You are here: الصفحة الرئيسة

أصحاب المصارف يضربون اليوم

إرسال إلى صديق طباعة

الضريبة على الأرباح هي ضريبة نوعية تحقق 464 مليار ليرة سنوياً (مروان طحطح)عندما أقرّت اللجان المشتركة في مجلس النواب مشروع قانون زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية من 5% إلى 7%، وإخضاع المصارف لهذه الضريبة، بعدما كانت معفاة منها، قرّر اصحاب المصارف «الإضراب والإقفال ليوم واحد»

بعد انتظار أكثر من عقدين لتحقيق خرق ما يُخضع الريوع المصرفية للضريبة، تعرّض الخرق الأول لهجوم واسع من جمعية مصارف لبنان والهيئات الاقتصادية. موافقة اللجان النيابية المشتركة على زيادة الضريبة على الفوائد من 5% إلى 7%، وإخضاع المصارف لها، استدعى عقد جمعية عمومية استثنائية لجمعية المصارف امس أفضت إلى قرار بالإضراب اليوم، فيما سارع مجلس إدارة الجمعية إلى طلب موعد من الرئيس نبيه بري لشرح ما عدّه اصحاب المصارف «خطرا» على معدلات ارباحهم.

جن جنون المصارف التي نجحت في السنوات الماضية في تحييد نفسها عن اي عبء ضريبي فعلي ومراكمة ارباح خيالية. وقررت شنّ هجوم استباقي على الهيئة العامة لمجلس النواب، في محاولة منها لمنعها من إقرار السلّة الضريبية، التي وافقت عليها اللجان المشتركة. وعلى الخطّ نفسه، عقدت الهيئات الاقتصادية اجتماعاً استثنائياً لا هدف له سوى العمل على إطاحة ضريبة الربح العقاري، ومنع اي زيادة على ضريبة ربح الفوائد. هذه الحملة لا مبرّرات منطقية لها، طالما أن ضريبة الفوائد المعمول بها في العالم، ومعدّلاتها الرائجة لا تقل عن 10%.
اذا، لجأت المصارف، كما فعل التجار عام 1973، إلى الإضراب للدفاع عن الامتيازات التي حصلت عليها طيلة السنوات الماضية. فقد رأت المصارف أن «هذا المقترح الضريبي بمثابة عقاب للمؤسسات المصرفية»، ووجّهت رسالة «تهديد» إلى الجهات المعنية تشير فيها إلى أن «زيادة الضرائب على فوائد ودائع اللبنانيين وعلى التمويل المصرفي للدولة اللبنانية، سيؤدّي حكماً الى زيادة الفوائد على جميع القروض والتسليفات، ولا سيما على القروض السكنية والشخصية وقروض التجزئة وسائر التسليفات الممنوحة للمؤسسات الاقتصادية، وبخاصة الصغيرة والمتوسطة». وتضامنت الهيئات الاقتصادية مع المصارف، مشددة على أنّها «لن تسمح بأن يكون الوفاق السياسي الظرفي على حساب دعائم وركائز الاقتصاد اللبناني»، داعية في هذا المجال «رئيس مجلس النوّاب إلى التريّث في عرض مشروع السلسلة على الهيئة».
قبل قرار الإضراب، كانت المصارف قد حاولت التهويل عبر الحديث عن «مخاطر هروب الودائع»، علما ان المصرفيين رأوا ان وزن هذه الضريبة بعد زيادتها وتكليف المصارف تأديتها لن يكون له وقع مهم على معدّلات الفائدة في لبنان، وجاذبيتها، قياسا الى المعدلات السائدة في الاسواق العالمية. تستعمل الضريبة على الفوائد المصرفية في عدد من الدول أداة لتحفيز الاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي وكبح عمليات التوظيف غير المنتج. ففي قبرص، على سبيل المثال، تفرض السلطات النقدية والمالية ضريبة على ربح الفوائد بنسبة 10%، وهناك العديد من الدول التي تفرض ضرائب بنسب مماثلة، مثل بلغاريا التي رفض، أخيراً، المجلس النيابي فيها خفضها إلى 8%. أيضاً هناك ضريبة مماثلة في هنغاريا والنمسا... وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي تفرض هذه الضريبة باعتبارها دخلاً إضافياً، وبالتالي تصيبها الشطور العليا من ضريبة الدخل التصاعدية.
