسنا بحاجة إلى شرح أهمية موقع مصر الجيواستراتيجي في محيطها العربي والإقليمي.

على مدى قرنين من الزمان، ومنذ حملة بونابرت على مصر ثم قيام دولة محمد علي، كان الثابت في السياسة الغربية الاستعمارية محاصرة مصر وعزلها، ومنعها من القيام بدورها الطبيعي في محيطها.

بعد سقوط مشروع محمد علي رضخت مصر للسياسة الغربية وللعزلة التي فرضها الاستعمار عليها. أما الاستثناء الوحيد، وعلى مدى قرنين من الزمن، فقد كانت مرحلة جمال عبد الناصر 1952 – 1970، حين خرجت مصر من تحت سيطرة الاستعمار الغربي وانفتحت على العالم واستعادت دورها المشار إليه آنفاً. غير أن الاستعمار استعاد سيطرته عليها طوال عهود ثلاثة هي عهود أنور السادات وحسني مبارك والأخوان المسلمين.

في 30 حزيران – يونيو 2013، حدثت في مصر انتفاضة شعبية عارمة نتج عنها سقوط حكم الأخوان المسلمين وعودة الجيش إلى الإمساك بزمام السلطة. وفي هذه المرحلة بدأت تظهر مؤشرات متناقضة حول توجهات مصر في المرحلة المقبلة. هذه المؤشرات بعضها إيجابي يوحي بخروج مصر من فلك السيطرة الغربية، وبالتحديد الأميركية، وفي هذا المجال نلاحظ أن قوى إقليمية أربعة تعمل على محاصرة مصر وعزلها هي إسرائيل والرجعيات العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا وأثيوبيا. ومؤشرات أخرى سلبية، نرصد هذه وتلك على النحو الآتي:

أما المؤشرات الإيجابية فأبرزها ثلاث:

-عودة الحرارة إلى العلاقات المصرية – الروسية.

-الانفتاح على الصين.

-موقف مصر من موضوع الأزمة السورية المتناقض بشكل واضح مع مواقف الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وإسرائيل وتركيا.

أما المؤشرات السلبية فأبرزها:

-استمرار سيطرة الرأسمالية المصرية المرتبطة بالرجعية العربية والاستعمار على الاقتصاد المصري ونفوذها السياسي في الداخل، حيث لم تقدم السلطة الجديدة على المس بمصالح ونفوذ هذه الطبقة.

-تبرأة رموز نظام حسني مبارك تدريجياً من الجرائم التي ارتكبوها على مدى ثلاثين سنة.

- التماهي مع سياسات الرجعيات العربية في الكثير من المجالات، وموقف مصر الملتبس من العدوان على اليمن ومن القضية الفلسطينية.

مع إدراكنا لثقل التركة التي خلفتها العهود الثلاث الماضية، السادات ومبارك ومرسي، ومع تأييدنا للمؤشرات الإيجابية في السياسة المصرية في السنتين الماضيتين، لا يمكننا أن نغفل المؤشرات السلبية التي ذكرنا بعضها آنفاً. ونحن نرى أن ظروف مصر اليوم للخروج من تحت السيطرة الأميركية واستعادة دورها الوطني والقومي، أفضل بكثير من ظروف مرحلة الخمسينيات.

إن عودة مصر، ومن جديد استجابة لحاجات أمنها القومي، إلى لعب دورها الطبيعي والطليعي في محيطها العربي سوف تكون له نتائج بالغة الأهمية لجهة إعادة إنتاج حركة تحرر عربية، ولجهة إعادة تشكيل النظام الإقليمي المتحرر من التبعية للاستعمار الأميركي.

إعادة تقسيم الدول العربية:

في الحقيقة، وكما جاء في الوثيقة السياسية الصادرة عن مؤتمرنا السابق، فإن "الكيانات (الدول) العربية القائمة، كلها وبلا استثناء، لا تستند إلى هوية حضارية ثابتة (العروبة)، ولا إلى تطور تاريخي حر أدى إلى نشوء هذه الكيانات (الدول). هي، بجغرافيتها السياسية القائمة، تستند إلى "شرعية" نظام إقليمي تشكل في رحم النظام الدولي الذي بدأت ملامحه تتشكل بعد الحرب العالمية الأولى وبالتبعية به. ثم ارتسمت صورته بشكل ثابت بعد الحرب العالمية الثانية. وأعيد تثبيت هذا النظام الإقليمي وتحديث أواصر التبعية التي تشد كياناته إلى قوى الاستعمار العالمي بالتزامن مع قيام دولة إسرائيل التي شكلت ركناً أساسياً في النظام".

