You are here: الصفحة الرئيسة

Harakat Al-Shaab - حركة الشعب -لبنان

نصرالله: لن نخلي الميدان بمواجهة إسرائيل وعيوننا مفتوحة على الحدود الشرقية

إرسال إلى صديق طباعة

شدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي حضر شخصياً بين الحشود المشاركة في مسيرة العاشر من محرّم في الساحة العاشورائية المركزية في الجاموس على أن "مسيراتنا العشورائية لهذا العام هي لاعلان التضامن مع الشعب اليمني وقادته وجيشه ولجانه الشعبية"، وراى "أن الحرب من قبل السعودية على الشعب اليمني لا تبدو أنها تخاض على قاعدة تحقيق أهداف سياسية وانما تعبر عن مستوى الحقد والضغينة والانتقام. هذا الشكل من القتل حيث يطحن البشر والحجر والأطفال والكبار ويُستهدف كل شيئ في اليمن هو حرب الحقد الوهابي السعودي".
واضاف :"في اليمن مئات الآلاف من المقاتلين الشجعان الصابرين الصامدين الذين لا تخيفهم لا الجبال ولا الصحاري وهؤلاء بشجاعتهم وبصيرتهم وايمانهم ودفاعهم عن شعبهم وأعراضهم سيصنعون الانتصار، وكما قال الامام الخامنئي في هذه الحرب سيمرغ أنف آل سعود في الوحل"، واضاف "الآن على الحدود السعودية حيث يهرب جنودهم مرّغ الجنود المقاتلون اليمنيون أنوف آل سعود في وحل السعودية".
واشار الى أن "خيار شعب فلسطين الحقيقي هو الخيار الصائب بالانتفاضة والجهاد والمقاومة ومواجهة المحتلين"، لافتاً الى أن "الكثيرين راهنوا على أن انتفاضة القدس في بداية عامها الثاني ستنتهي لكن الأيام الماضية أثبتت أن هذه الانتفاضة موجودة في عمق ووجدان شبان فلسطين".
وقال نصر الله  إن "مجاملة الاسرائيليين في مناسبة عزاء أو فرح لن تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني أو للقضية الفلسطينية"، مؤكداً "أننا في لبنان مع شعب فلسطين في معركة واحدة ومصير واحد".
وقال الأمين العام لحزب الله "يتجه العراقيون الى حسم معركتهم المصيرية مع "داعش" وانتقلوا من نصر الى نصر صنعته قواتهم المسلحة وحشدهم الشعبي وقبائلهم".
وتابع "القوات العراقية تتجه نحو الموصل، والأميركيون يريدون فتح الطريق من الموصل الى المنطقة الشرقية في سوريا، وانا أقول للأخوة العراقيين، من أجل العراق، إن تكديس "داعش" في سوريا بعد هزيمتها من العراق الى ماذا سيؤدي؟ ستستغل تواجدها الأمني لتنفيذ عمليات ارهابية حيث تصل ايديها في العراق، وستجدون أنفسكم من أجل وقف هذه العمليات مضطرين للدخول الى المنطقة الشرقية في سوريا، وهذا الخداع الأميركي سيضيع انتصاركم في الموصل"، مؤكداً أن "الانتصار الحقيقي هو أن تضرب "داعش" ويعتقل قادتها ويزج بهم في السجون لا أن تفتح لهم الطريق الى سوريا لأن في ذلك خطر على العراق".
وقال نصر الله أن "العاشر هذا العام يأتي وقائد حسيني شريف وشجاع يحاصر في بلدته الدراز في البحرين وحوله حشود من رجال ونساء أباة وأوفياء يملؤون ساحة الفداء حول المنزل دفاعاً عن حسينهم سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى قاسم"، وحيا "في شعب البحرين وفائه لقائده وقضيته وصموده وعزمه على مواصلة المسيرة".
وتوجه الى شعب البحرين بالقول "اصبروا ورابطوا على الحق الذي أنتم عليه لأن الذين يقفون خلف حصاركم وظلمكم يتجهون نحو الهاوية والسقوط، وببركات المجاهدين اليمنيين الذين سيسقطون آل سعود في الهاوية سيكون فرج الشعب البحريني المظلوم".
واكد نصر الله "على المسار السياسي الايجابي في البلد بمعزل عن صراعات المنطقة وأن يمضي المسار في الملف الرئاسي الى النتائج المطلوبة"، داعياً "الحكومة بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي الى العمل الدؤوب والجاد والاهتمام البالغ بالملفات الضاغطة على اللبنانيين من بيئة وصحة وبطالة".
وشدد على أنه "ستبقى هذه المقاومة عينها على "اسرائيل" وعلى الحدود الجنوبية، ونتابع كل ما يقوله الاسرائيلي وما تفعله "اسرائيل" وتحضره وما يصيبها من نقاط ضعف وما تراكمه من نقاط قوة والمقاومة الاسلامية في لبنان لن تخلي الميدان في مواجهة "اسرائيل"، ونحن ندرك جيداً أن الذي يحمي بلدنا في مواجهة "اسرائيل" هو قوة لبنان في جيشة وشعبه ومقاومته". وشدد على ان "عيوننا ستبقى مفتوحه أيضاً على الحدود الشرقية في البقاع، على التكفيريين حيث سنبقى نتواجد، والى سوريا الى زينب ورقية سوف نستمر في تحمل المسؤوليات الجهادية الجسام هناك، حيث أبناؤكم وأخوانكم يدافعون عن الأرض والمنطقة وفلسطين والوجود والكرامة".

