You are here: المؤتمر الوطني للإنقاذ 12 عاماً على حركة الشعب: لم نبتدع جديداً

12 عاماً على حركة الشعب: لم نبتدع جديداً

إرسال إلى صديق طباعة

اثنا عشر عاماً على تأسيس حركة الشعب. الغول المذهبي والمال السّياسي أولويّة في المواجهة. الحركة ليست بأفضل أحوالها، والمؤتمر التنظيمي المقبل سيفرز قيادة جديدة. رئيس الحركة نجاح واكيم أوّل المتغيّرات

واكيم خلال الاحتفال بالذكرى الـ12 لتأسيس حركة الشعب (مروان بو حيدر)

«البوصلة فلسطين» يقولها نجاح واكيم حاسماً، و«لمن يريد أن يستزيد، سوريا هي البوصلة أيضاً». أزمته مع لبنان ليست حكومةً أو نظاماً. هي «أزمة هويّة وكيان يبحث عن مكان في نظام إقليمي لم ترتسم ملامحه بعد، ويضيع في غبار صراع عالمي يجهد لإنتاج نظام دولي جديد». الناصري العتيق أطفأ أخيراً مع رفاقه شمعة الذكرى الثانية عشرة لتأسيس حركة الشعب.
من أصغر نائب يدخل البرلمان في انتخابات عام 1972، إلى الصوت الأعلى في وجه الحريريّة السياسيّة بعد الطائف. نجاح واكيم لا يهادن ولا يوفّر الأموات قبل الأحياء. يعود ابن البربارة بالذاكرة ليشرح استعار الانتفاضات العربيّة، يمرّ على لبنان الغارق في «سياسة النعامة». يتحدّث عن حركة الشعب.

شهرته في إشعال لفائف التبغ أكثر من التنفّس لا تبدو واقعيّة. على مكتبه كتبٌ كثيرة وأوراق مبعثرة. صورة جمال عبد الناصر في رأسه أكثر منها معلّقة في أرجاء المكتب. من أين نبدأ؟ من الحركة.
لا تعدو الحركة بالنسبة إليه هدفاً بحدّ ذاتها. لا يدّعي واكيم أنّ الحركة تبتدع جديداً في أفكارها، بل هي «تستند إلى نتاج تراثٍ مشترك خاضته وأفرزته حركات عريقة في العالم العربي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كالحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة والحركة القوميّة العربيّة والماركسيين العرب». وبغضّ النظر عن الإخفاقات والنجاحات، فإنّ هذا التراث، في نظر واكيم يشكّل مادّة عظيمة في معركة الصراع مع العدوّ الصهيوني، وفي معركة الحريّة والتحرّر الوطني.