ومع انهيار النظام الدولي القديم انهارت الأساسيات التي قام عليها النظام الإقليمي للشرق الأوسط بكياناته السياسية وأنظمته وتوازناته.

نستعيد أيضاً من الوثيقة السابقة:

"استعادت "البيوتات الحاكمة" – في البلدان العربية – سيرتها الأولى – في خدمة الاستعمار – فأخذت تبحث عن وظيفة لها في عالم متغير لا يد لها في إعادة تشكيله. وكان من الطبيعي أن يكون البحث عن هذه "الوظيفة" لدى الولايات المتحدة الأميركية..." حتى لو كانت الوظيفة هي العمل على تقسيم البلاد العربية. وهذا هو الدور الذي تؤديه، منذ مطلع هذا القرن خصوصاً، المملكة العربية السعودية وسائر بلدان الخليج ضد العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن ولبنان... وأيضاً مصر.

وأيضاً...

"وفي مقابل البيوتات العربية الحاكمة التي راحت تلهث وراء وظيفة، كانت هناك دول ثلاث في المنطقة تصنع لنفسها دوراً في الخارطة العتيدة "للشرق الأوسط الجديد"، وهي إسرائيل وتركيا من جهة، وإيران من جهة أخرى".

وإلى ما تقدم من  عوامل إدت إلى تفجر الانتفاضات الشعبية في البلاد العربية ثمة عامل مهم لا يجوز إغفاله وهو:

فقدان الكيانات العربية القائمة للأساس الذي قامت عليه وهو النظام الدولي القديم ما فاقم من أزمتها ككيانات وجعلها عاجزة عن مواكبة المتغيرات الدولية العاتية، وضمان الوظيفة الأساسية للدولة وهي الأمن القومي. وبالتالي فقد باتت الخارطة السياسية لهذا "الشرق الأوسط" عائمة على سطح المتغيرات الدولية، وعرضة لإعادة صوغها ورسم جغرافيتها وفقاً لتقلبات الصراع الدولي، وبانتظار معادلة دولية لم ترتسم ملامحها بعد ولا تبدو في أفقٍ منظور.

وإذا كان الخارج الدولي والإقليمي هو المهيأ لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للأمة العربية، فإن أخطر ما نواجهه اليوم هو غياب المشروع القومي الحديث القادر على مواجهة التحديات الخارجية والعمل من أجل تحقيق هدف الوحدة. وهكذا نجد أن القوى الوطنية في البلاد العربية، وفي غياب المشروع الذي يحولها إلى حركة تحرر، تكتفي في أحسن الأحوال بأن تكون مجرد قوى مقاومة تجابه متفرقة التحديات الخارجية. إن مشروع التقسيم وإعادة رسم الجغرفيا السياسية للمنطقة هو مشروع حديث، مشروع أميركي – صهيوني حديث جداً، حتى ولو اتخذ في الداخلالعربي أشكالاً متخلفة تكفيرية باسم "الإسلام". وفي المقابل فإن القوى الوطنية التقدمية لا تحمل مشروعاً حديثاً لمواجهة هذا المشروع الأميركي – الصهيوني والسير بالأمة على طريق الوحدة.

في ضوء ما تقدم تحدد "حركة الشعب" رؤيتها إلى الصراع العالمي المتعدد الأشكال والمجالات بين تكتلات قارية ودولية، ذكرنا أهمها آنفاً وهو الصراع الذي تدور أشرس معاركه اليوم على رقعة الشرق الأوسط. كما تحدد موقفها وخطة عملها على النحو الآتي:

إن هذا الصراع سوف يتمادى إلى سنوات طويلة قادمة. وبالعودة إلى دروس التاريخ يتبين لنا أن القوى الوطنية كانت تجد في الصراع الدولي خلال المرحلة الانتقالية بين نظام عالمي انتهي ونظام عالمي لم يتشكل بعد الفرصة الملائمة لتحقيق أهدافها في التحرر الوطني، والتعاطي مع هذا الصراع بما يحقق لها أهدافها في التحرر والتقدم.