 13-10-2016

مؤتمر «تطبيعي» في بيروت: طريق القدس لا تمرّ من الأشرفية

إرسال إلى صديق طباعة

«يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسلين إليها؛ كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تُريدوا؟ هُوَذَا بيتكم يُترك لكم خراباً لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مُبارك الآتي باسم الرب»
(إنجيل متى 23)

فراس الشوفي

كلّ شيءٍ مرتّب في قاعة الطابق الأوّل من فندق «لو غبريال» في الأشرفية. الطاولة المستطيلة والمنبر، وأوراق ملخّص ورشة عمل لقاء «سيّدة الجبل» تحت عنوان «القدس توأم العواصم العربية ومقصد الحجّ والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين» موزّعة أمام كلّ كرسي. غاب الراحل سمير فرنجية، فوجد النائب السابق فارس سعيد شيئاً يَرْأَسَه، بعد اندثار «14 آذار»، الفكرة لا الإطار.

على مدخل الفندق والزوايا المحيطة، وقف عناصر قوى الأمن الداخلي لحماية نشاطٍ «ما»، لم يعرفوا عنه شيئاً. كان الجنود اللبنانيون صباح أمس يحرسون مؤتمراً يدعو إلى «السلام» مع إسرائيل، مقابل الأجر الذي يتلقّونه من الدولة التي لا تزال تناصب العداء لإسرائيل. لا هَمّ. فهذا «البلد» ديموقراطي إلى هذا الحدّ.
للأمانة، لم يكن عنوان الورشة، الدعوة إلى سلامٍ مع الكيان الذي قام على تاريخٍ كاذبٍ ووعدٍ كاذب، مع أن سعيد كان قد أرخى لسانه في نيسان الماضي، فزلق ما في قلبه، داعياً إلى «السلام» مع إسرائيل. الورشة أمس بريئة براءة يهوذا، مكلّلة بالغيرة على القدس والمقدسيين، منحوتة من جراح الفلسطينيين وكيد «الدولة اليهودية»... ورشّة مناجاة، لخلاص القدس من «الخشبيين»، جماعة «المحور السوري ــ الإيراني»، أكثر منها للخلاص من التهويد والتنكيل وتزوير التاريخ.

 


