You are here: Home الوثيقة السياسية مشروع الوثيقة السياسية 2009

مشروع الوثيقة السياسية 2009

إرسال إلى صديق طباعة

المقدمة إلى المؤتمر العام "لحركة الشعب" 2009

مقدمة عامة:

اليوم، في خضم هذه الأزمة العامة التي تعصف بلبنان، وتتجلى في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كما وعلى صعيد محاولة إعادة تركيب الدولة ومنع تفجر المجتمع، وفي هذه المرحلة العاصفة من التحولات والصراعات على الصعيدين الدولي والإقليمي وامتداداتها في الداخل اللبناني، كما وفي داخل كل بلد عربي، ترى ما الحقيقة في ما يجري وإلى أين نسير؟

هل إن ما نعيشه اليوم هو مجرد أزمة سياسية يكفي لحلها هذا الذي يدعون إليه كل مرة، اللقاء بين الأطراف والحوار والوفاق، مدعوماً بالمساعي الخيرة التي تنهال علينا من "الأشقاء والأصدقاء"؟

هل إنها أزمة النظام السياسي، بكل ما يحمله من عوامل الوهن وسمات التخلف، أم إنها أكثر من ذلك أزمة هوية لبنان ودوره في خارطة نظام إقليمي لم ترتسم ملامحه بعد، يلفه غبار الصراع العالمي المحتدم من أجل نظام دولي جديد، لا تزال الطريق إليه طويلة وشائكة؟

أم هي قبل هذا كله وبعده، أزمة كيان؟

الحقيقة هي أنها أزمة الكيان اللبناني ذاته، بمكوناته السياسية والمجتمعية، بموقعه في نظام إقليمي متداع عائم على تقلبات صراعات عالمية عاتية، حيث تتكامل أزمات الهوية والدور والنظام السياسي. وإذا كانت الأزمة هذه تتجلى اليوم في لبنان بشكل صارخ، وكذلك في عدد من البلدان العربية الأخرى، كالعراق وفلسطين والسودان والصومال...فإنها في الحقيقة تشمل الكيانات العربية كلها، في مرحلة تاريخية تشهد تحولات عالمية هائلة لم تعد هذه الكيانات، بأنظمتها "البدوية" السائدة، قادرة على الصمود في وجهها أو التكيّف معها.

من أين نبدأ؟...من الأول.


 

1-في جذور الأزمة:

في نقطة فاصلة من مسار الحرب العالمية الأولى، وعندما بدا أن الكفة بدأت تميل لمصلحة "الحلفاء"، ظهرت فكرة إنشاء الكيانات العربية القائمة، خصوصاً في منطقة المشرق العربي (اتفاقية سايكس – بيكو) استعداداً لوراثة إمبراطوريات دول "المحور" ومن بينها الإمبراطورية العثمانية. هل صدفة أنه في التاريخ عينه صدر وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؟ كانت عملية إعادة رسم الجغرافية السياسية للمنطقة صياغةً جديدة لنظام إقليمي جديد يتلاءم وحاجات النظام الدولي الذي كان من الطبيعي أن تفرزه نتائج الحرب العالمية.

في الواقع لم تنجح الحرب الأولى في إنتاج هذا النظام الدولي بسبب ابتعاد أو استبعاد قوى دولية صاعدة وعدم تمكنها من فرض نفسها في هذا النظام بما يتلاءم مع وزنها على الصعيد العالمي، الولايات المتحدة الأميركية بسبب تعنت الإمبراطوريات الأوروبية القديمة في احتكار مستعمراتها، وروسيا بسبب الثورة الشيوعية التي بادرت إلى عقد صلح مع زعيمة "دول المحور" المانيا.

هذا ما شكل أحد أهم العوامل التي مهدت للحرب العالمية الثانية، التي كانت امتداداً للأولى واستكمالاً لها. وبنتيجيتها قام نظام دولي جديد، كانت أبرز علاماته اثنتان: وراثة الولايات المتحدة الأميركية امبراطوريات القوى الاستعمارية الأوروبية وتبوء موقع الزعامة للعالم "الحر". وخروج الاتحاد السوفياتي من عزلته قوة عالمية تتزعم المعسكر الاشتراكي في مواجهة المعسكر الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.

على تخوم النظام الدولي الجديد في القمة أخذت تتشكل الأنظمة الإقليمية الرديفة في الأطراف، وكان من بينها النظام الإقليمي للشرق الأوسط.

في هذه الفترة بدأت الكيانات العربية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصاً في منطقة المشرق العربي، تحظى بالاستقلال، دولاً معترفاً بها من قبل "المجتمع الدولي".

ومن جديد نسأل: هل صدفة أنه في الفترة عينها التي حفلت "بأعراس"، استقلال بلدان المشرق العربي عن نظامي الوصاية والانتداب قامت إسرائيل، دولة مستقلة أيضاً ومعترفاً بها من قبل "المجتمع الدولي"؟

ماذا نريد أن نقول؟

إن الكيانات (الدول) العربية القائمة، كلها وبلا استثناء – ومن ضمنها بالطبع لبنان – لا تستند إلى هوية حضارية ثابته (العروبة)، ولا إلى تطور تاريخي حر أدى إلى نشوء هذه الكيانات (الدول). هي، بجغرافيتها السياسية القائمة، تستند إلى شرعية نظام إقليمي تشكل في رحم النظام الدولي الذي بدأت ملامحه بعد الحرب العالمية الأولى وبالتبعية له، ثم ارتسمت صورته بشكل ثابت بعد الحرب العالمية الثانية. وأُعيد تثبيت هذا النظام الإقليمي وتحديث أواصر التبعية التي تشد كياناته إلى قوى الاستعمار العالمي بالتزامن مع قيام دولة إسرائيل التي شكلت ركناً أساسياً في هذا النظام.

هل ثمة تجنٍ أو مجازفة في القول إن الشرعية (شرعية النظام الدولي) التي تستند إليها الكيانات العربية القائمة هي نفسها الشرعية التي يستند إليها كيان دولة إسرائيل؟ وهذا بدوره يطرح السؤال حول قدرة هذه الكيانات – الدول – العربية على إبطال أساس شرعية إسرائيل الذي هو أساس شرعيتها، وإبطال دور إسرائيل في المنطقة الذي يتكامل مع دورها؟  كذلك فإنه يطرح سؤالاً آخر حول قدرة هذه الكيانات على الصمود والبقاء بعد المتغيرات التي أطاحت بالنظام الدولي القديم الذي استندت إليه في وجودها واستمدت "شرعيتها" منه.

هنا تجدر الإشارة إلى حقيقة مفجعة وهي أن العائلات السياسية التي "قادت" معارك الاستقلال وتسلمت السلطة بعده – هل كانت تلك معارك، وهل العائلات هذه هي التي قادت؟ - كانت كلها تقريباً تلك التي تربت في كنف الاستعمار وعملت في خدمته واستمدت نفوذها من دعمه لها، ثم جاءت بعد ذلك تؤدي الوظيفة المعطاة لها في تمكين أواصر التبعيه لقوى الاستعمار الجديد. ولا فرق في هذا المجال بين تلك التي أُنشئت لها أنظمة ملكية أو أنظمة جمهورية.

2-المقاومات العربية

في الفترة ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الحرب العالمية الثانية قامت في البلاد العربية مقاومات كثيرة، مارست نضالات متعددة الأشكال ضد قوى الاستعمار الغربي وضد مشاريعه في المنطقة. وقد اتخذت هذه المقاومات لنفسها هويات مختلفة، دينية وجهوية وعشائرية وقطرية. إلا أن كل هذه المقاومات، من المغرب والجزائر وليبيا إلى مصر والعراق مروراً ببلاد الشام، سوريا ولبنان وفلسطين، بالرغم من تفانيها في مواجهة مشاريع الاستعمار في أقطارها، وصلت إلى طريق مسدود واختنقت وماتت. لماذا؟

عوامل الفشل عديدة، لا يسعنا هنا استعراضها بالتفصيل ومناقشتها، إلا أن أبرزها ثلاثة:

أ-البنية المتخلفة لهذه المقاومات، السياسية منها وتلك التي اعتمدت الكفاح المسلح، القائمة على عصبيات وولاءات عشائرية، ما جعلها قاصرة عن مواجهة البنية الحديثة لقوى الاستعمار في بلادنا. وبالعودة إلى الصراع في فلسطين في تلك الحقبة، بين المنظمات الصهيونية الحديثة والمقاومات الفلسطينية المتناثرة والمتناحرة والمتخلفة، نرى بوضوح هذه الحقيقة التي يمكن تعميمها على الصراع بين المقاومات العربية كلها والاستعمار.

ب-الأفق الضيق لهذه المقاومات وعجزها عن إدراك المدى الاستراتيجي للمشروع الاستعماري الذي كان يشمل البلاد العربية كلها ومحيطها الآسيوي والإفريقي. وبالتالي عجزها عن التوحد أو التكامل في إطار قومي يتفاعل ويتنامى نضالها التحرري فيه. وهكذا فإن الهويات القطرية والجهوية والطائفية والقبلية لهذه المقاومات كانت تعبيراً واضحاً عن طبيعتها.

ج-ظروف الصراع العالمي في تلك الحقبة، التي لم تكن تتيح لحركات المقاومة في بلدان المستعمرات التطلع إلى ما هو أبعد من مواجهة بعض تحديات حاضرها، وأبرزها السيطرة السياسية والعسكرية المباشرة للمستعمر، من دون أن تكون لديها الرؤية أو القدرة للإجابة على التحديات المتعلقة بكسر حلقات التبعية التي تربطها بالمستعمر، تحديات الأمن القومي والتحرر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبناء الدولة، وإعطاء الاستقلال مضموناً تحررياً شاملاً.