بحسب الخطّ البياني الذي يرسمه واكيم، كانت وفاة جمال عبد الناصر نقطة تحوّل في مسيرة الحركات التقدميّة العربيّة. «لم نشهد في لبنان حالة نموّ، بل حالة ورم!». النقد لاذع للحركة الوطنيّة اللبنانية التي «راحت توظّف نفسها في حالة الإقطاع السياسي اللبناني وخدمة أهدافه من جهة. وفي خدمة النظام الرسمي العربي من جهة أخرى. فكمال جنبلاط وياسر عرفات لا يمكنهما أن ينتجا حالة وطنيّة. الأوّل هو أسوأ إقطاعي عربي، والثاني هو أسوأ سياسي عربي». وعلى هذا المنوال، افتقدت القوى الوطنيّة مشروع تحررّ وطني حقيقي وترسّخت ظاهرة التخلّف في الأحزاب الوطنيّة، ولم تعرف هذه القوى كيفيّة تحديث نفسها.
«أفكارنا ليست خاطئة ولا منتهية الصلاحيّة، فالاشتراكيّة متقدّمة جدّاً على الرأسماليّة. والأفكار القوميّة هي حقيقة وواقع، لكنّ أدواتنا وآليّاتنا رجعيّة وقديمة نسبة إلى أدوات المشروع الرأسمالي الذي يستعمل أدوات أكثر حداثة». من هنا، بدأ النقاش مع عدد من الرموز الكبيرة في العالم العربي للبحث في كيفيّة إعادة إنتاج حركة تحرّر عربية. «حركة الشّعب هي واحدة من هذه المحاولات».
تأسّست حركة الشعب في خضم مرحلة بالغة الخطورة على صعيد لبنان. «خاطبنا كلّ القوى حينها لفعل شيء ما، فقوّة الطوائف ليست قوّة ذاتيّة، بل نتاج ضعف الحركات والقوى الوطنيّة وضمورها. المجتمع اللبناني حينها كان قد دخل مرحلة المال السياسي بقوّة، وحالة الرّفض كانت موجودة وتحتاج إلى التوظيف ضمن مشروع، لكنّ المشروع غائب».
لقد كان للعمل الطلابي في مرحلة التسعينيات وحتى عام 2000 الفضل الكبير في تأسيس الحركة. شكّل الحراك الشبابي والطلابي في الجامعة الأميركية قاعدة للانطلاق في محاربة تفكّك المجتمع وجنوحه نحو ما سمّي «الحريرية السياسيّة»، وكانت هذه الخيارات تحصد نتائج كبيرة في انتخابات الجامعة، لكن حضورها تراجع منذ عام 2005، تزامناً مع تحول الحريرية من مشروع سلطة إلى «مشروعية شعبية» مبنية على «الاستشهاد».
«التدهور لم يحصل عند حركة الشعب فقط. فمع طغيان الحالة المذهبيّة على مفاصل البلد، خفت الصوت الوطني في مواجهة المدّ المذهبي». يتابع واكيم: «الطاغوت المذهبي يملك الكثير من الأدوات، أولاها المال والتحريض الإعلامي العاطفي، والخدمات». الحركة اليوم ليست بأفضل أحوالها مع كل هذا الصراع العصبي المستفحل، و«العام الماضي كان الأسوأ لناحية الدخول إلى صفوفها». لكنّ هذا العام سيحمل تغييرات كثيرة بالنسبة الى الحركة، «المؤتمر التنظيمي سيفرز قيادة جديدة على كلّ المستويات، وأوّل هذه المتغيّرات هو رئاسة الحركة». لا يجيب واكيم عن الأسماء المطروحة لتولّي مسؤوليّة الرئاسة، إذ إن أي إشارة قد يستعملها المتربّصون على أنّها تزكية.

الانتفاضات العربيّة

لا يوافق الحقوقي على أن التحركات والانتفاضات العربية ابتدعتها أيادٍ خارجية، «فمحمد البوعزيزي لم يكن عميلاً للاستخبارات الأميركيّة»، بل إنّ القهر الذي تعانيه هذه الشعوب منذ زمن طويل ولّد حالة من الاحتقان كان مقدّراً لها الانفجار في أية لحظة. و«ما يحدث اليوم ليس ثورة، هو انتفاضة إذا أحسنّا إدارتها وتوجيهها قد تكون الخطوة الأولى على طريق ثورة وطنيّة». غير أنّ هذه الانتفاضات لم تبق منزّهة عن التدخلات الخارجية ومصدرها الأساسي الولايات المتحدة الأميركية. «لقد كان الأميركيون جاهزين للاستثمار وأحسنوا خطفها وتحويرها عن مسارها الطبيعي باسم شعارات الحرية والديموقراطية والعدل الاجتماعي، وهذا الاستثمار سببه ضعف القوى الوطنية التقدمية في العالم العربي وترهّلها».
يحمل واكيم بعنف على الحراك العربي، «فعوضاً عن الاستبداد الذي كانت تمارسه الأنظمة الملحقة بالأميركي التي سقطت، تنتشر دعاوى التكفير التي يطلقها هؤلاء الذين دُفعوا إلى واجهة الأحداث باسم الشريعة والدين. الديموقراطية والتنمية والعدالة بمعزل عن التحرر الوطني هي عملة أميركية زائفة».