وهل يجرؤ أحد على اعتراض جموع المؤمنين التوَّاقين للقيا كنيسة القيامة إذا ما قرّروا الزحف نحو القدس؟ «برافو» فارس سعيد وصحبه. عنوان موفّق لمشروعٍ ساقط.
أمّا الحاضرون، فوجوهٌ بعضها لم يلتقِ بعضاً منذ زمن. لكن، تخيّلوا! التقت القلوب على الوَلَهِ بالقدس. النائب نديم الجميّل لا يغيب عن «خشوعٍ» من هذا الطرز، كما الكتائبي العتيق جوزف بو خليل. الوزير السابق حسن منيمنة وجد نفسه أيضاً. في قضايا الخيانة الزوجية أمام الكنيسة، لا تكتمل الواقعة من دون شاهد، ولا يهمّ إن كان شاهد زور أحياناً. هكذا كان حضور الفلسطيني هشام الدبسي، مدير «مركز تطوير للدراسات الفلسطينية». الدبسي من جماعة محمود عبّاس، ووالد وَلَدِهِ «إعلان فلسطين في لبنان 2008»، أو خارطة الطريق لِعَجْنِ «أوسلو» بـ«الجبهة اللبنانية».
لم يتأخر موعد بدء الورشة عن الساعة 11. سريعاً، قرأ إيلي الحاج الملخّص الأوّلي للورشة، وفيه «لماذا الآن؟». الجواب يأتي لاحقاً. فارس سعيد في كلمته اختار الطريق الأقصر إلى الفكرة. طبعاً حاك حولها غلافاً روحياً، لكنّه بدا كمذنبٍ يدور حول ذنبه: في كَبِدِه «التطبيع» مع إسرائيل، وعلى لسانه حلو الكلام عن الحجّ إلى القدس. ومع ذلك، رسم لـ«المسيحيين اللبنانيين» طريقاً من ثلاث: الغرق في الأزمات الداخلية، الانخراط في «حلف أقليّات» (تَرَكَه مبهماً حتى لا يغرق في شرّ التوصيف)، أو أن يكونوا جسراً لـ«السلام»! الخياران الأوّلان «شريران»، فالأمر محسوم من النبرة وتجهّم الوجه. الخيار الأخير قِلَادة قرب قلب سعيد. ثمّ يعرض سعيد بكلّ صراحة/ وقاحة: «مبادرة من السلام لأجل السلام، لأن المسيحيين لن يستطيعوا العيش إلّا من أجل السلام». غريب. لماذا لم يعرض سعيد «السلام» مع «النصرة» و«داعش»، أبناء إسرائيل الشرعيين؟ وبدل ذلك، تنعّم طوال السنوات الماضية في قرطبا بـ«سلام البنادق» الذي أرساه حزب الله والجيش اللبناني والوطنيين اللبنانيين مع العصابات التكفيرية؟
وسعيد، «خبيث» بعض الشيء. لن يكون «ملكاً أكثر من الملوك»، قال: نقبل بما يقبل به الفلسطيني. نكتة منذ التسعينيات، حملتها الرياح مثل «حبوب الطلع» من وادي عربة إلى الأشرفية.
جاء دور الدبسي، فبدأ كلامه بأن «أحداثاً قاسية تنتظر مخيّم عين الحلوة»، أو شيئاً من هذا القبيل. هل هي معلومات أم تحليل؟ أم تمنيّات؟ أم في سياق «لماذا الآن؟». لم نفهم، فلننتظر. كل اللوم في فلسطين على جيش الاحتلال. ممتاز. لكن في رأس الدبسي فكرة لامعة، «المقاومة السلمية». لم نفهم أيضاً. هل قصد انتفاضة 1987؟ أم غاندي؟ أم أن «الايديولوجيا حين تخدم الانسان، ينتصر السلام»؟ «السلام» مجدّداً.
بقي شاهدٌ آخر. الكاتب محمد حسين شمس الدين. رسم الرجل حروفه بإتقان، بحرفية الذي باع صكوكاً في الجنة، أيام الحملات الصليبية. شعر جميل وإلقاء أجمل، لكن لم يَعْلَق إلّا بيت محمود درويش: «البيت أجمل من الطريق إلى البيت»، والتعليق عليه: «كما يقول كل فلسطيني غير مكتوم بالديماغوجيا». و«الديماغوجيا» عند شمس الدين أيضاً «جماعة المقاومة»... باعوا الطريق لـ«البيت»، ويمهّدون لبيع «البيت». فالعاجزون، عندما تستفحل العلاجات الطبيّة، يعيّرون غيرهم على شرف المحاولة، ثم يبرّرون العجز بالاستسلام، ويغلّفونه بجرأة الاعتراف، أو بـ«السلام».
فلنعد إلى «الجدّ». البيان الختامي للورشة يدعو إلى أن «تكون القدس مقصد الحج والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين، مسيحيين ومسلمين ويهوداً»، وعلى رأسهم المسيحيون اللبنانيون طبعاً.
والخبث هنا فاقعٌ بعض الشيء. استند المشاركون إلى «دعوة البابا بنديكتوس السادس عشر، في إرشاده الرسولي الخاص بسلام الشرق الأوسط (أيلول 2012)»، و«مبادرة البابا فرنسيس الأول إلى زيارة الأماكن المقدّسة في فلسطين (أيار 2014)» و«دعوة القمة العربية الأخيرة في عمّان (آذار 2017) العواصمَ العربية إلى التوأمة مع مدينة القدس».
حسناً، إذا كان الحجّ العالمي إلى القدس في تراجع مستمرّ احتجاجاً على سياسات الاحتلال، فما هو الملحّ في حجّ اللبنانيين؟ حملات المقاطعة الأوروبية تهدّد إسرائيل جديّاً وتضعها تحت أعباء طائلة، ولبنانيون يريدون منح الشرعية للاحتلال بـ«بلاش». سريالية ليس بعدها، سوى بكاء التماسيح. أَنَحُجُّ إلى القدس وكنيستها العربية محتلة من يوناني يبيع أملاك المقدسيين لليهود؟ ألا يستأهل الأمر اعتراضاً في حاضرة الفاتيكان؟ أو لدى الأحبار المشرقيين؟
وعلى قلّة المزارات اللبنانية والقديسين، هل زار أعضاء لقاء «سيّدة الجبل» قانا الجليل، أو سمعوا بكنيسة «خريتوفورس»/«حامل الله» في صور، الكنيسة الأقدم في لبنان؟ الطريق من صور أقرب إلى القدس.
ثمّ ما هو موقف بكركي والبطريرك بشارة الراعي من هذه الطروحات؟ قيل إن بكركي صرح وطني وعلى مسافة واحدة من جميع اللبنانيين. وقيل، أيضاً، إن مرحلة ما بعد الحرب الأهلية حملت مراجعة نقديّة لعلاقة البعض بإسرائيل، أو التناغم معها. هكذا أثبت الرئيس ميشال عون. على أيّ الجوانب ينام «لقاء سيّدة الجبل»؟
ولنفترض أن الدولة اللبنانية قبلت بهذا العرض، فهل يقبل بنيامين نتنياهو؟ اللهم إلا إن كان في الأمر إعداداً لمرحلة يظنّها البعض آتية.
من يعبّر أكثر عن حاجة المقدسيين إلى الدعم؟ فارس سعيد وهشام الدبسي أو المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس؟ بالنسبة إلى حنّا، «مفهومٌ رغبة كلّ مؤمن بالحجّ وزيارة القدس، لكنّنا نخشى أن تستغلّ مثل هذه الزيارات بهدف التطبيع ومنح الشرعية للاحتلال، فيبسط سيطرته أكثر بالتنسيق والحماية. المطالبة بالحجّ كلام يراد به باطل، يراد به التطبيع مع الاحتلال، وكلمة السلام جميلة، لكن مشكلتنا أن هناك أطرافاً يحدثوننا عن السلام وليس عن العدالة. نحن كفلسطينيين لن نستسلم للذين يريدون فرض الاستسلام علينا».
أمّا «لماذا الآن؟»، لأن إسرائيل تلهث خلف التطبيع مع لبنان تحديداً. والدليل، حفلة الاستعلام الأمني/ الإعلامي الإسرائيلية و«جسّ النبض»، لرصد ردّ فعل الشارع اللبناني على منع الدولة عرض فيلم «ووندر وومن».

جريدة الاخبار -
العدد ٣١٩٨ الاثنين ١٢ حزيران ٢٠١٧

لبنان على مدار فوضى المناخ: حرارة أكثر ومياه أقل

إرسال إلى صديق طباعة

ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية فوق مستواها قبل الثورة الصناعية بات حتمياً! يجزم تقرير جديد صادر عن البنك الدولي بذلك «حتّىتقوم المناطق الجبلية في لبنان بدور مهم في إمدادات المياه عبر الثلوج التي تتراجع بنحو ملحوظ سنوياً (هيثم الموسوي)  ولو اتخذت تدابير شديدة الطموح للتخفيف من هذه الآثار»، ويحذّر من أن النتائج ستكون «كارثية» على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمنها لبنان، إذ إن بيروت والرياض ستسجلان أعلى مستوى زيادة في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وسيزداد عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي. وهذا ما سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية

بسام القنطار

«إذا كنتم تعتقدون أن فصل الصيف حار بالفعل، ففكروا مرة أخرى. من المرجح أن يصبح الصيف أكثر حرارة». هكذا علقت خبيرة الاقتصاد البيئي لدى البنك الدولي ماريا صراف على مدونتها، إثر إعلان تقرير جديد للبنك يرسم صورة قاتمة جداً ومقلقة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الحرارة سترتفع أقل بقليل من درجتين مئويتين (فوق مستواها قبل الثورة الصناعية) في غضون السنوات المقبلة حتى عام 2050. وهذا سيخلق ضغوطاً إضافية هائلة على المحاصيل الزراعية وعلى الموارد المائية النادرة أصلاً، مع احتمال كبير لأن يؤدي ذلك إلى تزايد الهجرات ومخاطر نشوب الصراعات.