ثمة حقيقة لا بد من التأكيد عليها دائماً، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد قيام حركات مقاومة نشيطة وفاعلة في مواقع هامة من الوطن العربي، كالعراق وفلسطين ولبنان... وهي أن كل حركة مقاومة ظهرت في التاريخ مطالبة في لحظة تاريخية أن تتحول وترتقي إلى حركة تحرر وطني. وهي إذا لم تفعل فإنها تختنق وتموت. وإن أحد شروط نجاحها في الارتقاء إلى حركة تحرر أن تحدث تحولاً في هوياتها، القطرية والجهوية والطائفية، لتتحد في هوية قومية عربية. أما اللحظة التاريخية فهي نقطة التقاطع بين الظروف الملائمة لإمكانية قيام الثورة والإرادة الوطنية التي تعبر عنها الطليعة الثورية.

3- الظروف العالمية والعربية التي أتاحت فرصة التحول الثوري في الأمة العربية:

التحولات الثورية، من حركة المقاومة إلى حركة التحرر الوطني، لا تحدث في الفراغ، بل يجب أن تتوفر لها الظروف المؤاتية لإمكانية حدوثها ونجاحها. وإذا نحن عدنا إلى ظروف تلك المرحلة التي ولدت فيها حركة التحرر العربية يمكن أن نسجل الآتي:

أ-كانت الأزمة الاقتصادية التي ضربت النظام الرأسمالي العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي قد ساعدت على انتشار ظاهرة الرفض لهذا النظام في جميع أرجاء العالم وإسقاط "قدسيته"، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية نفسها ودول أوروبا الغربية، كما ساعدت على انتشار فكرة الاشتراكية. وكانت الاقتصادات المشوهة في البلدان التابعة وفي المستعمرات قد تحملت أعباء كبيرة وظالمة جراء تلك الأزمة.(لنقارن هذا مع الأزمة الاقتصادية العالمية اليوم).

ب-الفوضى التي ضربت النظام الدولي على مدى ثلاثين سنة، من العام 1913 إلى العام 1945، وأشعلت حربين عالميتين، وانهكت أمبراطوريات الاستعمار القديم، ما أدى إلى إطلاق شرارة التمرد في المستعمرات وإشعال روح النضال من أجل الاستقلال.

ج-خروج الاتحاد السوفياتي من عزلته بعد الحرب العالمية الثانية قوة عظمى تتزعم المعسكر الاشتراكي في مواجهة المعسكر الرأسمالي – الاستعماري الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية. وفي ظل النظام الدولي الجديد صارت الأيديولوجيا عنصراً أساسياً في الصراع العالمي، وأخذ صوتها يخترق الآذان والعقول، يرسم كوابيس مقلقة في جانب ويرسم أحلاماً زاهية في جانب آخر من هذا العالم.

د-انتصار الحركات الاستقلالية في عدد من المواقع الهامة في العالم، وجنوحها نحو الاشتراكية بقدر أو بآخر، وكان أبرزها الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ. الهند، مع غاندي ونهرو. مصدّق في إيران. بيرون في الأرجنتين...ثم، في موقع استراتيجي بالغ الأهمية انفجرت ثورة 23 تموز/يوليو في مصر. وأبرز العوامل التي جعلتها في موقع استراتيجي مميز من الصراع ضد الاستعمار كانت الآتية:

أنها حدثت في مصر في قلب الأمة العربية التي تشكل حلقة التقاطع والجسر الذي يصل بين قارتين خضعتا طويلاً للاستعمار آسيا وأفريقيا.

أنها وقعت في قلب العالم الإسلامي الذي كانت ذاكرته متخمة بتاريخ الصراع مع الغرب الاستعماري – المسيحي، وكان من الطبيعي أن يتردد صدى الثورة في أصقاع هذا العالم الإسلامي.

أنها حدثت في هذا "الشرق الأوسط" الذي شكل واحداً من أخطر ميادين الصراع في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.

في تلك الحقبة كانت روافد الثورة ضد الاستعمار تتجمع في ذلك النهر العظيم "حركة التحرر العالمية" الذي غمر فيضه عالم المستعمرات بأسره.

هـ-أما من حيث الظروف العربية التي ساعدت على قيام حركة التحرر العربية فيمكن اختصارها بالآتي:

-استنادها إلى تاريخ طويل زاخر بالمقاومة ضد الاستعمار في مصر وفي العديد من البلاد العربية.

-هشاشة وتخلف الأنظمة التي أقامها الاستعمار في هذه البلدان.

-الدور الذي لعبته الحركات السياسية "القومية العربية" في نشر الوعي القومي، وكذلك الدور الذي لعبه المفكرون والمثقفون والفنانون لهذه الناحية.

-نكبة فلسطين، بكل تداعياتها، خصوصاً لجهة انكشاف واقع الأنظمة، ضعفها وتخلفها وتبعيتها للقوى الدولية التي أقامت دولة إسرائيل.

4-اللحظة التاريخية.

في الفترة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية و 23 تموز 1952 كانت الأمور في البلاد العربية وفي محيطها القريب الأسيوي والإفريقي تسير بدقة بحسب الرزنامة السياسية لقوى التحالف الغربي – الرأسمالي في المنطقة.

الدول العربية في المشرق نالت استقلالها – بعضها كان معترفاً به كدول مستقلة قبل ذلك التاريخ، مصر والعراق والسعودية، وإن كان مقيداً باتفاقات ومعاهدات تشبه الوصاية والانتداب -.

السلطات الحاكمة في هذه البلدان أخذت تتكيف بالتدريج مع التراجع التدريجي للنفوذ الغربي التقليدي – البريطاني الفرنسي – لمصلحة النفوذ الأميركي المتصاعد.

قامت دولة إسرائيل على معظم أراضي فلسطين وأعلنت استقلالها، وتم الاعتراف بها دولياً، بعد أن تمكنت "عصاباتها المسلحة" من الانتصار على المقاومات البدائية في فلسطين، ثم على الجيوش العربية التي ذهبت "لنصرة" فلسطين.

وفي مواجهة الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، وكجزء من الصراع العالمي في مرحلة النظام الدولي الجديد الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، بدأ إعداد المنطقة لتطبيق سياسة الأحلاف التي كان الغرب يطوق بها الاتحاد السوفياتي. وكان تحقيق "السلام" بين الدول العربية وإسرائيل جزءاً أساسياً من تلك السياسة.

كانت الأمور تسير على خير ما يرام وفق الأجندة الغربية إلى أن حدث انقلاب في مصر في 23 تموز 1952 وسقطت الملكية، وتولى عدد من الضباط الشباب مقاليد السلطة. وربما يكون ذا دلالة تذكر أن بعض هؤلاء الضباط، وفي طليعتهم جمال عبد الناصر، كانوا قد قاتلوا في فلسطين. واكتشفوا هناك أن المشكلة ليست في مواقعهم التي حوصروا فيها، ولكنها قبل ذلك هي في عاصمة بلادهم، في القاهرة.

من اللحظة الأولى بعد الثورة بدأت تواجه هؤلاء الشباب تحديات عالمهم المعاصر.

كان التحدي الأول مسألة الأحلاف وسياسة "ملء الفراغ".

وكان التحدي الثاني مرابطة القوات البريطانية في قواعدها في قناة السويس.

وكان التحدي الثالث الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة الذي وضع بعد نكبة فلسطين في عهدة مصر.

وكان التحدي الرابع التخلف والتبعية الاقتصادية.

وكان التحدي الخامس خضوع الإنسان المصري لسيطرة الإقطاع.

في استجابتها لهذه التحديات ومواجهتها لها كانت الحركة الانقلابية تتحول إلى ثورة، وكانت "المقاومة" تتحول إلى حركة تحرر وطني.

5-خلاصة:

ليس هذا مجال الحديث عن حركة التحرر العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عن نجاحاتها وإخفاقاتها، وهو في أي حال حديث يطول ويتشعب وينصرف إلى آفاق بعيدة تشمل تجربة حركة التحرر العالمية كلها في تلك الحقبة. إلا أن ما يجب التوقف عنده في هذا المجال هو الآتي:

أ-أنها، في استجابتها لتحديات "الأمن القومي"، وفي مواجهة سياسة الأحلاف الغربية "اكتشفت" ثورة 23 تموز/يولية المصرية العروبة، لا كهوية حضارية جامعة وحسب ولكن كمدى حيوي ومجال استراتيجي لتحقيق الأمن القومي بالاستقلال عن الغرب الاستعماري.

ب-ثم "اكتشفت" العروبة مرة أخرى كهوية نضالية حية عندما هبت الجماهير العربية لتدافع عن مصر وتنخرط معها في الميدان ضد العدوان الثلاثي سنة 1956، فلم تعد العروبة هوية ساكنة تستند إلى حقائق التاريخ وحسب، بل صارت حركة حية تستجيب لتحديات الحاضر والمستقبل، وصار لها دور بالغ الأهمية في عملية التحرر الوطني.

ج-وفي غمرة مواجهاتها مع الاستعمار بأشكاله كافة عرفت موقعها في قلب حركة التحرر العالمية، ومارست بشجاعة وكفاءة عاليتين دورها في هذه المعركة.

د-ثمة مسألة بالغة الأهمية والدلالة يجب التوقف عندها، ونحن نسمع كل يوم عن عملية "السلام" بين الدول العربية وإسرائيل.

بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تحددت خارطة هذا "الشرق الأوسط" كان الصلح بين الكيانات – الدول العربية وإسرائيل يشكل الجانب الأكثر أهمية في استراتيجية الغرب لإخضاع هذه المنطقة لسيطرته. وكان مقدراً لهذا "السلام" أن يتحقق في النصف الأول من عقد الخمسينيات.

حركة التحرر العربية تحت قيادة جمال عبد الناصر منعت تحقيق ذلك السيناريو، فكان استمرار الصراع ضد إسرائيل جزءاً من الصراع من أجل التحرر القومي الشامل. وبعد انكسار الثورة إذ بدأ الانعطاف نحو هذا "السلام" فإنه شكل عودة إلى تلك الاستراتيجية الغربية الاستعمارية. بمعنى أن التسوية مع إسرائيل ليست تفريطاً بحقوق الشعب الفلسطيني فقط، ولكن أهم من هذا هي تفريط بحق العرب في التحرر والتقدم والوحدة.