إن القراءة الموضوعية للصراع العالمي في هذه المرحلة ولموازين القوى للتكتلات المنخرطة فيه تبين لنا بوضوح أن ظروف إعادة إنتاج حركة تحرر عربية اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية حين انطلقت حركة تحرر عربية حديثة وفعالة، تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة  على مختلف الصعد، واحتلت موقعاً طليعياً في حركة التحرر العالمية في خمسينات وستينات القرن الماضي.

إن ما يجري في أميركا الجنوبية ودول الكاريبي يؤكد صحة هذه الرؤية، ويعطي دروساً يجب أن تعيها وتستفيد منها القوى الوطنية في البلاد العربية.

وإذ لا يمكن التعويل على الجامعة العربية كمنظمة إقليمية يمكن أن تقود الأمة في هذه الظروف نحو أهدافها، فإن القوى الشعبية، السياسية والنقابية وكذلك المثقفون والفنانون ومراكز الأبحاث يجب أن تضطلع بهذا الدور. وترى "حركة الشعب" أن إنجازات المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا تشكل القاعدة الصلبة لبناء حركة التحرر العربية الجديدة.

وفي ضوء حقيقة المشروع الأميركي – الصهيوني الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة وإخضاعها بالكامل ترى "حركة الشعب" أن الجبهة الشعبية العربية التي تواجه هذا المشروع تتسع لكل القوى والفاعليات التي تعمل من أجل التصدي له ولأدواته في المنطقة العربية وأخطرها المحميات النفطية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ورأس المال الطفيلي المرتبط بالرأسمالية العالمية، والمنظمات الإرهابية التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتغذيها الدول النفطية وتركيا.

كذلك ترى "حركة الشعب" أن النظام الإقليمي الذي يواجه المشروع الأميركي "للشرق الأوسط الجديد" المستند على قوتين إقليميتين هما تركيا وإسرائيل، هو النظام الذي يستند على ركائز إقليمية ثلاث هي مصر وسوريا وإيران.

لذلك تضع "حركة الشعب" في أولويات عملها على الصعيد العربي للمرحلة المقبلة الآتي:

1-الدعوة إلى لقاء تشاوري حول الأوضاع العامة في المنطقة والمشروع الأميركي – الصهيوني وسبل مواجهته، وكيفية إقامة جبهة عربية تنضوي فيها كل القوى والفاعليات التي تقاوم هذا المشروع على اختلاف أيديولوجياتها ومجالات عملها.

2-إقامة الجبهة العربية المناهضة للمشروع الأميركي الصهيوني كتكتل إقليمي يسد الفراغ الذي سببه انهيار الجامعة العربية وتبعيتها المطلقة للاستعمار.

3-إقامة تحالف مع القوى الدولية والإقليمية الصديقة خصوصاً إيران وروسيا والصين، ومع التكتلات التي أشرنا إليها آنفاً منظمة شنغهاي ومجموعة البريكس ومجموعة سيلاك.

4-مساندة سوريا في مواجهتها لمشروع إسقاط الدولة والتقسيم الذي يراد له أن يعم الأمة العربية كلها.

5-بالاستناد إلى ما أدت إليه سياسة التفاوض من أضرار جمة أصابت القضية الفلسطينية. وبالاستناد أيضاً إلى ما حققته المقاومة الفلسطينية، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، الدعوة إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بما يضمن مشاركة كافة الفصائل فيها، وإلى إعادة صوغ برنامج عملها بما يتلاءم وهدف تحرير فلسطين.

6-دعم التوجهات الإيجابية للقيادة المصرية، خصوصاً لجهة تحرير مصر من التبعية للولايات المتحدة الأميركية وانفتاحها على القوى العالمية والإقليمية الصديقة.