المقيمون في لبنان بدأوا يتلمسون مخاطر التغيّر المناخي وآثاره على حياتهم وصحّتهم ومواردهم: تقلبات الطقس غير اعتيادية، درجات حرارة مرتفعة في عزّ كانون، تساقط أقل للأمطار، وثلوج أقل، وبالتالي شحّ في المياه. بمعنى ما، صار فصل الشتاء أقصر وفصل الصيف أطول، تتخللهما ظواهر طبيعية متكررة لم تكن تقع إلا في أوقات متباعدة. يبدو أن الاستثناء في طقس لبنان المعتدل بدأ يتحوّل إلى نمط دائم، وهو ما يحذّر منه البنك الدولي بإشارته إلى أن بيروت ستشهد ١٢٦ يوماً حاراً سنوياً لتحلّ بعد الرياض مباشرة على قائمة الدول العربية التي ستشهد ازدياداً في عدد أيام السنة الحارة.

المخاطر الإقليمية

بحسب التحذيرات التي أطلقها البنك الدولي في تقريره الدوري الأخير تحت عنوان «اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد». لا تنحصر المخاطر المناخية في الأثر المباشر بلبنان، بل تتعداها إلى المخاطر الإقليمية الهائلة وتداعياتها على جميع بلدان الإقليم، فالزيادة الكبيرة في موجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «ستخلق ضغوطاً حادة على الموارد المائية وتنجم عنها عواقب ضخمة على الأمن الغذائي للمنطقة». وفي بلدان مثل الأردن ومصر وليبيا، قد تنخفض غلة المحاصيل نحو 30 في المئة مع ارتفاع الحرارة ما بين 1.5 درجة ودرجتين بحلول عام 2050، وبنسبة 60 في المئة مع ارتفاع الحرارة 4 درجات في نهاية هذا القرن.
يشير التقرير إلى أن عدد الكوارث الطبيعية زاد في مختلف أنحاء العالم الضعف تقريباً منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه زاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثلاثة أضعاف تقريباً. وخلال السنوات الأخيرة، كانت الفيضانات ونوبات الجفاف مدمرة للمنطقة، ما سبب نقصاً شديداً في المياه، وخسائر اقتصادية، وآثاراً اجتماعية سلبية، فضلاً عن العديد من الوفيات. كذلك كانت الزلازل ثاني أكثر الكوارث وقوعاً في المنطقة، وقد أثرت بحياة الناس ومصادر الرزق. وعلى الرغم من تراجع مخاطر الوفاة الناجمة عن الفيضانات عالمياً منذ عام 2000، إلا أنها ما زالت في تزايد مطّرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ زاد عدد السيول والمتضررين بها أو من يقتلون بسببها بمعدل الضعف خلال السنوات العشر الماضية.

"ستشهد بيروت 126 يوماً حاراً في السنة ضغوط هائلة على محاصيل الزراعة وموارد المياه"

في كتابه الشهير «مدار الفوضى - تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف»، رأى الخبير الأميركي كريستيان بارينتي «أن التأثيرات الاجتماعية لتغير المناخ موجودة مسبقاً، وتعبّر عن نفسها من خلال أزمات موجودة من الفقر والعنف، اللذين نجما عن عسكرة الحرب الباردة واقتصاد الليبرالية الجديدة»، شارحاً أن «التكيّف في عالم الجنوب يكون على شكل مطامح عرقية وتعصب ديني وتمرد وقطع طرق وتجارة مخدرات وحروب صغيرة على الموارد، كالمناوشات اليائسة على الماء والقطيع... أمّا في عالم الشمال، فتظهر أزمة متعددة الطبقات على شكل قارب نجاة مسلح: استعدادات لمكافحة عمليات تمرد مفتوحة، وحدود مسلحة، ومراقبة عدائية ضد المهاجرين، وانتشار رئيس لكره الأجانب اليميني».
يتفق تقرير البنك الدولي مع ما ذهب اليه بارينتي، ولكن لأسباب أيديولوجية لا يقول الحقائق كما هي، ولا يربط النتائج المحتملة بالنمط الاقتصادي الرأسمالي.

تراجع المحاصيل الزراعية

يحلل التقرير الآثار المحتملة للوضع الحالي، (ارتفاع محقق حتى الآن بمعدل 0.8 درجة مئوية وارتفاع متوقع للحرارة بمعدل درجتين مئويتين حتى عام 2050 و4 درجات مئوية حتى نهاية القرن)، على الإنتاج الزراعي والموارد المائية والخدمات الإيكولوجية وأوجه ضعف السواحل في أنحاء منطقتي أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من منطقة أوروبا وآسيا الوسطى. وهو يبني على تقرير البنك الدولي 2012 الذي خلص إلى أنّ حرارة العالم سترتفع 4 درجات مئوية عن مستواها قبل الثورة الصناعية بنهاية هذا القرن إن لم نتخذ تدابير منسقة على الفور.
يكشف التقرير الذي أعده معهد بوتسدام لبحوث آثار المناخ والتحليلات المناخية، كيف أن ارتفاع درجات حرارة العالم سيعرض صحة أشد فئات السكان ضعفاً وموارد رزقهم لمخاطر متزايدة ويزيد بدرجة كبيرة من المشكلات التي تكافح كل منطقة للتغلب عليها اليوم. والتهديد المشترك في المناطق الثلاث هو المخاطر التي تمثلها موجات الحرارة. إذ تظهر النماذج المناخية الحديثة أن موجات الحرارة المتطرفة «غير العادية للغاية»، كما حدث في الولايات المتحدة عام 2012 وفي روسيا عام 2010، تزداد بسرعة عند ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية. ويكشف أيضاً أن مخاطر تراجع غلة المحاصيل وفقدان الإنتاج في المناطق محل الدراسة تزيد سريعاً مع ارتفاع الحرارة 1.5 درجة ودرجتين مئويتين. ويشير التقرير إلى أن التراجع في الإنتاج الزراعي سيكون له آثار أيضاً خارج مناطق الإنتاج الرئيسية، حيث ستكون هناك تبعات قوية على الأمن الغذائي، وربما أثر سلباً في النمو الاقتصادي والتنمية، والاستقرار الاجتماعي والرفاه.