هـ-كان من بين أهم إنجازات الثورة بناء الدولة – بالمعنى الحقيقي للدولة -. قبلها "بيوتات" وعائلات حاكمة. وبعدها، في جميع الأقطار العربية بما فيها مصر، "بيوتات" وعائلات حاكمة، ولا دولة.

و-أنها نقلت المقاومات المتناثرة في البلاد العربية، بهوياتها القطرية والطائفية والقبلية والجهوية إلى حركة تحررعربية.

نحو نظام عالمي جديد:

مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي انهار النظام الدولي الذي تشكل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانفتح العالم على حقبة جديدة من الصراعات من أجل نظام عالمي جديد.

كانت الولايات المتحدة الأميركية سّباقة إلى بدء هذه الصراعات الجديدة والمبادرة إلى إشعالها، وكان هدفها الاستراتيجي المعلن إقامة نظام عالمي أحادي القطب بزعامتها. وربما نلاحظ أنه، وللمرة الأولى منذ قيام أول نظام دولي في العصور الحديثة 1815-1816، يجري العمل على تشكيل هذا النظام من تحت، أي بدءاً بالأنظمة الإقليمية الرديفة، والأمر مفهوم، فالولايات المتحدة الأميركية، لم تكن تريد شركاء في إعادة صوغ العالم.

كانت معاركها الأولى في حربها العالمية الجديدة في أوروبا الشرقية، التي كانت جزءاً من المعسكر الاشتراكي المنهار، ثم نقلت المعركة إلى البلدان التي كانت أجزاء من الاتحاد السوفياتي نفسه. وكان الهدف هناك مزدوجاً، تطويق أوروبا "القديمة" – العملاق المفتت بحسب تعبير ريتشارد نيكسون -، ومحاصرة روسيا العملاق الذي كبا – بحسب تعبير نيكسون أيضاً – ومنعه من القيام من كبوته. كان نجاح الولايات المتحدة هناك باهراً وواضحاً، وبدا أيضاً كاملاً لجهة إقامة نظام إقليمي شرق أوروبي جديد.

وفي طريقها إلى الشرق الأوسط – الكبير – كان لا بد للولايات المتحدة من أن تمر على أفريقيا – منجم العالم – لتصفي بؤر النفوذ الأوروبي القديم – تحديداً الفرنسي – وتعدّ المسرح لصراعها المقبل مع "العملاق" الذي يتسلل إلى تلك القارة...الصين.

في هذا الشرق الأوسط – الكبير – الذي تمتد حدوده من أندونيسيا في الشرق إلى مراكش والجزائر في الغرب، ومن جبال القوقاز في الشمال إلى القرن الأفريقي في الجنوب، نلاحظ الآتي:

على تخومه تقع القوى الأربع الكبرى المرشحة لأن تكون قطبية في عالم الغد، وهي أوروبا وروسيا واليابان والصين. وهي القوى التي يمكن أن تنازع الولايات المتحدة خطتها لإقامة نظام عالمي أحادي القطب بزعامتها.

-وهو الذي يفصل – أو يصل – القوى الكبرى هذه بأفريقيا، حيث مناجم الثروة والمواد الأولية.

-وفي القلب منه، من القوقاز إلى القرن الأفريقي، مروراً ببحر قزوين وإيران والخليج العربي والسعودية واليمن والسودان، يقع القسم الأكبر من احتياطي الطاقة العالمية وأخطر ممراته.

-وعلى امتداده الفسيح، وفي أعماق مكوناته الحضارية ينتشر الإسلام سداً في مواجهة حضارة الرأسمالية وقيمها.

-أما أميركا القوية، المتطلعة إلى الزعامة المنفردة لهذا "النظام العالمي الجديد" فبعيدة. يجب أن تكون هنا، في القلب، تسيطر على هذه المساحة المترامية التي تقع على تخومها القوى الكبرى المنافسة، تمسك بمنابع النفط وممراته بيد، وبمناجم الثروة الأفريقية باليد الأخرى.

-ولكي تكون أميركا هنا، في القلب، تمارس احتلالاً هادئاً ومستقراً فهذا يفترض بالضرورة: العودة بالجماعات البشرية في هذه المنطقة المترامية إلى عصبيات (هويات) ما دون وطنية. تتصارع بلا نهاية في معارك قبلية الطابع من أجل البقاء. وفي هذه الفوضى الدموية "الخلاقة" تسقط المكونات الحضارية الجامعة – القومية والدينية – لهذه الجماعات. لهذا يجب أن تنهال الهزائم بكل قسوة على هذه "العروبة" وتستأصل من الوجدان وتغيب في النسيان. ولهذا يجب أن يلتصق الإرهاب بالإسلام، فتصير الحرب على الإرهاب حرباً على "همجية" شعوب "الشرق الأوسط الكبير" وبدائيتها و"ثقافة الموت" التي تعتنقها لكي تتأهل للالتحاق بركب المدنية والانضمام إلى "المجتمع الدولي". ألا يذكرنا هذا بفجر الاستعمار وما حفل به من جرائم ضد الإنسانية – تطهير عرقي وإبادة واسترقاق – إذ ارتكبت كل تلك الجرائم وتم تشويه ومحق حضارات بدعوى تمدين الشعوب وإلحاقها بركب الحضارة والمدنية؟

لنتوقف قليلاً هنا، عند هذا المفصل التاريخي: انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي جاء تتويجاً لانهيارات متلاحقة أصابت حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، وبالتالي انهيار النظام الدولي الذي تشكل على أثر الحربين العالميتين الأولى والثانية. في هذه المرحلة الفاصلة نلاحظ الآتي:

أ-إنه في المرحلة التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي حفلت بالانكسارات المتتالية التي أصابت حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، أصيبت حركة التحرر العربية بضربة كبيرة على أثر وفاة جمال عبد الناصر – الوفاة الغامضة لجمال عبد الناصر – الأمر الذي خلف تداعيات كبيرة على كل حركة التحرر الوطني في البلاد العربية وفي العالم الثالث بأسره.

ب-وبعد انهيار الثورة في مصر عادت الخارطة العربية (الكيانات – الدول) لتمارس وظيفتها التي أُنشئت من أجلها لتتلاءم مع النظام الإقليمي للشرق الأوسط كما أرادته القوى الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية.

ج-هذا ما يفسر جنوح هذه الكيانات نحو "السلام" مع إسرائيل، بدءاً بالدولة العربية الأكبر مصر.

د-أما المسألة الأهم التي يجب التوقف عندها فهي أن الكيانات – الدول العربية وجدت نفسها – مع انهيار النظام الدولي القديم – فاقدة للأساس الذي ارتكزت عليه في وجودها، وفاقدة أيضاً "للشرعية".

هـ-هكذا استعادت "البيوتات" الحاكمة سيرتها الأولى، فأخذت تبحث عن "وظيفة" لها في عالم متغير لا يد لها في إعادة تشكيله. وكان من الطبيعي أن يكون البحث عن هذه "الوظيفة" لدى الولايات المتحدة الأميركية. كذلك كان من الطبيعي أن يكون الممر لعملية الاستجداء هذه عبر إسرائيل. وعلى هذه القاعدة انعقد مؤتمر مدريد أواخر العام 1991، قبيل الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعد أشهر من شن الحرب على العراق.

و-وفي مقابل البيوتات العربية الحاكمة التي كانت تلهث وراء "وظيفة"، كانت هناك ثلاث دول في المنطقة تصنع لنفسها دوراً في الخارطة العتيدة "للشرق الأوسط الجديد". وهذه الدول هي إسرائيل ( راجع كتاب شيمون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"). وإيران الدولة الفتية الناشئة التي قرأت المتغيرات بدقة وبدأت تستعد لانتزاع دور في الخارطة الجديدة. وتركيا التي أخذت تشهد مخاضاً عنيفاً، بدأ مع تورغوت أوزال الذي قال قبيل ضرب العراق: "ثمة وليمة كبيرة في الشرق الأوسط، ومن الأفضل لتركيا أن تكون على لائحة المدعويين من أن تكون طبقاً يقدم على المائدة"، وهذا ما عبر عنه أيضاً وزير خارجيتها آنذاك حكمت تشيتين عندما قال: "إن الحدود في هذه المنطقة لم تكن مرة مقدسة، وكذلك هي الكيانات". هل كان حكمت تشيتين يقرأ في كتاب شيمون بيريز؟ في أي حال فإن المخاض التركي استولد دولة جديدة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي – العلماني – القومي.

شرق أوسط جديد!...

مع بداية القرن الواحد والعشرين أخذت رياح المتغيرات العالمية تضرب في الشرق الأوسط.

طوال عقد التسعينات من القرن العشرين كان المحافظون الجدد منكبين على رسم سياسة بلادهم في هذه المنطقة، وكان ملخصها الآتي:

-الكسر عن طريق القوة العسكرية والاحتلال المباشر.

-نشر الفوضى الخلاقة عن طريق إشعال حروب أهلية، إثنية وطائفية وعشائرية.

-إعادة رسم الجغرافية السياسية لهذا "الشرق الأوسط الجديد" بإقامة كيانات بديلة للكيانات القائمة بالاستناد إلى العصبيات الإثنية والقبلية والطائفية...

وعندما وصلوا إلى السلطة في البيت الأبيض باشروا بتنفيذ هذه السياسة.

يروي الجنرال ويسلس كلارك، القائد الأسبق لحلف شمالي الأطلسي أنه في أحد أيام العام 2002 ذهب إلى "البنتاغون" لزيارة بعض أصدقائه. وعندما التقى أحدهم وجده يحدق مهموماً في تقرير كان أمامه، فسأله: هل صدر القرار بغزو العراق؟ ورد صدبقه: ليس العراق وحده ولكن الخطة تقضي بتدمير سبع دول في المنطقة هي العراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا والصومال، ومن ثم إيران.