لبنان:

خلال السنوات الخمس الماضيات التي تلت مؤتمرنا الأخير حدثت في لبنان تطورات دراماتيكية خطيرة كان أبرزها ثلاثة: انهيار صيغة أو معادلة "الطائف" كأساس لتركيب السلطة. وانهيار المؤسسات الدستورية للدولة، بدءاً بالتمديد غير الشرعي لمجلس النواب، مروراً بالفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وصولاً إلى الشلل الكامل في مؤسسة الحكومة. أما التطور الثالث فقد كان ظهور المنظمات الإرهابية بشكل علني ومباشرتها العمل على إغراق لبنان في الفوضى الدموية والحرب الأهلية. في الحقيقة فإن التطورات المشار إليها لم تكن وليدة الصدفة ولكن العوامل التي أدت إليها كانت تتجمع وتتفاعل خلال السنوات التي سبقتها، وبالتحديد منذ العام 2003، أي في الفترة عينها التي بدأت فيها الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ خطتها "للشرق الأوسط الجديد" التي أشرنا إليها آنفاً. وفي هذه الفترة يمكن أن نرصد الآتي:

-صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، ثم اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من انقسام شعبي حاد على أساس طائفي، والاستقطاب الحاد للشارع بين تكتلين: تكتل 14 آذار بقيادة تيار المستقبل، وتكتل 8 آذار بقيادة حزب الله وحركة أمل، ثم خروج الجيش السوري من لبنان، مع ما يعنيه ذلك من سقوط المعادلة الأميركية – السعودية – السورية التي شكلت الأساس الذي قام عليه اتفاق "الطائف".

-العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006. هذا العدوان الذي قررته وأدارته الولايات المتحدة الأميركية، وكانت أدواته التنفيذية ثلاث: إسرائيل، التي كُلفت بالشق العسكري من العملية لجهة تصفية قيادة حزب الله وتصفية المقاومة وتهجير الشيعة من الجنوب اللبناني تمهيداً لتهجيرهم إلى جنوب العراق. والدول العربية التابعة لأميركا التي كان مقرراً أن تتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن "للسلام" مع إسرائيل تحت الفصل السابع بعد تصفية المقاومة وعزل سوريا. فريق 14 آذار بقيادة فؤاد السنيورة الذي كان مكلفاً بتحريك "انتفاضة شعبية" ثانية ضد المقاومة من أجل إسقاطها من المعادلة السياسية الداخلية. غير أن هذا لم يتحقق بسبب انتصار المقاومة في حرب تموز 2006.

-القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء في 5 أيار 2008، والتي كانت دلالاتها واضحة في الرسالة التي وجهها مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة إلى مجلس الأمن الدولي والتي حملت مفارقة غريبة إذ أنها كانت تمثل شكوى "رسمية" إلى مجلس الأمن ضد حزب الله. وقد جاءت أحداث 7 أيار رداً على تلك القرارات وإجهاضاً للنتائج التي سعوا إليها من خلال تلك المقرارات.

لقد جاء اتفاق "الدوحة" في21 أيار 2008 ثم انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، تم تشكيل حكومة سعد الحريري "الجامعة" بمثابة تهدئة أو إنعاش مؤقت لاتفاق الطائف بانتظار تطورات إقليمية كانت مقررة سلفاً في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت الحرب على سوريا هي الجانب الأهم والأخطر في هذه التطورات.

في مطلع العام 2011، وبالتزامن مع المتغيرات التي كانت تجتاح المنطقة من تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا وسوريا، بدأت تظهر على سطح المستنقع السياسي اللبناني نذر متغيرات تنبئ بالسقوط النهائي لمعادلة الطائف. فرداً على ما كانت تعد له قوى 14 آذار، وبالتحديد من موقعها المتميز في الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري في سياق التحضير الأميركي – الأوروبي – الخليجي لإشعال الأزمة السورية، استقال وزراء 8 آذار وأسقطوا الحكومة. في الحقيقة كان هذا الفريق يسعى إلى تحسين مواقعه في الحكومة العتيدة وليس الانقلاب على "الشراكة". لم يقرأ بشكل دقيق الخلفيات الإقليمية والدولية التي كانت تحرك شريكه في تلك "الشراكة" فريق 14 آذار. لذلك عندما سعى فريق 8 آذار إلى تشكيل حكومة "جامعة" أعلن فريق 14 آذار أنه لن يشارك في مثل هذه الحكومة. كان هذا الإعلان بمثابة النعي النهائي لمعادلة "الطائف".

كانت الحكومة التي ترأسها نجيب الميقاتي من 13/6/2011 إلى 23/3/2013 بمثابة حكومة انتقالية. ومع التمديد غير الشرعي لمجلس النواب في 30/5/2013، الذي أعقبه بعد سنة ونيف الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، بات واضحاً أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية أخذت تنهار تباعاً.