شحّ المياه

تُعَدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر منطقة في العالم شحاً في موارد المياه. ويبلغ نصيب الفرد من المتاح من الموارد المائية المتجددة بوجه عام أقل من ألف متر مكعب في السنة (باستثناء عدد قليل من البلدان)، ويقل هذا المعدل إلى 16 متراً مكعباً للفرد في الإمارات العربية المتحدة. ومقارنةً بالمكسيك، نجد أن نصيب الفرد يبلغ 3500 متر مكعب في السنة، و4500 في بلدان منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و9000 متر مكعب في الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المتوقع مع الوقت تراجع معدلات سقوط الأمطار في منطقتي المشرق والمغرب العربي. وسيؤدي هذا التراجع وما يصاحبه من زيادة في معدلات التبخر إلى المزيد من الجفاف. ومن الموقف الحالي حيث نجد معاناة شديدة بسبب ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة، فإن كلاً من سيناريو الدرجتين المئويتين وسيناريو الأربع درجات مئوية سيضع المزيد من الضغوط على موارد المياه والزراعة. وسيؤدي تراجع معدلات سقوط الأمطار وزيادة درجات الحرارة إلى تقليل فترة نمو بعض المحاصيل.
تقوم المناطق الجبلية في المغرب والجزائر ولبنان وسوريا والعراق وإيران وتركيا بدور مهم في إمدادات المياه في المنطقة، نظراً إلى أنها تختزن جزءاً من مياه الأمطار في صورة ثلوج. ومع التراجع المتنبأ به في كمية سقوط الثلوج ومخزون المياه في صورة ثلوج، سيتراجع أيضاً المتاح من المياه.
ويحذر التقرير من أن موجات الحرارة المتطرفة ستنتشر في مساحات أكبر من الأراضي ولفترات زمنية أطول، ما يجعل بعض الأجزاء غير صالحة للسكن ويحدّ من قدرة أجزاء أخرى على الزراعة. وستشعر المدن بأثر ارتفاع مستوى سطح البحر. ومع ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية (قد يحدث هذا في ثمانينيات هذا القرن إن لم تتخذ تدابير لكبح وتيرة تغير المناخ)، ستواجه معظم عواصم المنطقة أربعة أشهر من الحرارة المفرطة كل عام.
يحذر التقرير أيضاً من أنه إذا استمر الاحترار الحالي دون أي تدابير لوقفه، قد يثير هذا تغييرات لا تُمحى على نطاق واسع. وفي شمال روسيا، سيهدد الموت التدريجي للغابات وذوبان المنطقة الدائمة التجمد بزيادة الاحترار العالمي مع إطلاق الكربون والميثان المختزنين إلى الغلاف الجوي، ما يخلق دائرة مغلقة من الارتفاع الذاتي للحرارة. وقد تزيد انبعاثات الميثان ما بين 20 و30 في المئة في أنحاء روسيا عند ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين بحلول عام 2050.
يقول التقرير إن الأنهار الجليدية تتراجع في جبال الأنديز بأميركا الجنوبية وفي جبال آسيا الوسطى. ومع تزايد حرارة العالم، سيؤدي ذوبان الأنهار إلى تدفق مزيد من المياه إلى المزارع والمدن في وقت يسبق موسم الزراعة ويزيد من مخاطر الفيضانات المدمرة. لكن في غضون عقود قليلة ستتحول مخاطر الفيضانات إلى مخاطر جفاف. فمع غياب أي تدابير لوقف ظاهرة تغير المناخ، سيختفي بنهاية القرن معظم الأنهار الجليدية في الأنديز وثلثاها في آسيا الوسطى. ويحذر التقرير من أن المحيطات (التي امتصت حتى الآن نحو 30 في المئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناشئة عن أنشطة بشرية) ستشهد زيادة في معدلات الحموضة ودرجات الحرارة، ما يؤدي إلى تدمير الأنظمة الإيكولوجية للشعاب المرجانية حيث تزدهر الحياة البحرية ويدفع أسراب الأسماك إلى الهجرة إلى مياه أكثر برودة. وقد تكون نتائج ذلك في البحر الكاريبي فقدان ما يصل إلى 50 في المئة من إجمالي ما يُصطاد من الأسماك.

الحدّ من استخدام الوقود الأحفوري

للحدّ من تغير المناخ، يوصي التقرير بوضع سعر مرتفع على الكربون، والحدّ من الدعم الحكومي للوقود الأحفوري الذي يسبب أضراراً، وزيادة الاستثمارات لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وفي الطاقة المتجددة، وتشجيع الزراعة الذكية التي تراعي الظروف المناخية، وبناء مدن قليلة الانبعاثات الكربونية وقادرة على مجابهة تغير المناخ. ويبرز التقرير تجارب للتكيف ناجحة في المنطقة مثل قيام اليمن بزيادة محاصيله الزراعية من خلال تطوير أنواع البذور المحلية المستخدمة، واستثمار المغرب الضخم في الطاقة الشمسية الذي جعل منه مثالاً يحتذى به على صعيد المنطقة والعالم بتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري والحدّ من الانبعاثات الكربونية الضارة.