وفي19 آذار 2003 بدأت الحرب على العراق وفي 9 نيسان سقطت بغداد وسقطت السلطة هناك، وانفتح العراق و"الشرق الأوسط القديم" لرياح الفوضى الأميركية الخلاقة.

لا بأس من التذكير بأن عدداً من الأنظمة العربية (البيوتات الحاكمة) كان متواطئاً في هذه العملية، وأدى الدور المرسوم له فيها، وأهمها أنظمة السعودية ومصر والأردن ودول الخليج العربي، فهذا يفيد في إلقاء الضوء على الصراع العربي – العربي المحتدم اليوم، وعلى موقع لبنان في هذا الصراع والأدوار التي تلعبها المحاور الإقليمية في الأزمة اللبنانية.

توقعات المرحلة المقبلة:

لا شك في أن العالم سوف يشهد مرحلة جديدة مختلفة عن تلك التي شهدها خلال السنوات الثماني الماضية من عهد "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الأميركية. ومن البديهي القول إن هذا لا يعود إلى عودة الحزب "الديمقراطي" إلى البيت الأبيض بعد انتخاب الرجل الأسود باراك أوباما للرئاسة، ولكن لأساب أعمق من ذلك. بل يمكن القول إن انتخاب أوباما جاء تعبيراً عن المتغيرات التي أفضت إلى تحول كبير على الصعيد العالمي وهو انكسار استراتيجية أميركا نحو نظام عالمي أحادي القطب، وهي الاستراتيجية التي كان ُيعمل من أجل تحقيقها في مرحلة الديمقراطيين 1992-2000 كما في مرحلة الجمهوريين 2000-2008.

العوامل التي أدت إلى هذا الانكسار كثيرة ومتشعبة أبرزها:

أ-الإخفاقات الواضحة التي منيت بها السياسية الأميركية في ميادين واسعة تمتد من أميركا اللاتينية إلى "الشرق الأوسط الكبير" مروراً بأفريقيا.

ب-عودة روسيا بقوة للعب دور نشيط على الصعيد الدولي.

ج-الصين التي عدا عن معدلات النمو التي تحققها وتصاعد دورها الاقتصادي العالمي، فقد أخذت تمد نفوذها في مناطق هامة – أفريقيا وآسيا -. كما أن تحالفها مع روسيا من ضمن منظمة "شنغهاي" في مواجهة استراتيجية أميركا (نظام عالمي أحادي القطب) كان له دور كبير في كسر هذه الاستراتيجية.

د-أزمة الرأسمالية العالمية – وهي أزمة بنيوية عميقة لن تكون تفاعلاتها أقل من تلك التي مرت بها في ثلاثينيات القرن الماضي -. وهي إذ تنبئ بصعود قوى كبرى جديدة، آسيوية بالتحديد، إلى قلب التاريخ المعاصر، فإنها تبث الروح مجدداً في الفكرة الاشتراكية، وما يعنيه ذلك من نهاية "نهاية التاريخ" الرأسمالي المتطرف وبدء تمخضات أيدولوجية جديدة تعيد صياغة العالم.

إن مرحلة من الفوضى العالمية سوف تسبق مرحلة تالية للانعطاف نحو إرساء أسس نظام دولي متعدد الأقطاب. غير أن هاتين المرحلتين لن تكونا مفروشتين بالورود، بل إن الصراعات الإقليمية خلالهما سوف تتصاعد وتستعر أكثر من أية فترة سابقة، خصوصاً في الشرق الأوسط.

لقد بدأت ملامح المحاور الإقليمية المتصارعة تظهر منذ مطلع هذا القرن، غير أننا اليوم نرى بوضوح خطوطها الأساسية والعناصر التي تتشكل منها. فمن جهة هناك حلف تابع للولايات المتحدة ويعمل في خدمة مصالحها وسياساتها، تشكل إسرائيل ركيزته، وتشكل الرجعيات العربية التابعة لأميركا كأنظمة السعودية ومصر والأردن أطرافه. وهناك محور مقابل تشكل إيران ركيزته، وتشكل سوريا وعدد من المقاومات العربية الفاعلة في العراق ولبنان وفلسطين أطرافه الرئيسية.

إن هذا الذي جرى في نيويورك تحت عنوان "حوار الأديان"، الذي دعت إليم المملكة العربية السعودية – هل السعودية هي التي دعت؟ - والذي كانت إسرائيل الحاضر الأبرز فيه، لهو حدث ذو دلالات سياسية واستراتيجية وليس دينية، ويجب التوقف عنده ملياً. إن الدور الذي تلعبه السعودية اليوم يشبه الدور الذي لعبه العراق في الخمسينيات في أيام نوري السعيد.

لقد بدأ الصراع بين هذين المحورين يتحرك بعد أن بدا ساكناً خلال الأشهر الماضية. هل صدفة أن اكتشفت الدوائر الغربية وصحافتها اليوم إشعاعات نووية في الموقع الذي ضربته الطائرات الإسرائيلية في دير الزور؟ وهل كان من قبيل الخطأ أن تشن طائرات أميركية انطلقت من العراق غارة على منطقة البوكمال السورية فتقتل مدنيين بدعوى مكافحة الإرهاب؟ وهل صدفة أن بدأت مع هذه وتلك عمليات تفجير في سوريا نفذتها مجموعات سلفية تغذيها – عبر لبنان – المملكة العربية السعودية؟

خلاصة:

بالعودة إلى ما ذكرناه آنفاً نؤكد على المسائل الآتية:

أ-إن الاستراتيجية الأميركية التي هدفت إلى إقامة نظام عالمي أحادي القطب بزعامتها قد انكسرت، ومن الصعب أن تغامر أي إدارة جديدة في الاتجاه عينه.

ب-إن مرحلة من الفوضى العالمية سوف تسبق مرحلة يجري فيها العمل من أجل نظام متعدد الأقطاب.

ج-إن المرحلتين الأولى والثانية سوف تشهدان صراعات متشابكة، ومتعددة الأشكال والميادين. وفي هذه المنطقة سوف يكون الاستقطاب حاداً بين الدول التابعة للولايات المتحدة وتلك التي تواجه سياستها في المنطقة. وهذه بدورها تستند إلى قوى دولية صاعدة أبرزها روسيا والصين.

د-أما القوى الإقليمية الأخرى التي تلعب دوراً مؤثراً في المستقبل المنظور فهي:

-إسرائيل التي سوف تزداد حاجة الولايات المتحدة إليها بعد أن يتقلص حضورها العسكري المباشر في المنطقة. وهي – إسرائيل – سوف تكون الركيزة الأساسية للحلف الإقليمي الموالي لأميركا والذي تسعى هذه لكي يضم الأنظمة العربية "المعتدلة" كالسعودية ومصر والأردن والعراق وبلدان الخليج.

-إيران التي سوف تتحول إلى قوة نووية، والتي تمد نفوذها من أفغانستان إلى لبنان، مروراً بالعراق ودول الخليج العربي وسوريا وفلسطين، ولما تشكله من موقع استراتيجي لقوى دولية كبرى خصوصاً الصين وروسيا، ما يؤهلها لمكانة مميزة في مجموعة "شنغهاي".

-تركيا التي أخذت تستعيد توازنها وتتطلع إلى دور إقليمي في المنطقة العربية ودول القوقاز.

أما الدول العربية، وهي على هذه الحالة من انعدام الوزن، فسوف تتوزع على محاور الصراع الإقليمي، وسوف تكون الانقسامات فيما بينها حادة وعميقة، كما أن معظمها سوف يشهد اضطرابات داخلية وعدم استقرار سياسي، وربما تكون مصر هي المرشحة قبل غيرها لمثل هذه الضطرابات بل ولانهيار النظام السياسي فيها.

موقع لبنان في الصراع

في الطائف سنة 1989، أعيد تثبيت معادلة دولية إقليمية لإدارة لبنان. والأطراف الأساسيون في هذه المعادلة كانوا الولايات المتحدة الأميركية وسوريا والمملكة العربية السعودية.

ظلت هذه المعادلة سارية المفعول إلى أن بدأت رياح المتغيرات العالمية تضرب في الشرق الأوسط. بعد احتلال العراق، في شهر حزيران من العام 2004، وعلى هامش الاحتفالات بنزول الحلفاء على شاطئ النورمندي في الحرب العالمية الثانية، عقد الرئيسان الأميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك اجتماعاً مطولاً جرت خلاله تصفية الخلافات التي نشبت بينهما بسبب الحرب على العراق. ومن بين أهم ما اتفقا عليه مسودة القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بعد أربعة أشهر، وهو القرار 1559.

كانت بعض الدول العربية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، مطلعة على مضمون الاتفاق بين الرئيسين الفرنسي والأميركي ومتواطئة فيه. وكانت أطراف لبنانية عدة، خصوصاً رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري والمجموعة الأساسية التي شكلت بعد حين ما عرف بفريق 14 آذار، تواكب هذا الاجتماع استعداداً لأداء دورها في الانقلاب على معادلة الطائف الثلاثية الأطراف.

ومن دون الدخول في تفاصيل القرار 1559 فإنه كان يقضي بإخراج سوريا من المعادلة اللبنانية، تمهيداً لإخراجها من معادلة "الشرق الأوسط الجديد". وكان هذا يستتبع بالضرورة القضاء على المقاومة في لبنان.

كرد على ما كان يدبر ضدها في لبنان فرضت سوريا التمديد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود. غير أن معركتها الكبرى من أجل منع طردها من المعادلة اللبنانية كان، وبالتحالف مع إيران، دعم حلفائها في لبنان وبشكل خاص حزب الله والمقاومة، والاعتماد على هؤلاء الحلفاء في صراعها من أجل منع فرض معادلة دولية – إقليمية بديلة.

إن كل الأحداث التي شهدها لبنان منذ خريف العام 2004 تندرج ضمن هذا الصراع بين المحور الأميركي – الفرنسي – السعودي – المصري – الإسرائيلي وبين المحور السوري – الإيراني. ولقد أبرزت حرب تموز 2006 هذه الحقيقة بشكل بالغ الوضوح.