لكل بلد طريقة احتساب مختلفة، فمنهم من ذهب في اتجاه احتساب نسبة الفوائد الصافية على الأفراد والشركات وإخضاعها للضريبة (ففي أميركا تُحتَسب الفوائد المقبوضة والفوائد المدفوعة على الأفراد والشركات ويخضع الصافي منهما للضريبة فترتفع وتنخفض وفق كل حالة). وقد ذهبت بعض الدول نحو اعتماد ضريبة مقطوعة على هذا النوع من الدخل بالذات... إلا أن الجميع يرى فيها ضريبة يجب تأديتها. أما في لبنان، فقد أُقرّت الضريبة على الفوائد في كانون الثاني 2003 بنسبة 5% من إيرادات الفوائد الناتجة من الحسابات المصرفية بالليرة والعملات الاجنبية للمقيمين ولغير المقيمين. وحُدّد الخاضعون لها على النحو الآتي: الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف، الودائع بأي عملة، وشهادات إيداع مصرف لبنان، الشهادات والسندات الصادرة عن المصارف والقروض الممنوحة للمصارف، التأمينات على الاعتمادات المستندية وعلى الكفالات، حسابات الائتمان وادارة الأموال، سندات الدين الصادرة عن الشركات المغفلة، سندات الخزينة.
لكن المرسوم التطبيقي لهذه الضريبة أضاف جملة واحدة استثنت المصارف من تأديتها: «إذا كانت الفوائد والعائدات والإيرادات داخلة ضمن أرباح مؤسسات مصرفية أو مالية أو تجارية، فإنها تبقى خاضعة للضريبة، وتنزّل قيمة الضريبة المسددة عنها من الضريبة على الأرباح». هذا يعني أنه جرى إخضاع الأفراد لهذه الضريبة واستثناء المصارف والشركات بذريعة انها تدفع الضريبة على مجمل الارباح لديها.
اللافت أن لبنان، قدّم في مؤتمر باريس 3 مشروع زيادة الضريبة على الفوائد من 5% إلى 7% على أنه أحد الإصلاحات الأساسية. لاحقاً، أُدرج هذا الاقتراح في أكثر من مشروع موازنة، لكن المصارف منعت إقرار المشروع، وحذفته من بعض مشاريع الموازنات العامة.
ويقول أحد النواب المتابعين، إن ما أقرته اللجان المشتركة سيحقق واردات إضافية للخزينة تبلغ 464 مليار ليرة على أساس أن قيمة سندات الخزينة يبلغ 57096 مليار ليرة، وتحمل المصارف منها 47652 ملياراً بفائدة مثقلة تبلغ 6.87% (تحتسب الفائدة وفق قيمة وأجل كل شريحة من شرائح سندات الخزينة)، أي إن قيمة الفوائد 3273 مليار ليرة، وضريبتها بنسبة 7% تبلغ 229.2 مليار ليرة.
كذلك، تحمل المصارف، نحو 32470 مليار ليرة شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان، بفائدة مثقلة تبلغ 8.35%، ما يعني أن فوائدها 2711 مليار ليرة، وضريبته 189.8 مليار ليرة. كذلك، يترتب على مصرف لبنان سداد ضريبة بقيمة 33 مليار ليرة عن سندات خزينة يحملها بقيمة 7015 مليار ليرة، فيما سيدفع الأفراد 11.6 مليار ليرة عن السندات باسمهم. وبالتالي، فإن مجمل القيمة المحصّلة من هذه الضريبة هو 464 مليار ليرة، وحصّة المصارف منها 419 مليار ليرة، أي 277.9 مليون دولار، وهو ما يوازي 16.3% من الأرباح المصرفية الصافية.
أما بالنسبة إلى الذرائع، فهي غير ذات قيمة فعلية، لأن اسعار الفوائد العالمية لا تصل إلى 1% في أفضل الحالات، لكنها في لبنان تصل إلى 5%، ما يعني أن المودعين لن يهربوا إذا زيدت الضريبة على الفوائد بنسبة 2%، لأن هذه النسبة ستخفض نسبة الفائدة الفعلية في السوق بنسبة 0.14%، وبالتالي فإنه بعد رفع الضريبة الى 7% ستنخفض الفائدة الفعلية على المودعين من 5% إلى 4.65% مقارنة بفوائد لا تصل إلى 1% في الخارج. هل سيكون خيار المودع الهروب من لبنان؟!
أما بالنسبة إلى ذريعة الازدواج الضريبي، فهي غير منطقية، لأن المصارف تحقق دخلاً يجري إخضاعه لضريبة الأرباح. أما منطق المصارف، فهو يدمج بين ضريبة الدخل وضريبة الفوائد، برغم أن القاعدة القانونية هي «ألا يخضع مبلغ واحد لضريبتين مختلفتين» يقول الخبير الضريبي عبد الرؤوف قطيش. هذا يعني أن احتساب الضريبة على الفوائد، واحتساب المبلغ المدفوع من ضمن ميزانيات المصارف على أنه أعباء، يلغي اي ازدواج ضريبي.