مسؤولية الدول الغنية

الجدير بالإشارة أن هذا التقرير جاء متزامناً مع الدورة العشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وهو المحطة ما قبل الأخيرة من المفاوضات الدولية التي من المقرر أن تفضي إلى توقيع اتفاقية دولية جديدة لتغير المناخ في باريس أواخر عام ٢٠١٥. وكان المؤتمر الأول لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قد عُقد في برلين في عام 1995. وفي المؤتمر الثالث، في كيوتو، اليابان، في كانون الأول 1997، التزمت الدول الموقّعة خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وخمسة غازات أخرى مسبّبة للانحباس الحراري الذي يرفع درجة حرارة الأرض. وانتهت مدة هذا الالتزام في 31 كانون الأول 2012 وجُدِّدَت إلى عام ٢٠٢٠، رغم انسحاب العديد من الدول منها، علماً بأن الدولتين الأكثر تلويثاً، أي الولايات المتحدة والصين، لم يوقّعاها منذ البداية. وتركز التقارير العلمية على ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015 تقريباً، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050، علماً بأن مستوى تركيز الغازات الدفينة الحالي يبلغ أكثر من 400 جزء في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو يرتفع نقطتين كل عام. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوات التي تطرح داخل أروقة الأمم المتحدة في الوصول إليه.

مجتمع واقتصاد
العدد ٢٤٦٥ الثلاثاء ٩ كانون الأول ٢٠١٤

حلب: الفصائل المسلّحة تتحضر لهجوم «النفس الأخير»