كانت "السنية السياسية"، بامتدادها السعودي – الأميركي رأس الحربة في إخراج سوريا من المعادلة الآنفة الذكر، تدعمها الطائفيات السياسية الأخرى "الدرزية" ومعظم "المسيحية". وكانت "الشيعية السياسية"، تدعمها قوى متناثرة، بعضها موزع على الطوائف الأخرى وعلى القوى الوطنية اللاطائفية، رأس الحربة في المواجهة.

عوامل عدة ساعدت على كسر حدة الهجوم الأميركي في المنطقة، صمود المحور الإيراني السوري، عودة روسيا للعب دور متميز على الصعيد العالمي والمواجهة بينها وبين الولايات المتحدة في الدول التي انفكت عن الاتحاد السوفياتي، تصاعد المقاومة في العراق وفلسطين...غير أن فشل عدوان تموز على لبنان وعدم تمكن إسرائيل من القضاء على المقاومة شكل نقطة تحول حاسمة في مسار الصراع.

ثمة ملاحظات عدة يجب التوقف عندها، وهي:

في هذه الفترة حاولت الولايات المتحدة محاصرة إيران وسوريا بحلف "إسلامي – سني"، اجتماع الدول الإسلامية السبع الكبرى في باكستان مطلع العام 2007، وبعده القمة العربية التي انعقدت في المملكة العربية السعودية أواخر آذار من العام نفسه. ثم السعي لإقامة حلف "الاستقطاب الإقليمي الجديد" الذي يضم – بحسب الخطة الأميركية – السعودية ومصر والأردن وتركيا وإسرائيل من أجل تطويق ومحاصرة الحلف الإيراني – السوري.

والثانية هي أن هذا الصراع السياسي اتخذ في لبنان كالعادة طابعاً مذهبياً حاداً، خاصة بين السنة والشيعة أوصل البلاد إلى حافة الحرب الأهلية.

والثالثة هي أن "الصيغة اللبنانية" التي قامت على ثنائية مارونية – سنية، تدعم هذا الجانب أو ذاك الطوائف السياسية الأخرى، طرأ عليها تبدل هام بسبب هذا الصراع والشكل الذي يتخذه. وهكذا صارت "الصيغة اللبنانية" الراهنة تقوم على ثنائية سنية – شيعية، وتدعم هذا الجانب أو ذاك الطوائف السياسية الأخرى.

إن الموضوع الأساسي للصراع الداخلي في لبنان كان على الدوام يدور حول موقعه في الصراع الإقليمي وخياراته الاستراتيجية إزاءه. وهذا سوف يكون محور الصراع الداخلي في المرحلة المقبلة الذي يطغى على كل ما عداه من تناقضات اجتماعية وسياسية.

وتحت هذا العنوان العريض :"موقع لبنان في الصراع الإقليمي وخياراته الاستراتيجية تندرج عناوين عدة: مسألة المقاومة وعلاقتها بالدولة، والعلاقات اللبنانية – السورية، وموقف لبنان من المحاور الإقليمية المتصارعة...

رغم أهميتها فإن هذه الموضوعات ليست خطيرة بذاتها، ولكنها تكون خطيرة لأن الانقسام حولها يتخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً، ما يضع البلاد من جديد أمام احتمالين لا ثالث لهما:

إما أن تتوصل الأطراف الإقليمية المتصارعة إلى تهدئة مؤقتة فينعكس الأمر على لبنان تهدئة مؤقتة كما حصل في الدوحة. أو إلى تسويات أقل هشاشة، فينعكس الأمر على لبنان تسوية تبقى لمرحلة ما، تطول أو تقصر بحسب الظروف الخارجية، كما حصل في الطائف.

وفي الحالتين فإن الطوائف السياسية، وبالدرجة الأولى "السنية" و"الشيعية"، سوف تعمد من خلال مشاركتها في السلطة إلى تأجيل الملفات الساخنة تحت شعار "التوافق" بما يتلاءم وإيقاعات التهدئة أو التسوية على الصعيد الإقليمي.

أما الاحتمال الثاني – وهو المرجح – فهو أن الحرارة سوف تعود إلى الصراع الإقليمي الذي تحدثنا عنه آنفاً، وذلك بعد الانتخابات الأميركية، وبعد أن تكون الإدارة الجديدة قد حددت سياستها في المنطقة وطريقة عملها. وهذا سوف يؤدي إلى تفجير الصراع الداخلي وانهيار سلطة "الوحدة الوطنية" لينتقل الصراع مباشرة إلى الشارع. هنا تجدر الإشارة إلى تقرير أميركي صدر مؤخراً، بعد الانتخابات الأميركية، وضعه عدد من الاستراتيجيين وقدم إلى الرئيس الجديد باراك أوباما، وقد توقع التقرير تصاعد الاضطرابات في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين.

 

هنا لا بد من التوقف قليلاً عند قانون الانتخابات والانتخابات النيابية المقبلة.

من دون التطرق إلى مختلف جوانب القانون، إن لجهة عدم دستوريته، أو لجهة غياب البنود الاصلاحية عنه، فإن الجانب الأشد خطورة فيه هو:

نلاحظ بداية أنه من بين 26 دائرة انتخابية بحسب "قانون الستين" فإن 24 دائرة هي إما صافية مذهبياً أو ذات غلبة مذهبية طاغية، ما يعني أن كل ملة سوف تنتخب نوابها. ولسنا بحاجة إلى شرح خطورة هذا الأمر، وفي هذه الظروف بالذات، إن لجهة تعريض السلم الأهلي للخطر، أو لجهة جعل الدولة كونفدرالية مذهبية خالصة.

ونلاحظ أيضاً أنه بموجب هذا القانون فقد تحددت النتائج سلفاً لدى المذاهب الإسلامية، خصوصاً السنة والشيعة. فالنواب السنة، كلهم أو الأغلبية الساحقة منهم، سوف يكونون موالين للمملكة العربية السعودية. والنواب الشيعة، كلهم أو الأغلبية الساحقة منهم، سيكونون موالين للمحور "الإيراني – السوري". ويبقى الصراع في الدوائر المسيحية التي سوف ترجح نتائجها كفة الفريق السني – السعودي أم كفة الفريق الشيعي – الإيراني السوري.

هكذا يتبين بوضوح أن الانتخابات النيابية المقبلة – إذا جرت – فإنها سوف تحضر البلاد لانقسام بالغ الخطورة يجري على إيقاع الصراع بين المحاور الإقليمية. كما أن ثمة احتمالاً كبيراً أن يتفجر الصراع الداخلي، المذهبي الطابع، قبل الانتخابات وبسبب نتائجها المتوقعة بما يؤدي إلى عدم إجرائها.

دور "حركة الشعب"

كما ذكرنا سابقاً فإن الموضوعات الساخنة التي تشكل محور الصراع السياسي الداخلي، في الحاضر والمستقبل، هي تلك التي تندرج تحت عنوان عريض وهو، "موقع لبنان في خارطة الصراع الإقليمي وخياراته الاستراتيجية". وأبرز هذه الموضوعات: المقاومة، السياسة الدفاعية، العلاقات اللبنانية السورية، الصلح مع إسرائيل، التوطين...ونؤكد مرة أخرى أن هذه الموضوعات، على أهميتها ليست خطيرة بذاتها، ولكنها تصير مواد ملتهبة ومتفجرة عندما يتخذ الانقسام الداخلي إزاءها طابعاً طائفياً ومذهبياً بسبب الطغيان الطائفي على الحياة السياسية، وبالمقابل ضمور بل انعدام دور القوى الوطنية اللاطائفية في الصراع.

لولا طغيان القوى الطائفية والمذهبية على الحياة السياسية وهامشية القوى الوطنية، لأمكن ضبط الصراع بشأن هذه الموضوعات سلمياً ضمن قواعد الديمقراطية وضمن المؤسسات الدستورية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحول فيها الصراع السياسي حول خيارات لبنان الاستراتيجية إلى حرب أهلية، فالبعودة إلى تاريخ لبنان منذ العام 1840 حتى اليوم، نجد أن الهدنات المؤقتة في هذا التاريخ الدموي كانت تلك الفترات التي سمحت بتأجيل تحديد الخيارات الاستراتيجية. وعندما كانت الظروف الإقليمية تفرض تحديد هذه الخيارات كانت الأمور تندفع بسرعة إلى حرب أهلية. فما العمل؟...

في العديد من وثائق "حركة الشعب"، كما وفي الوثائق التي صدرت عن التكتلات السياسية التي سعت إلى إنشائها "حركة الشعب"، كالتجمع الوطني للإنقاذ والتغيير والتجمع الوطتي الديمقراطي وتحالف الأحزاب، والتجمع العلماني الوطني أكدنا أن أحد أبرز أسباب الأزمة التي يعيشها لبنان هو أن القوى اللاطائفية لم تمتلك مرة مشروعاً جدياً لتغيير هذا الواقع الطائفي، تناضل بشجاعة وصدق من أجل تحقيقه، ولكن هذه القوى، وفي جميع الأزمات التي شهدها لبنان، كانت تلتحق بالقوى الطائفية. وعوضاً عن أن تلتقط دورها التاريخي وتمارسه من خلال إطار جامع لها، في ضوء مشروع وطني حديث، كانت تلهث فرادى وراء وظيفة تلقى لها في خدمة الطوائف السياسية.

منذ قيامها حددت "حركة الشعب" دورها قوة سياسية وطنية تعمل من أجل تغيير – لا إصلاح – النظام السياسي الطائفي لإنقاذ لبنان من أزمته التاريخية، التي بلغت اليوم ما يمكن وصفه بالمأزق. ولكي تتمكن من أداء هذا الدور عملت على النحو الآتي:

أ-في مواجهة المشروع الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة، بكل عناصره المكملة، وهي الرجعيات العربية والقوى المحلية التابعة، أكدت تحالفها مع القوى المحلية والإقليمية المناهضة لهذا المشروع.