مذا يعني هذا؟

يعني بكل بساطة أن المعادلة الإقليمية الدولية التي يرتكز عليها النظام السياسي اللبناني، والتي جرى تعديلها وتجديدها في "الطائف" أواخر العام 1989 قد انهارت من دون أن تتوفر الظروف الملائمة لإنتاج معادلة إقليمية دولية بديلة. فقد كانت العلامة الأولى لانهيار المعادلة الأميركية – السعودية السورية التي جسدها اتفاق الطائف هي صدور ما سمي "قانون محاسبة سوريا" عن الكونغرس الأميركي في تشرين الأول من العام 2004. وكانت العلامة الثانية صدور القرار 1559 في 2 أيلول 2004 الذي عملت على استتصداره الولايات المتحدة الأميركية. أما الضربة القاضية التي وجهت إلى تلك المعادلة فكانت إجبار سوريا على الانسحاب من لبنان في 5 أيار من العام 2005،وهو ما أدى انهيار المعادلة تلك إلى الانهيار المتسارع لمؤسسات النظام السياسي الطائفي في لبنان. وهكذا فإن البلاد، ومنذ ذلك التاريخ، تعيش في ظل سلطات انتقالية ومؤسسات دستورية انتقالية بانتظار معادلة إقليمية لا تبدو في أفق منظور. وربما – عندما تتوفر هذه المعادلة – لا يكون للبنان، الوطن والدولة مكان فيها. وبالتالي فإن لبنان وسط الصراع الدولي المحتدم في منطقة الشرق الأوسط يبدو أمام احتمالين لا ثالث لهما وهما:

-إما أن يؤدي انهيار الدولة، وسط صراعات "الشرق الأوسط"، إلى حرب أهلية طائفية تطيح بكيان لبنان وتعيد توزيع أجزائه وفق ما تقتضيه الخارطة السياسية العتيدة لهذا "الشرق الأوسط الجديد". هذا إذا ظلت القوى الطائفية ممسكة بزمام السلطة في هذه المرحلة الانتقالية.

-وإما أن يتيح انهيار الدولة الطائفية للقوى الوطنية العابرة للطوائف الفرصة لإنتاج نظام سياسي جديد ويعيد بناء الدولة، بمؤسساتها الدستورية خاصة على أسس وطنية راسخة. هذا إذا بادرت إلى احتلال موقعها في الساحة السياسية والتقطت دورها التاريخي بشجاعة ووعي.

إن تجنيب لبنان مخاطر السقوط في حرب أهلية مدمرة تطيح بكيانه وتؤدي إلى توزيع أجزائه وفق الخارطة السياسية "للشرق الأوسط الجديد" إنما يعتمد بالدرجة الأولى على عاملين أساسيين:

-فشل المشروع الأميركي في إعادة رسم الخارطة الجيو سياسية للشرق الأوسط. وهذا هو، كما ذكرنا في القسم الأول، محور الصراع الدولي والإقليمي في هذه المنطقة من العالم. وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن هذا الصراع سوف تزداد حدته ويطول مداه بحيث لا يمكن توقع بلوغه نتائج نهائية وثابتة في المدى المنظور.

-قدرة القوى الوطنية العابرة للطوائف على تجاوز أزمتها، يحيث تتمكن من وضع مشروع وطني للإنقاذ وإعادة تأسيس الدولة، تحشد من أجل تحقيقه القوى الشعبية لكي تتمكن من مواجهة القوى الطائفية المهيمنة خصوصاً تلك المرتبطة بالحلف الأميركي – الصهيوني – الرجعيالعربي.

إن الشرط الأساسي لتجاوز الأزمة التي تتخبط بها القوى الوطنية التقدمية هو القراءة الموضوعية الدقيقة التي أنتجت هذه الأزمة، إن لجهة الظروف الموضوعية وكيفية التغلب عليها، أو لجهة الظروف الذاتية وكيفية معالجتها.

في الظروف الموضوعية: 

منذ العام 1993، وبعد تولي رفيق الحريري رئاسة الحكومة، طبقت سياسات مالية – اقتصادية – اجتماعية صارمة كانت الغاية منها تدمير قطاعات الإنتاج،خصوصاً في مجالي الصناعة والزراعة، وتحويل الاقتصاد اللبناني بالكامل إلى اقتصاد ريعي، وزيادة التشوه في النسيج الاجتماعي للمجتمع اللبناني باحتكار الثروة في أيدي فئة قليلة من المضاربين، وإضعاف الطبقة الوسطى وتفتيتها وزيادة رقعة البطالة والفقر في لبنان.