إرسال إلى صديق طباعة

عبد الله سليمان علي

«فراغُ الجعبة» ليس الهاجس الوحيد الذي يُؤرق قادةَ الفصائل المسلّحة في مدينة حلب ومحيطها القريب. فأمامَهم أيضاً «تضاربُ الأجندات والأولويات»، الذي تجلّى مؤخراً بضغوط تركية متصاعدة لزيادة عديد المسلحين المشاركين في عملية «درع الفرات»، واعتبار المعركة في الريف الشمالي ذات أولوية قصوى لا تتقدمُها أولويةٌ أخرى. وقد تزايدت هذه الضغوط بعد فشل محاولات تجنيد النازحين في مخيمات اللجوء رغم إغرائهم برواتب وتعويضات مالية مُجزية، وهو ما يعني أن المطلوب من الفصائل رفع مُستوى مشاركتها في المعركة ضد «داعش»، على حساب المعركة في حلب التي يبدو أن تركيا تضعُها حالياً في مرتبة متأخرة عن سابقتها.
وهناك أيضاً «عامل الوقت» الذي يدرك قادةُ الفصائل أنه لا يسير لمصلحتهم، خصوصاً في ظلّ الاحتدام الدولي الحاصل على خلفية ما يجري في حلب، وإمكان أن ينعكس هذا الاحتدام سلباً عليهم، لا سيما لجهة تحرّر موسكو من أي التزامات تجاه واشنطن بخصوص ضبط المعركة أو وضع خطوط حمراء من شأنها أن تكبح تقدم الجيش في الأحياء الشرقية من المدينة.
كما أن تصاعد الخلافات بين الفصائل، ووصولها في بعض الأحيان إلى درجة التهديد بالإبادة ضد بعضها بعضاً، بات يشكل عبئاً إضافياً يُثقل كاهلها، ويُقللّ من قدرتها على التقاط الأنفاس، خاصةً أن الجيش السوري، مدعوماً بالطيران الروسي، أخذ يُكثّف في الأيام الأخيرة من ضغوطه العسكرية على هذه الفصائل، عبر شنّ موجات متتالية من الهجمات من دون أن يترك أي فاصل زمني بين موجة وأخرى. وخيرُ مثالٍ على ذلك، الهجمات التي يشهدها حي الشيخ سعيد، الذي يُعتبرُ بوابةَ الأحياء الشرقية، وكان آخر هذه الهجمات، فجر أمس، حيث تمكن الجيش من التقدم إلى بعض النقاط قبل أن ينسحب منها، وسط معلومات تؤكد أن إحدى غايات الجيش في هذه المرحلة من وراء الهجمات المتتالية، هي التأثير على مخزون السلاح لدى الفصائل، من خلال إجبارهم على خوض معارك دفاعية مستمرة.
هذا الواقعُ المُزري وضعَ الفصائل المُسّلحة أمام خيارات محدودة أحلاها مرّ. فإما الاستمرار في وضعية الدفاع ومحاولة التصدي لهجمات الجيش السوري التي لم تتوقف لحظة منذ أيام عدة، لكن مشكلة هذا الخيار أنه يجعل من «فراغ الجعبة» شبحاً ماثلاً أمام أعين قادة الفصائل طوال الوقت، لأن ما يجري استهلاكه من ذخيرة في صدّ الهجمات المتتالية للجيش غير قابل للتعويض بسبب الحصار وانقطاع خطوط الإمداد. أما الخيار الثاني، فهو المبادرة إلى الهجوم، من باب أن فتحَ مستودعات الذخيرة والسلاح لشنّ محاولة أخيرة تهدف إلى فكّ الحصار عن معاقلهم في الأحياء الشرقية يبقى أفضل من استهلاك مخزوناتهم في حرب دفاعية ليس لها أي أفق استراتيجي.
ويبدو أن «جبهة النصرة»، المتحمسة لخيار الهجوم، نجحت في إقناع باقي الفصائل بجدوى هذا الخيار وحظوظه من النجاح، وذلك بعد عدد من الاجتماعات التي عُقدت في الآونة الأخيرة بين قيادات الفصائل لبحث معركة أحياء حلب الشرقية وكيفية التعاطي معها. وما شجّع الفصائل على تبنّي هذا الخيار، برغم أنه سيكون بحكم المغامرة في ظل الحصار المطبق المفروض عليها، هو الحاجة إلى شدّ عصب «جيش الفتح» وحلفائه من الفصائل الأخرى بعد سلسلة الهزائم التي تعرضوا لها، سواء في حلب أو حماه، والتي تزامنت مع اندلاع «الفتنة» بين «أحرار الشام» و «جند الأقصى» التي كادت تطيح وحدة هذا «الجيش» وتمزقه إرباً، لولا مساعي اللحظات الأخيرة التي انتهت بفرض حلٍّ لم يحظ بالحماسة المأمولة.
وفي الاجتماع الأخير الذي عُقد في اليومين الماضيين، اتفقت الفصائل، وعلى رأسها «جيش الفتح» و «فاستقم كما أمرت» و «جيش المجاهدين» و «الجبهة الشامية»، على تبني خيار الهجوم المعاكس. وفي خطوةٍ تشير إلى جدية هذا التبني بحسب مصادر إعلامية مقربة من بعض هذه الفصائل، فقد تمّ الاتفاق على اسم القائد العام لمدينة حلب الذي يُرجح أنه ينتمي إلى «أحرار الشام» واسم القائد العسكري للهجوم وهو من «جبهة النصرة» ويرجح بعض النشطاء الإعلاميين أن يكون أبو حسين الأردني الذي ذكرت معلومات سابقة أنه تولى قيادة «جيش الفتح» مكان أبي عمر سراقب.
وقد يكون الهجوم الذي أطلقته بعض الفصائل في ريف اللاذقية، أمس الأول، تحت مسمى «معركة عاشوراء»، أحد المؤشرات على أن ساعة الصفر بالنسبة للهجوم المعاكس في حلب باتت قريبة. لأن الهدف من إطلاق هذه المعركة التي لم تحرز أي تقدم على الأرض، قد لا يكون سوى محاولة لصرف انتباه الجيش السوري والضغط عليه للتخفيف عن جبهة حلب، وهي الخطوة ذاتها التي اتخذتها الفصائل قبل هجومها الأخير على ريف حلب الجنوبي ومنطقة الكليات، حيث تعمدت استباقه بهجوم في ريف اللاذقية.
وفي هذا السياق، كشف أبو عمر الحلبي، وهو قائد عسكري في «أحرار الشام» لوكالة «قاسيون»، أمس، أن الفصائل ستبدأ معركة كسر الحصار عن مدينة حلب و «أن العمل العسكري المقبل سيشمل الفصائل العسكرية كافة، على أن يكون بمجلس عسكري واحد، وبقيادة قائد عسكري واحد للفصائل كافة، بما فيها جبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية»، مشيراً إلى أن الهدف لن يقتصر على كسر الحصار، بل «ستكون حلب بأكملها في قبضة المعارضة السورية».
ودعا الحلبي «المدنيين في حلب الشرقية إلى التحلي بالصبر، لأن الاقتحاميين والانغماسيين سيدخلون إليهم قريباً»، وهو ما يذكّر بتصريحات سابقة أطلقها السعودي عبد الله المحيسني إبان معركة الراموسة والتي تحدث خلالها عن «تحرير كامل حلب» بواسطة «ألف انغماسي»، إلا أن النتيجة كانت كارثية بالنسبة له، سواء لجهة أعداد القتلى الذين سقطوا في منطقة الكليات أو لجهة الخسارة الميدانية المهينة التي لحقت بقواته، وتمكن الجيش من إعادة الطوق على الأحياء الشرقية ومن ثم التقدم شمالاً وجنوباً.
وكان ملهم عكيدي، القائد العسكري في «فاستقم كما أمرت»، قد تحدث قبل أيام عن نية الفصائل شنّ هجوم معاكس، لكنه كان أكثر تواضعاً في تقديراته، حيث وضع احتمال الهزيمة في الحسبان، مشيراً إلى أن أكبر التحديات التي تواجه الفصائل هي الحصار وقطع خطوط الإمداد بالسلاح، وكذلك الافتقار إلى أعداد كافية من المقاتلين لتغطية كل المحاور، وهو ما دفعه إلى طرح اقتراح بتوزيع السلاح على الراغبين بالقتال من دون الاشتراط عليهم الانضمام إلى فصيل معين.
وأياً تكن التحضيرات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في سبيل شن هجومها المعاكس، فإن جميع المؤشرات تدلُّ على أنه سيكون «هجوم النفس الأخير» بالنسبة لها لأنها ستكون مضطرة إلى استهلاك القسم الأكبر من مستودعات أسلحتها ومخازن ذخائرها وقذائفها من أجل فتح ثغرة نحو الأحياء الشرقية لا أحد يعلم إذا كانت ستتمكن في حال فتحها من الحفاظ عليها، كما حدث مع ثغرة الراموسة من قبل. كما سيؤثر ذلك على قدراتها الدفاعية بوجه هجمات الجيش السوري التي ستلي هجومها سواء نجح أو فشل. وهذا ما دفع العديد من النشطاء إلى القول إن الهجوم المعاكس سيكون له «طابع انتحاري».

 13-10-2016

الأزمة الخليجية: ترامب يستثمر... والرياض تعرض شروطها

إرسال إلى صديق طباعة


غابت أمس فرصة الوساطة التي قادت أمير الكويت إلى مدينة جدة (أ ف ب)

لا يزال التسخين سيّد الموقف في منطقة الخليج، منذ بلوغ خلافات المشيخات ذروتها بإعلان الرياض وأبو ظبي مقاطعة شاملة للدوحة. وفي ظل انعدام فرص الوساطة الكويتية، ورفض السعودية مبادرة فرنسية لحل الخلاف، وعلى توقيت توسّع رقعة الاستقطاب الإقليمي والدولي للأزمة، اقتحم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس غمار المعركة عبر تصريحات نارية تصدرت المشهد وأسهمت في خلط الأوراق

تطورات متسارعة ومتلاحقة شهدتها الساعات الأخيرة، تؤشر جميعها إلى استفحال الأزمة الخليجية وغياب فرص الوساطة التي قادت أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس، إلى مدينة جدة السعودية بحثاً عن تسوية. وساطة تراجع الاهتمام الإعلامي بها، بعد أن تصدرت المشهد قنبلة التصريحات التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي بدت تغريداً خارج سرب تصريحات المؤسسات الرسمية في واشنطن في الأيام الماضية.