ب-ولأن أية حركة وطنية تقدمية يجب أن تكون جزءاً من حركة تحرر عربية عملت ولا تزال من أجل إقامة هذه الحركة.

ج-ولأن عملية تغيير النظام السياسي الطائفي تتطلب حشد كل القوى الوطنية اللاطائفية، سعت، في محاولات عديدة يجب أن تناقش وتنقد بموضوعية، ولا تزال تسعى لإقامة إطار تلتقي فيه كل القوى والفاعليات الوطنية، وتعمل في ضوء مشروع وطني للتغيير.

د-ولأن نجاح هذا المشروع يتطلب حشد طاقات المجتمع الساكنة وتفعيلها، كان جهدها متجهاً إلى الشباب، خصوصاً في الجامعات، وإلى الشرائح الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير. يجب الاعتراف بداية أن نجاحنا في هذا المشروع كان دون المتوقع والمأمول. ويجب أيضاً مناقشة الأسباب التي جعلت النتائج – حتى الآن – دون المستوى المطلوب. وبعد هذا يجب الانطلاق نحو أهدافنا بهمة وكفاءة أكبر في المرحلة المقبلة.

إن الاعتراف بهذه الحقيقة لا يلغي حقيقة أخرى، وهي أنه في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، سوف نتحدث عنها، حققت "حركة الشعب" نجاحات هامة تؤهلها للعب الدور الذي قامت من أجله.

فكما ذكرنا غير مرة أنه وبعد حقبة طويلة استمرت عقوداً لم تشهد قيام منظمات سياسية وطنية حديثة، في لبنان وفي الوطن العربي بشكل عام، بل إن هذه الحقبة كانت حافلة بالمنظمات التي قامت على عصبيات ما دون وطنية – طائفية وعشائرية وقبلية – قامت "حركة الشعب".

وبالمقابل فقد شهدت هذه الحقبة ضمور وتفكك الأحزاب الوطنية والقومية التقدمية التي كانت قد نشأت في مرحلة سابقة، ونمت وزادت فعاليتها في مرحلة النهوض القومي التحرري. بعد هذه الحقبة الطويلة من البوار الفكري والسياسي قامت "حركة الشعب" متحررة من كل العصبيات المتخلفة التي طبعت التشكيلات السياسية.

وفي نفس الفترة – أواخر تسعينات القرن الماضي – قامت في لبنان ومعظم البلاد العربية محاولات مماثلة، غير أن هذه المحاولات، جميعها تقريباً باءت بالفشل، غير أن "حركة الشعب"، وبالرغم من الظروف القاسية التي واجهتها، استطاعت أن تثبت أقدامها وأن تتقدم، ما يبشر بإمكانية تطورها وزيادة فعاليتها في أداء دورها على الصعيدين الوطني والقومي.

واستطاعت "حركة الشعب"، وبالرغم مما يطغى على الوعي السياسي العام من مفاهيم متخلفة ومرضية، أن تفرض حضورها لدى الرأي العام قوة وطنية تقدمية لاطائفية نظيفة مستقلة وحديثة. وهذا يعتبر بكل المعايير إنجازاً مهماً إذ أنه يوفر لها البيئة الملائمة لإمكانية ديمومتها ونموها.

وخلال الفترة الأخيرة بدأت المؤسسات التنظيمية تتبلور بشكل أفضل من السابق وتأخذ دورها في العمل السياسي والشعبي. وإن من أولى مهمات المؤتمر تركيز هذه المؤسسات وتطويرها وزيادة فعاليتها.

إن الوثائق والمواقف التي صدرت عن "حركة الشعب"، مباشرة أو من خلال التجمعات التي بادرت إلى تشكيلها وكان لها دور مميز فيها، هذه الوثائق والمواقف تشكل رصيداً فكرياً وسياسياً لنا ولكل القوى الوطنية التقدمية.

وبالرغم من النقص الكبير في الكوادر والقيادات المؤهلة، حيث تعاني الحركة من نزف كبير للكوادر الشابة بسبب الأوضاع الاجتماعية لهؤلاء الشباب، فقد بدأ العديد من الكوادر الشابة يتأهل لتسلم مواقع قيادية في الحركة.

غير أنه لا بد من التوقف عند الأسباب والعوامل التي جعلت النتائج المحققة حتى الآن دون تلك التي كانت متوقعة. وهذه يمكن إدراجها تحت عنوانين: العوامل الذاتية، والعوامل الخارجية أي تلك المتعلقة بالآخرين – قوى سياسية لبنانية وعربية – إضافة إلى ظروف المرحلة.

1-في الأسباب والعوامل الذاتية:

هذا البند سوف نفصله في الورقة التنظيمية لما له من أهمية، وسوف تخصص له جلسات مناقشة منفصلة عن تلك المخصصة لمناقشة التقرير السياسي. لذلك نرجو إرجاء البحث فيه إلى حين مناقشة الورقة التنظيمية، ونكتفي هنا بالإشارة إلى العوامل والأسباب الآتية:

أ-نقص الكفاءة والجدية في عمل هيئة التنسيق، وعدم اعتماد أساليب الإدارة الحديثة والفعالة.

ب-عدم إعطاء الجهد الكافي لتأهيل الكوادر والقيادات.

ج-النزف الكبير في الكوادر الشابة بسبب ظروف العمل.

د-غلبة أساليب العمل الحزبي التقليدية، وضعف الاهتمام بالعمل الشعبي.

هـ-ضعف الإمكانات المالية وغياب التفرغ.

2-في العوامل والأسباب الخارجية

في الحقيقة إن الأسباب والعوامل التي تعيق نمو وتطور الحركات السياسية التقدمية في لبنان والوطن العربي كثيرة ومتشابكة لا يمكن الغوص فيها بالتفصيل، وهي تحتاج إلى دراسات معمقة تتناول مختلف هذه العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية والسياسية وغيرها. غير أننا هنا لا بد من التركيز على أبرز هذه العوامل وإن بشكل موجز.

من المعروف أن من أبرز وظائف "الدولة" في لبنان هو تغذية القوى الطائفية والمؤسسات التابعة لها خاصة الاجتماعية والتربوية منها. غير أنه بعد الطائف تفاقم هذا الدور وازداد وضوحاً وفعالية. فتحت شعار تذويب الميليشيات في الدولة جرت عملية "تفريغ" لعناصر هذه الميليشيات والأحزاب الطائفية على حساب الدولة.

كذلك جرى إنشاء مجالس وصناديق موزعة على الطوائف وظيفتها الحقيقية تمويل القوى الطائفية وتأمين وظائف بدون عمل لعناصرها. كل ذلك على حساب المواطنين من خلال الضرائب التي تفرض عليهم، ومن خلال الموازنات المرصودة لهذه المجالس والصناديق خارج كل رقابة ومحاسبة. هذا ناهيك عن الدور الذي لعبته مختلف إدارات الدولة في دعم هذه القوى وقياداتها وعناصرها. لقد جرت عملية تدمير ممنهجة لقطاعات الإنتاج، ما زاد من حدة ظاهرة البطالة في أوساط الشباب خصوصاً وفي مختلف فئات المجتمع عموماً، وصار تأمين الكسب لهذه الفئات الواسعة يجري إما من خلال مؤسسات الدولة كما أسلفنا، أو من خلال المؤسسات الطائفية الخاصة التي سوف نشير إليها.

في هذه الفترة كان يجري إغراق لبنان بالمال السياسي الآتي من كل حدب وصوب للقوى الطائفية. ويجب الاعتراف بأن هذه القوى نجحت في إنتاج مؤسسات اقتصادية واجتماعية وتربوية واستشفائية، وبذلك تمكنت من ربط حياة الناس بها والسيطرة على إرادتهم ووعيهم وولاءتهم.

وبالمقابل فقد جرت في هذه الفترة عملية تدمير ممنهجة للنقابات والجمعيات الأهلية، خصوصاً النقابات العمالية. إذ تم تفتيت هذه النقابات وغيرها وتوزيعها على القوى الطائفية. حتى النقابات المهنية، كنقابات المهندسين والمحامين والأطباء، فقد تم إخضاعها بالكامل للقوى الطائفية وإفسادها بالمال السياسي. وإذ شكل كل هذا البيئة الملائمة لنمو القوى الطائفية، فقد شكل بالمقابل البيئة غير الصالحة لنمو القوى الوطنية اللاطائفية. وهذا ما جرى أيضاً للجمعيات الأهلية التي جرى إفساد معظمها عن طريق المساعدات المشبوهة التي كانت تقدم لها من الخارج أو من قبل مؤسسات الدولة وزعماء الطوائف.

ومع احتدام النزاعات – الحقيقية والمفتعلة – التي كانت تتخذ طابعاً طائفياً، ومع سيطرة زعماء الطوائف على معظم وسائل الإعلام، خاصة المرئية والمسموعة منها، وسيطرة رأس المال السياسي على وسائل الإعلام، جرت عملية نشر اللاوعي والتعصب والتجهيل التي شملت معظم شرائح المجتمع اللبناني.

إن هذه الحقائق لا تنفي مسؤولية القوى الوطنية اللاطائفية عن هذا الواقع المريض، وذلك للأسباب الآتية:

أ-إن النخب "المثقفة" في المجتمع لم تقم بدورها التاريخي في تنوير المجتمع ومواجهة القوى الظلامية من مختلف الطوائف، ولكن هذه النخب – في قسم كبير منها – كانت في الواقع رخوية وانتهازية واستبدلت "الوظيفة" في خدمة هذه القوى بالدور الذي كان يجب أن تلعبه، خاصة في وسائل الإعلام. أما القسم الآخر فقد أصيب باليأس وبالإحباط وانكفأ إلى خارج دائرة الفعل.

ب-إن العديد من الأحزاب والقوى اللاطائفية قدم خلال هذه الفترة نموذجاً بالغ السوء في الممارسة السياسية. وليس صدفة أن وُضعت هذه القوى التي حظيت بحصة في التركيبة السياسية في مواقع حساسة قدمت من خلالها أسوأ نماذج الرشوة والفساد والتنكر لشعاراتها.