إن السياسات المالية – الاقتصادية – الاجتماعية هذه يجب أن تدرس بعمق وتفصيل، إن من حيث الرهانات والارتهانات التي دفعت إليها، أو من حيث النتائج التي أسفرت عنها. ولا يتسع المجال هنا لمثل هذه الدراسة المعمقة ولكن، نكتفي بالإشارة إلى العناوين البارزة لهذه الدوافع والغايات والنتائج أهمها:

1-الرهان على "السلام" بين الدول العربية عموماً وإسرائيل، وبين لبنان بخاصة وإسرائيل. وهذا ما أقر به صراحة إثنان من أبرز وجوه تلك المرحلة وهما رفيق الحريري وفؤاد السنيورة اللذين قالا في مناسبات عدة عندما كانا يُسألان عن تفاقم الدين العام إن هذا الدين سوف يجري إعفاء لبنان منه عندما يوقع "السلام" مع إسرائيل.

2-لذلك لم يكن صدفة تطابق ما سمي "خطة النهوض الاقتصادي" مع "مشروع الاندماج الإقليمي" الذي قدمه الوفد الإسرائيلي في مؤتمر دول حوض المتوسط في المغرب سنة 1994.

3-كذلك لم تكن صدفة تزامن "خطة النهوض الاقتصادي" تلك، وما حملته معها من سياسات مالية – اقتصادية – اجتماعية مع اندفاع الولايات المتحدة الأميركية بالدعوة إلى "العولمة" الرأسمالية. وهنا لا بد من التذكير بأن الولايات المتحدة الأميركية كانت الطرف الرئيسي في المعادلة التي أعادت إنتاج السلطة في لبنان بعد "الطائف" وهي المعادلة الأميركية – السعودية – السورية.

هذا في الدوافع – بعض الدوافع – من دون أن ننسى الفساد الذي تحول في تلك الفترة من علة إلى وباء. كان مقصوداً تعميمه ونشره ليشمل الدولة كلها، بمؤسساتها الدستورية والإدارية كافة، ثم ليتجاوز الدولة إلى المجتمع الذي تحول فيه الفساد من عيب إلى قيمة ونمط حياة.

أما في النتائج فنكتفي بالإشارة إلى الآتي:

-ارتفعت أرقام الدين العام الفعلي من حوالي مليلري دولار مطلع العام 1993 إلى حوالي خمسة عشر مليار دولار في العام 1997. أي أنها تضاعفت بنسبة 400% خلال أربع سنوات فقط. أما اليوم، وقد تجاوز حجم الدين العام الـ80 مليار دولار بحيث تجاوز ضعفي الناتج المحلي القائم، فيكون قد تضاعف حوالي أربعين ضعفاً عما كان عليه في العام 1993.

-خلال هذه الفترة تدنى نصيب قوة العمل من الدخل الوطني إلى حوالي 30%، بعد أن بلغ في العام 1975 نسبة تتراوح ما بين الـ55 إلى 60%. وحتى في العام 1989 في نهاية الحرب الأهلية كانت النسبة تقارب الـ50%. ونتيجة لاستمرار السياسات المالية والاقتصادية التي طبقت منذ العام 1993 ولا تزال سارية إلى اليوم فقد تقلص نصيب قوة العمل من الدخل الوطني إلى ما دون الـ 25%. ولتبيان فداحة هذا التدهور وأثره على المجتمع اللبناني نجري مقارنة سريعة مع دول أخرى، بعضها يعتبر من الدول المتقدمة وبعضها الآخر من الدول النامية. ففي البلدان المتقدمة يتراوح نصيب قوة العمل من الدخل الوطني ما بين الـ 85 إلى الـ90%، وفي دول أخرى كبلدان أوروبا الشرقية تتراوح النسبة ما بين الـ 60 إلى الـ70%. وفي دول أميركا الجنوبية مثلاً تتراوح النسبة ما بين الـ 55 إلى 63%.