سوريا والبلقان

«الشك لم يعد له مكان في الأزمة السورية»، نجاح واكيم قاطع انتخابات الألفين اعتراضاً على قانون غازي كنعان، وهاجم الأخطاء السورية في لبنان. هو اليوم مقتنع بالمؤامرة التي تحاك ضد سوريا، الدور والجيش والشعب والقيادة والموقع الاستراتيجي. له فيها ما لأي مواطن سوري، وعليه تجاهها ما على أي مواطن سوري. «إنّ ما يسمّى الأزمة السوريّة اليوم هو في الحقيقة أزمة المنطقة بأكملها، إنّه الصراع على الشرق الأوسط والصراع فيه. هذه المعركة ستقرّر مستقبل الصراع في العالم».
«بين سوريا ومجلس التعاون الخليجي، نحن مع سوريا. بين النفط العربي والإنسان العربي، نحن مع الإنسان العربي. بين التبعية بكل إغراءاتها والتحرّر بكل تكاليفه، نحن مع التحرّر والكرامة. سوريا ستنتصر على العدوان». يبدو واكيم واثقاً مما يقول: «هؤلاء لم يقرأوا التاريخ ليعرفوا مدى التشابه بين بلقان القرن العشرين وسوريا القرن الواحد والعشرين».

النأي بالنفس

يعود الرجل إلى لبنان «النأي بلبنان عن مشاكل المنطقة هو كسياسة النعامة التي تضع رأسها في التراب». الحكومة اللبنانية ومن يمثلها بنظره «شطبت التاريخ والجغرافيا وألف باء المنطق السياسي واستراحت، بينما تسهم قوى 14 الشهر وملحقاتها في تزكية الاقتتال في سوريا خدمة لأسيادها الأميركيين والإسرائيليين». وعن العلاقة مع الأفرقاء اللبنانيين، تنسج حركة الشعب علاقات جيّدة مع مختلف القوى والأحزاب الوطنيّة اللبنانيّة، وعلاقة مميّزة مع حزب الله. ولا تتواصل الحركة أبداً «مع ثلاث قوى لبنانيّة بناءً على علاقاتها السابقة وربما الحاليّة بالعدوّ الصهيوني، وهي القوّات اللبنانيّة، حزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي».
«الدعوة إلى قانون نسبي على أساس طائفي مهزلة، هذا تكريس للطائفيّة وإعادة إنتاج للحرب الأهلية اللبنانيّة بصورة أقسى»، يسخر واكيم. «معركتنا في لبنان اليوم هي صياغة قانون انتخابي على أساس غير طائفي، بغضّ النظر عن النسبيّة» يقول للقوى الحريصة على لبنان، مضيفاً: «هذه المعركة في صلب عمليّة التغيير والإصلاح والصراع مع العدوّ الصهيوني وفي صلب موقف لبنان ومواجهته للمدّ الاستعماري، لأنّ كلّ حديث آخر هو سراب». يضحك الناصري وهو يوصّف الحالة اللبنانية اليوم: «قبل الحرب اللبنانيّة، كان شارع المتنبّي شارعاً مزدهراً في بيروت، ومن يعرف شارع المتنبّي يعرف أنّه ما عاد شارعاً في وسط بيروت، صار يمتدّ على مساحة وطن».


هيكليّة الحركة

تنظّم حركة الشعب كلّ عامين مؤتمراً تنظيمياً لهيكليّتها الداخلية، وآخر سياسياً تخرج بعده بوثيقة تحدّد خطوط العمل والنظرة إلى الأحداث والمستجدّات على الصعيد اللبناني والإقليمي. تنتشر فروع الحركة في بيروت والبقاع والجنوب والشمّال، فضلاً عن نواة في جبل لبنان يعمل على تطويرها حديثاً وفكّها عن فرع بيروت. بالإضافة إلى قطاعين، هما: قطاع الشباب والطلاب وقطاع العمّال. وفي الحركة أيضاً مجلس مندوبين وهيئة تنسيق تضمّ ممثّلي الفروع (الفروع تنتخب مسؤوليها).
يشكّل مجلس المندوبين الهيئة العليا في الحركة، ويتكوّن من مندوبي الوحدات وهيئة التنسيق. بينما تتشكّل هيئة التنسيق كلّ ثلاث سنوات بالانتخاب من قبل مجلس المندوبين ورؤساء المناطق والقطاعات، ويكون من ضمنها رئيس الحركة ونائبه ومسؤول التنظيم والمسؤول المالي.

جريدة الاخبار
فراس الشوفي
العدد ١٦٤٦ الثلاثاء ٢٨ شباط ٢٠١٢