الحقيقة أن الأمر لم يكن صدفة. إن الذين جاءوا بهؤلاء إلى هذه المواقع الحساسة، ونفذوا هذه السياسات السيئة بواسطتهم، إنما أرادوا تشويه الصورة وتسخيف كل الشعارات والأفكار التقدمية اللاطائفية لدى المواطنين.

ج-في هذه الفترة التي كانت فيها الطوائف تبني مؤسساتها وتربط حياة المواطنين بها، كانت بقايا مؤسسات القوى التقدمية تتهاوى وتتفكك وينخرها الفساد، بحيث لم يبق لهذه القوى أية مؤسسة اجتماعية أو تربوية أو اقتصادية ذات قيمة.

د-غير أن الجانب الأخطر في ممارسات هذه القوى كان تخليها عن بلورة مشروع سياسي وطني تقدمي لاطائفي في مواجهة القوى الطائفية، ولهاثها وراء هذه الطائفة أو تلك من أجل فتات يلقى لها. وإذا كانت هذه الظاهرة قد لازمت القوى التقدمية منذ أمد طويل فإنها خلال العقدين الماضيين كانت بالغة الوضوح والابتذال ما أدى إلى تدمير الوعي الوطني التقدمي لدى الشباب والطلاب والعمال وكل أصحاب المصلحة في نظام سياسي تقدمي ووطني.

أما بالنسبة لنا في "حركة الشعب"، وإذ نؤكد انفتاحنا على النقاش الواضح والصريح مع كل القوى حول المسائل التي أسلفنا. ومع استعدادنا أيضاً لتقبل أي نقد من دون أنانية وتعصب، نعرض محاولاتنا العديدة لهذه الناحية.

المبادرات التي قمنا بها من أجل لم شمل القوى الوطنية التقدمية:

منذ تأسيسها حددت "حركة الشعب" أهدافها وتوجهاتها على الصعيدين العربي والمحلي. فعلى الصعيد العربي، وكما جاء في وثيقتها الأساسية، سعت إلى إعادة إنتاج حركة تحرر عربية جديدة. وعلى الصعيد المحلي عملت من أجل قيام تكتل وطني علماني ديمقراطي يضع مشروعاً واضح الهدف لجهة تغيير النظام الطائفي في لبنان. إن المبادرات التي قامت بها "حركة الشعب" على الصعيدين، ولا تزال، عديدة نختصرها بالآتي:

1-       في المجال العربي:

في 30 و 31 تشرين الأول/أوكتوبر 2003 عقد أول لقاء ضم قوى وفاعليات عربية تقدمية للبحث في كيفية إعادة إنتاج حركة تحرر عربية جديدة. وفي 28 و 29 و30 أيار 2004 عقد مؤتمر تحضيري وضع وثيقته الأولى.(تجدون نص الوثيقة في الكراس الذي وزعته الحركة وعنوانه "نحو حركة تحرر عربية جديدة". وبالرغم من الصعوبات الكثيرة فقد ثابرنا على متابعة العمل لتحقيق هذه الهدف. وإننا اليوم بصدد الإعداد لمؤتمر يعقد قريباً، نأمل أن يسفر عن تشكل نواة صلبة لحركة التحرر العربية.

2-على الصعيد المحلي:

كذلك الأمر فإنها على الصعيد المحلي عملت بشكل متواصل من أجل قيام تكتل سياسي وطني لا طائفي فاعل. كانت خطوتها الأولى في هذا الاتجاه حشد أكبر عدد ممكن من القوى الوطنية اللاطائفية لخوض معركة ضد قانون الانتخابات في العام 2000. وقد جاء موقفها بعدم الترشح ترجمة عملية لهذا التوجه، غير أن أحداً من القوى الأخرى لم يستجب. بعضها بسبب مشاركته في السلطة كما أشرنا آنفاً، وبعضها بسبب رهانات خاطئة على وعود أُعطيت لها بمكاسب وهمية صغيرة لم تكن تستحق ذلك الموقف الذي اتخذته من الانتخابات. أما بشأن المبادرات الأخرى فقد كانت، وباختصار، على النحو الآتي:

أ-في أواخر العام 2000 وبعد أقل من سنة على تأسيس "حركة الشعب" ساهمت في عقد لقاء لقوى وفاعليات وطنية لاطائفية نتج عنه قيام التجمع الوطني للإنقاذ والتغيير. غير أن قوى أساسية في التجمع سرعان ما انكفأت عن المشاركة الفعالة فيه، إلى أن أعلنت انسحابها منه لأسباب كانت ولا تزال مجهولة. والغريب أن هذه القوى عادت بعد فترة قصيرة لتبلغنا بأنها قد أخطأت في هذا الموقف، ولكنها لم تسع أبداً إلى تصحيح هذا الخطأ.

ب-بعد ذلك عملنا بجهد كبير من أجل إعادة إحياء هذا التكتل تحت اسم "التجمع الوطني الديمقراطي". ومرة أخرى فإن القوى عينها، وبعد أن أبدت كل الاستعداد في مرحلة التحضير تخلفت في مرحلة التنفيذ. وكما أبلغتنا هذه القوى، فإن ما أسمته "مشاكل داخلية" عندها هي التي سببت هذا الارتباك.

ج-مع التحولات التي بدأت في لبنان صيف العام 2004، ثم ظهرت بشكل أكثر وضوحاً في مطلع العام 2005، والتي بادر إليها حلف أميركي – أوروبي – إسرائيلي – رجعي عربي. كما ذكرنا آنفاً، بادرت "حركة الشعب" باتجاه سائر قوى المعارضة من أجل إقامة جبهة وطنية لحماية المقاومة ومواجهة المشروع الأميركي – الإسرائيلي في لبنان والمنطقة. وبالنسبة لقوى المعارضة التي تسمي نفسها "أساسية" وهي تمثل كتلاً طائفية، فهي لم تدرك أهمية هذا التوجه. وبالرغم من دورها الكبير في مواجهة هذا المشروع، خصوصاً عندما تصدت المقاومة ببطولة للعدوان الإسرائيلي في العام 2006، فإنها، وبسبب عدم إدراكها لأهمية إقامة الجبهة الوطنية وصلت إلى المأزق الذي تعيشه اليوم.

د-كنا ندرك ان الشرط الأساسي لقيام الجبهة الوطنية يبدأ بتشكل نواة صلبة من القوى الوطنية اللاطائفية. لذلك، وبالرغم من كل التحفظات والملاحظات التي أبداها في حينه رفاق وأصدقاء، بادرنا إلى جمع عدد من القوى (الأحزاب الستة) وعملنا بكل قوة لكي يشكل هذا التكتل نواة للجبهة الوطنية. غير أن معظم هذه الأحزاب وبتأثير مباشر من قوى محلية وعربية لم يكن جاداً في العمل من أجل قيام جبهة وطنية. هكذا انتهى (لقاء الأحزاب الستة) إلى فشل ذريع.

هـ-إيماناً منا بما كنا قد ذكرناه غير مرة في هذه الورقة بأن لبنان لم يعد قادراً على التعايش مع صيغته الطائفية السياسية، وعلى أبواب مرحلة تحمل نذراً خطيرة من الانقسام ذي الطابع المذهبي وما تنذر به هذه المرحلة من أخطار على السلم الأهلي، ساهمت "حركة الشعب" في تشكيل "التجمع العلماني الوطني" مع عدد من الفاعليات السياسية والفكرية والثقافية. ولا يزال هذا التجمع يشق طريقه وسط الصعاب والألغام من أجل إقامة تكتل وطني حديث يواجه مخاطر المرحلة المقبلة ويؤسس لعملية تغيير تنقذ لبنان من المأزق الذي وصل إليه ومن المخاطر التي تتهدده.

إن المبادرات والجهود التي قامت بها الحركة خلال المرحلة الماضية يجب أن تناقش من قبل سائر الوحدات والفروع والقطاعات بصراحة ووضوح وعمق، مستفيدين من كل التجارب السابقة من أجل دفع العمل باتجاه هذين الهدفين بزخم وقوة، مدركين أننا سوف نتحمل القسط الأكبر من العبء والمسؤولية. ولكن يجب أن يكون واضحاً وراسخاً لدينا أن هذه هي رسالة "حركة الشعب" ومبرر وجودها.

في توجهات "حركة الشعب" للمرحلة المقبلة. 

في ضوء تحليلنا للمرحلة المقبلة في المجالات الدولية والعربية والمحلية نحدد توجهاتنا على النحو الآتي:

1-السعي إلى إقامة علاقات مع القوى التقدمية، خصوصاً تلك التي تشكل طليعة حركة التحرر العالمية الجديدة، بعد أن حققت ثورتها الوطنية الديمقراطية وأخذت تنحو نحو بناء الاشتراكية، كالعديد من بلدان أميركا اللاتينية. كذلك يجب العمل على إقامة أوثق علاقات مع المنظمات المناهضة للعولمة الرأسمالية.

2-الاستمرار في العمل من أجل قيام حركة التحرر العربية التي تتلاقى وتتكامل مع حركة التحرر العالمية. وهذا يتطلب زيادة الانفتاح على القوى والفاعليات القومية التقدمية. وتنظيم اللقاءات معها من أجل تطوير تجربتنا السابقة في هذا المجال، وإيجاد السبل التي تؤدي إلى قيام هذه الحركة.

3-على الصعيد الداخلي تجدد "حركة الشعب" التأكيد على ثوابتها، خصوصاً لجهة العمل على تغيير النظام السياسي الطائفي وإقامة نظام سياسي وطني ديمقراطي علماني.

إن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق بناء الأداة السياسية المنظمة، وإعداد البيئة الشعبية التي تحتضن هذه الأداة وتوفر لها عناصر القوة التي تمكنها من الدفع باتجاه التغيير.