-ارتفعت معدلات البطالة الحقيقية إلى أكثر من 30% خلال السنوات الأربع المشار إليها آنفاً. وارتفعت معها بشكل مخيفمعدلات الهجرة من الريف إلى المدينة ومن لبنان إلى الخارج، خصوصاً بين الشباب.

-تعميق الفوارق الطبقية بشكل فظيع. يكفي أن نشير في هذا المجال إلى أنه في العام 1997، كانت نسبة لا تتعدى 3% من اللبنانيين وغير اللبنانيين يستحوذون على أكثر من 80% من الودائع، وأن نسبة 1% من لبنانيين وغير لبنانيين كانوا يستحوذون على ما يقارب 50% من الودائع. وبالمقابل، ومع تدهور قطاعات الإنتاج وما رافق ذلك من فساد استحوذ على غنائمه ذلك التحالف البشع بين رأس المال الريعي  والمتنفذين في السلطة. اتسعت رقعة البطالة والفقر ما شكل البيئة الملائمة الحاضنة لكل دعوات التعصب والإرهاب.

-وفي النتائج أيضاً التي أدى إليها ضمور وانهيار  قطاعات الإنتاج، وبخاصة الصناعة، أن تشتت الطبقة العمالية التي كانت القاعدة التي ارتكزت عليها النقابات في مراحل الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وبانهيار النقابات العمالية افتقدت القوى الوطنية العابرة للطوائف القاعدة الصلبة التي كانت ترتكز عليها في تثبيت حضورها السياسي وأداء دورها.

إلى ما تقدم من عوامل أدت إلى إفقاد القوى التقدمية حاضنتها الاجتماعية فقد تضافرت عوامل أخرى فاقمت من مأزق القوى التقدمية أبرزها:

-التآمر الفظ من قبل المتنفذين في السلطة – لبنانيين وسوريين – على الاتحاد العمالي العام.

-التفريخ السرطاني لنقابات وهمية ولأعداد كبيرة من النقابات العمالية التابعة بزعماء الطوائف.

-المال السياسي الذي أُغدق من جهات عدة على أطراف الطبقة السياسية الطائفية من جهات خارجية وتوظيف هذا المال في إفساد المواطنيين واستتباعهم لزعماء الطوائف. وكذلك تسخير الدولة بمؤسساتها وأجهزتها من أجل "تفريغ" أزلام زعماء الطوائف في مؤسسات الدولة وعلى حساب المواطنيين.

ولا ننسى أيضاً الدور الخطير الذي لعبه الإعلام، خصوصاً الإعلام المرئي، الذي جرى توزيعه على زعماء الطوائف لجهة إزكاء النعرات الطائفية والمذهبية وتمزيق المجتمع اللبناني.

هذه العوامل أو النتائج التي أسفرت عنها السياسات المالية – الاقتصادية – الاجتماعية أدت إلى إفقاد القوى الوطنية التقدمية العابرة للطوائف البيئة الملائمة لنموها فأضعفتها وأقعدتها عن أداء دور فعال في هذه المرحلة الخطيرة. وهذه السياسات التي أرسيت في الفترة ما بين 1993 – 1997 هي التي جرى تكريسها من قبل جميع الحكومات التي تعاقبت منذ العام 1997 إلى الآن.

 

في الظروف الذاتية: 

أما لجهة العوامل الذاتية لأزمة القوى الوطنية اللاطائفية فتتلخص بالآتي:

1-إغفالها لضرورة إجراء قراءة علمية وموضوعية للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تلاحقت في فترة ما بعد الطائف، وخصوصاً منذ العام 1993. وبالتالي إغفالها لضرورة وضع مشروع وطني وخطة عمل كفؤة للتعاطي مع هذه المتغيرات ومواجهتها.

2-لقد أدى غياب المشروع السياسي لدى القوى الوطنية التقدمية إلى كوارث عدة أبرزها:

-تفاقم الصراعات الداخلية ذات الطابع الشللي داخل هذه الأحزاب، وانكفاء معظم العناصر النشيطة عن العمل الحزبي.

-عجز القوى الوطنية عن الالتقاء في عمل جبهوي مشترك في مواجهة القوى الطائفية المهيمنة المتحالفة مع رأس المال الريعي والتصدي لسياساتها المدمرة التي أوصلت لبنان الوطن والدولة إلى المأزق الذي يعيشه اليوم.