إن نشر الوعي بمشروعية هذا الهدف ضروري جداً لإعداد البيئة الشعبية التي تحتضن النضال التقدمي من أجل التغيير. غير أن المشروعية وحدها لا تكفي لتحريك التيار الشعبي الوطني وانتشاله من حال الإحباط التي يعيشها، فإلى المشروعية يجب العمل على نشر الوعي بإمكانية تحقيق هذا الهدف. وهذا يتطلب الآتي:

أ-السعي الدؤوب لجمع القوى الوطنية اللاطائفية، أحزاباً وجمعيات وفاعليات سياسية وثقافية ونقابية، في جبهة وطنية تقدمية تضع برنامجاً للتغيير، وتعمل بكفاءة وثبات من أجل تحقيقه.

لقد أشرنا آنفاً إلى ما تعانيه بعض القوى الوطنية اللاطائفية من أزمات، غير أن هذا الأمر يجب أن يدفع إلى المثابرة على إقامة علاقات ودية مع هذه القوى، والحوار معها، والانفتاح على قواعدها، وعدم الانجرار إلى معارك ثانوية بالفعل أو بردة الفعل.

إن "التجمع العلماني الوطني" الذي تشارك فيه "حركة الشعب" إلى جانب بعض القوى الحزبية والعديد من الشخصيات السياسية والثقافية والنقابية يشكل إطاراً ملائماً لجمع القوى والفاعليات الوطنية التقدمية، ويجب العمل على توسيعه بضم قوى وفاعليات جديدة إليه، وعلى تفعيله عن طريق تكثيف نشاطاته في جميع المجالات.

ب-تفعيل عمل "حركة الشعب" على الصعيد الشعبي، وهذا يقتضي الانخراط في النقابات والجمعيات الأهلية والأندية الثقافية والعمل بنشاط في هذه المنظمات. إن من بين أهم واجبات الرفاق في المرحلة المقبلة الانتساب إلى هذه المنظمات.

ج-وضع خطة سنوية للنشاطات على مستوى الوحدات والفروع والقطاعات، والعمل بجدية من أجل تنفيذها.

إن ما يساعد على نشر الوعي في أوساط المواطنين بمشروعية الأهداف التي نعمل من أجلها وبإمكانية تحقيقها تفاقم أزمات النظام السياسي والطبقة المهيمنة، ما يدفع بكتل شعبية واسعة إلى الابتعاد عن القوى الطائفية. وهذا يرتب على القوى الوطنية والتقدمية مسؤولية الاستعداد لاحتضان هذه الكتل وزجها في النضال من أجل التغيير.

وليس من قبيل المغالاة أو الإفراط في التشاؤم أو التفاؤل القول بإن مأزق النظام السياسي قد تجاوز نقطة اللاعودة. فعدا عن الأزمة السياسية الراهنة واحتمالاتها القريبة المقلقة التي تحدثنا عنها، ثمة أزمات أخرى كبيرة لا يمكن لهذه الطبقة السياسية ونظامها أن يجدا حلولاً لها. هذا إذا ساعدتهما ظروف خارجية  غير منظورة وغير متوقعة على تلافي انفجار الأزمة السياسية خلال الأشهر القليلة المقبلة. أما أبرز هذه الأزمات فهي:

-الواقع المزري للمؤسسات الإدارية في الدولة، إذ تفشت فيها أمراض المحسوبية والفساد وانعدام روح المسؤولية وغياب المحاسبة... وعدم قدرة هذه المؤسسات على القيام بواجبها تجاه المواطنين. ومما لا شك فيه هو أن هذه الطبقة السياسية بعدما أمعنت في مصادرة هذه المؤسسات وتسخيرها لخدمة مصالحها باتت، غير قادرة على إصلاح هذه المؤسسات وتفعيلها. وهذا سوف يزيد من نقمة المواطنين ويدفعهم إلى إدانة هذه الطبقة والابتعاد عنها ومواجهتها.

-زيادة تدهور الوضع الاقتصادي بوتيرة سريعة، خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها الحتمية على الاقتصاد العالمي، وبالتالي تأثيرها على الاقتصادات المشوهة والتابعة كالاقتصاد اللبناني، ما يفاقم من مشكلات الركود الاقتصادي والبطالة.

ومع تنامي حجم الدين العام بحيث تبلغ نسبته إلى الناتج المحلي – بالأرقام الحقيقية – حوالي 300%، وبسبب الأزمة المالية العالمية التي لا يمكن للبنان أن يكون بعيداً عن تأثيراتها، فإن الدولة سوف تواجه أزمة حقيقية على صعيد الاقتراض.

وإذا كانت الهجرة تشكل حلاً جزئياً لمشكلة البطالة بين الشباب، وإذا كان المغتربون يساهمون بنصيب ملحوظ في تقليص العجز في ميزان المدفوعات، فمما لا شك فيه أن الأزمة العالمية الراهنة، والتي يقدر لها أن تتفاقم في المستقبل سوف تقفل بشكل مؤثر أبواب الهجرة، وتحد من تدفق أموال المغتربين إلى الوطن.

لا شك في أن الفترة الراهنة، وخلال الأشهر القليلية المقبلة سوف تشهد زيادة في تدفق "المال السياسي" ما يؤخر تفجر الأزمة الاجتماعية، غير أن هذا التدفق سوف يتقلص كثيراً فيما بعد لأسباب يتعلق بعضها بالجهات الممولة وتأثير الأزمة المالية عليها، ويتعلق بعضها الآخر بزوال الأسباب التي تستدعي هذه "المساعدات"، خصوصاً الانتخابات النيابية إذا تعطلت أو إذا جرت.

إن تفاقم الأزمات الاجتماعية مع عدم توفر قدرة الطبقة السياسية المؤتلفة في حكومة "الوحدة الوطنية" سوف يزيد من نقمة المواطنين ضد هذه الطبقة.

-ولأسباب تحدثنا عنها، فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد تصاعداً متسارعاً في حرارة السجال السياسي بين مختلف أفرقاء الطائفية السياسية. وهذا ما بدأنا نلمسه بعد فترة قصيرة من الهدوء والمصالحات أعقبت مؤتمر الدوحة. ومن الطبيعي أن تتزايد بالتالي الصدامات بين مناصري هؤلاء، وأن تتكاثر الحوادث الأمنية، ما يزيد من حالة القلق لدى المواطنين والخوف من اندلاع نار الفتنة.

أما بالنسبة لموقف "حركة الشعب" من القضايا السياسية المطروحة وأبرزها ما يتعلق بالسياسة الدفاعية، المقاومة وعلاقتها بالدولة، التوطين، العلاقات اللبنانية السورية...وهذه كلها تندرج تحت عنوان عريض: "موقع لبنان في الصراع الإقليمي القائم". وكذلك بالنسبة للموقف من الانتخابات النيابية المقبلة فإننا نؤكد الآتي:

-في الموقف من المحور الأميركي – الإسرائيلي وتوابعه من الرجعيات العربية فنحن ضد هذا المحور وضد مشاريعه على طول الخط.

-في موضوع السياسة الدفاعية وإشكالية العلاقة بين المقاومة والدولة فإن حل هذه الإشكالية يكون ببناء الدولة وليس بنزع سلاح المقاومة. الدولة التي لم تقم مرة في تاريخ لبنان لأن الطائفية لا تبني دولة. وعندما تقوم الدولة السليمة من الطبيعي أن تضع سياسة دفاعية. ومن الطبيعي أيضاً أن تحل هذه الإشكالية التي سببها غياب الدولة وليس وجود المقاومة.

-في موضوع التوطين: نحن مع حق العودة لشعبنا العربي الفلسطيني إلى وطنه ووطننا فلسطين. إن إسقاط هذا الحق بذريعة "السلام" يشكل تصفية خبيثة للقضية الفلسطينية، ويخضع الأمة العربية لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية ومشاريعها في المنطقة، كما يشكل طعنة قاتلة لنضال العرب من أجل التحرر والتقدم والوحدة.

-في موضوع العلاقة بين لبنان وسوريا، فإننا نؤكد على ضرورة تعزيز هذه العلاقة في جميع المجالات، الدفاعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ولكننا نحذر من إعادة إنتاج الأخطاء التي أدت إلى ما أدت إليه خلال السنوات الأربع الماضية. لهذا ترفض "حركة الشعب" أن يكون لبنان ساحة لتقاسم النفوذ بين جهات إقليمية ودولية، وأن تكون الطائفيات أدوات لهذا النفوذ المتعدد الجنسيات. وترفض بالتالي أن يكون لبنان ساحة اختبار للصراعات بين المحاور الإقليمية. إن قانون الانتخابات النيابية الذي "توافقت" عليه قوى خارجية وداخلية معروفة يجسد المخاوف التي ذكرناها، حيث اجتمعت فيه خطايا الأعداء في الخارج والداخل إلى أخطاء الأصدقاء والحلفاء في الخارج والداخل.

إن مقاومتنا للانتخابات النيابية التي لن تجري أو تجري على أساس "قانون الستين" ليست موقفاً نسجله وحسب، ولكنها معركة نخوضها.

معركة من أجل السلم الأهلي قبل أن تكون معركة من أجل عدالة التمثيل.

معركة من أجل إنقاذ الوطن وبناء الدولة وليست لعبة كراسٍ موسيقية تجري بخفة واستخفاف على وقع طبول الحرب الأهلية.

إننا في هذه المعركة نعمل على استنهاض تيار وطني لاطائفي، هو اليوم في حالة سكون وإحباط وضياع، ولكنه الأقوى إن تحرك، وهو الأرقى والأنقى والأكثر ضماناً لبقاء هذا الوطن وأمان هذا الشعب. وإننا نتوجه إلى كل القوى والهيئات والفاعليات الوطنية اللاطائفية لنقول إن دوراً تاريخياً ينتظرنا جميعاً من أجل إنقاذ الوطن، وهذا الدور يتطلب منا المواجهة، الحكمة والشجاعة في المواجهة. مواجهة خطايا الأعداء وأخطاء الأصدقاء. ولا ينفعنا في أداء هذا الدور وينفع قضيتنا الوطنية أن نستجدي لجوءاً سياسياً عند الطوائف من أجل كرسي مخلع في برلمان مسخرة.