-تخبطها في رهانات سياسية، انتهازية وقصيرة النظر، على القوى الطائفية المهيمنة.

-ابتعادها عن العمل الشعبي المبرمج والمدروس ما خلف فراغاً كبيراً في الساحة السياسية والشعبية بحيث تمكنت القوى الطائفية من ملء هذا الفراغ بشكل ملموس.

في ضوء ما تقدم تضع "حركة الشعب" مشروعها وخطة عملها للمرحلة المقبلة وفق العناوين الآتية:

أولاً:هدف المشروع:

بصرف النظر عن موقفنا الثابت لجهة رفض النظام السياسي المرتكز على معادلات خارجية وعلى الطائفية، فإنه، وكماأشرنا آنفاً، لن تتوفر للبنان وسط الصراعات الإقليمية والدولية المحتدمة في المنطقة، معادلة خارجية تتيح للقوى الداخلية المهيمنة إعادة إنتاج نظامها الطائفي وبناء دولتها. لذلك فإن الهدف المباشر لـ"حركة الشعب" في هذه المرحلة هو إعادة تأسيس الدولة على قاعدة المواطنة وإلغاء الطائفية بالكامل.

ثانياً:خارطة الطريق نهحو هذا الهدف:

إن انهيار المؤسسات الدستورية على النحو الذي نشهده اليوم يفرض الآتي:

أ-تشكيل هيئة انتقالية (حكومة مؤقتة) من خارج أطراف الطبقة السياسية المهيمنة، تضم شخصيات حقوقية وثقافية ونقابية وطنية، وتتمثل فيها المؤسسات القضائية والإدارية والعسكرية.

ب-تضع قانوناً للانتخاب يرتكز على قاعدة المواطنة، وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، واعتماد النظام النسبي، وجعل سن الانتخاب 18 سنة.

د-إجراء انتخابات نيابية وفقاً للقانون الجديد بحيث يشكل المجلس النيابي هيئة تأسيسية.

هـ-يضع المجلس الجديد دستوراً دائماً للبلاد يجري إقراره بالاستفتاء الشعبي المباشر.

و-بالاستناد إلى الدستور الجديد يجري انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، تحل بعدها الهيئة الانتقالية (الحكومة المؤقتة).

ثالثاً:بناء القوة القادرة على حمل هذا المشروع وتنفيذه:

لا شك في أن عملية بناء القوة الوطنية الشعبية القادرة على حمل مشروع إعادة تأسيس الدولة تحتاج إلى الكثير من الحنكة والصبر. وفي هذا المجال يجب على "حركة الشعب" أن تلحظ الآتي:

أ-إعادة هيكلة الأطر التنظيمية وتفعيلها من أجل تحويل الحركة إلى تيار شعبي فاعل.

ب-المؤتمر الوطني للإنقاذ كإطار لتفاعل القوى والشخصيات الوطنية اللاطائفية. والعمل على توسيع هذا الإطار وتفعيل عمله في مختلف الأوساط الشعبية.

ج-النقابات: وفي هذا المجال تنظر "حركة الشعب" يإيجابية إلى الدور الذي لعبته هيئة التنسيق النقابية في الفترة الماضية. وضرورة إنخراط الرفاق في مختلف فروع هيئة التنسيق.

د-العمل من أجل الارتقاء بفروع هيئة التنسيق النقابية إلى مستوى النقابات، على غرار ما تم انجازه من قبل موظفي الإدارة العامة الذين شكلوا مؤخراً نقابة للموظفين. وهذا النموذج يجب أن يحتذى من قبل المتعاقدين في مختلف إدارات الدولة والمؤسسات العامة.

هـ-العمل مع القضاة النظيفي الكف وغير المرتهنين لأطراف السلطة وسلطة رأس المال، على تشكيل نقابة القضاة.

و-تفعيل نشاط الرفاق والأصدقاء وكذلك أيضاً الحلفاء في النقابات المهنية وفرض حضورهم القوي فيها من أجل تخليصها من الاستقطابات الطائفية التي ترعاها القوى السياسية المهيمنة.

ز-زيادة الانخراط في العمل الشعبي عن طريق برمجة نشاطات هادفة ومفيدة للمجتمع بحيث تستقطب الحركة مختلف الطاقات والكفاءات وتوظيفها في نهضة المجتمع وتخليصه من السلبية والولاءات الانتهازية الضيقة.