وفي غمرة ارتدادات أزمة مقاطعة قطر، عاد أمير الكويت أدراجه من لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، من دون أن تخرج عن الجانبين أي تصريحات بنجاح المبادرة الكويتية في اختراق جدار الأزمة، في حين تواصل الاستقطاب الإقليمي والدولي في النزاع الخليجي، وانضم الأردن أمس إلى مصر والبحرين في الحملة السعودية الإماراتية لمقاطعة الدوحة، عبر قرار تخفيض التمثيل الدبلوماسي وإلغاء التصريح لقناة «الجزيرة»، فيما لا يزال كلّ من السودان والمغرب ملتزمين الصمت حيال ما يجري.
وقال ترامب أمس: «في خلال رحلتي إلى الشرق الأوسط أشرت إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك تمويل للأيديولوجيا الراديكالية. وأشار قادة (في الرياض) إلى قطر ــ تأملوا!». وأضاف: «من الجيد أن نرى اللقاء في المملكة العربية السعودية مع الملك (سلمان) و50 بلداً يسدّدون بالفعل. وقد قالوا إنهم سينحون منحى حازماً بشأن تمويل التطرف، وكل المؤشرات تشير إلى قطر. ولعل هذا سيشكل بداية نهاية لرعب الإرهاب».
ثلاث تغريدات لترامب على حسابه في «تويتر» كانت كفيلة بخلط الأوراق، وفتح باب التكهنات على مآلات الأزمة والموقف الأميركي منها. بهذه البساطة ضرب ترامب عرض الجدار بالمواقف الأميركية الصادرة عن الخارجية والبنتاغون بشأن الأزمة بين كل من السعودية والإمارات من جانب، وقطر في الجانب المقابل، والتي اتسمت بالحياد والوقوف على مسافة واحدة من الأطراف، مع الدعوة إلى حل الأزمة بالحوار.
ومع أن التغريدات الترامبية بدت ملتبسة ولم تتبنّ الموقف السعودي الإماراتي بشكل كلي، إلا أنها كشفت عن تنسيق مسبق بوجه قطر جرى في كواليس قمم الرياض، ما يؤكد وجود نية مبيّتة لدى كل من أبو ظبي والرياض تجاه الدوحة بعيداً من سردية التصريحات «المزعومة» لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني. هذا من جهة، ومن جهة ثانية تشي التصريحات بعزم ترامب على دخول خط الأزمة للاستثمار فيها، عبر إشعار القطريين بعدم الأمان وإمكانية رفع الغطاء عنهم، وممارسة الابتزاز على النظام القطري، وصولاً إلى ترتيب صفقة ملائمة مع الدوحة، وهو ما اتهمت به ألمانيا ترامب صراحة، على لسان وزير خارجيتها سيغمار غابرييل الذي رأى في حديث صحافي، أمس، أن ترامب يؤجج النزاعات في الشرق الأوسط عبر المجازفة بسباق جديد على التسلح بعد مقاطعة قطر.
وفي الوقت نفسه، أطلق متحدث باسم البيت الأبيض تصريحاً ملتبساً، قال فيه إن الولايات المتحدة «ما زالت تريد نزع فتيل هذه المشكلة وتسويتها على الفور... وفقاً للمبادئ التي عرضها الرئيس (دونالد ترامب) في ما يتعلق بالقضاء على تمويل الإرهاب والتطرف». وأشار إلى أن واشنطن تتواصل مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط «لحل المشكلات واستئناف التعاون».
المواقف الملتبسة شملت كذلك وزارة الخارجية التي قالت إن «قطر حققت تقدماً كبيراً في مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية، ولا يزال يتعين عمل المزيد». إلا أن وزارة الدفاع (البنتاغون) جددت الثناء على قطر، لاستضافتها قوات أميركية و«التزامها الدائم بالأمن الإقليمي». ورفض المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيز، الرد على سؤال عمّا إذا كانت قطر تدعم الإرهاب، قائلاً: «لست الشخص المناسب الذي يسأل عن ذلك. أعتبرهم مضيفين لقاعدتنا المهمة للغاية في العديد».
من جهتها، أبلغت وزيرة القوات الجوية الأميركية، هيذر ويلسون، لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي أنها «ليست قلقة» بشأن القاعدة الجوية الأميركية، رغم قرار السعودية قطع العلاقات مع الدوحة، مؤكدة أنه «لا يوجد تهديد بنقل القاعدة»، وأن العمليات الأميركية مستمرة من دون انقطاع، مع إشارتها إلى وجود «خطط بديلة» في حال حدوث تطورات. بدوره، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، لوكالة «رويترز»، إنّ الوزير جيم ماتيس تحدث هاتفياً مع نظيره القطري مساء أمس، لكنه لم يكشف عن تفاصيل المحادثة.
أما سعودياً، فقد ترك وزير الخارجية، عادل الجبير، الباب مفتوحاً أمام العودة عن قرار مقاطعة قطر، واضعاً شروطاً محددة بوجه الدوحة، ونافياً وجود نيّات لدى حكومته بشأن تغيير النظام القطري. وطالب الجبير، في حديث إلى الصحافيين أمس في العاصمة الفرنسية باريس، بإنهاء قطر دعمها لحركة حماس، وجماعة «الإخوان المسلمين»، من أجل إعادة العلاقات. وأضاف: «قررنا اتخاذ خطوات لتوضيح أن الكيل فاض. لا أحد يريد الإضرار بقطر، لكن عليها أن تختار إن كانت ستمضي قدماً في مسار أو مسار آخر». ورفض الجبير وساطة فرنسية بشأن حل الأزمة، معتبراً أنها شأن داخلي.
وكانت فرنسا قد دخلت على خط الأزمة الخليجية، وكشف مسؤول في مكتب الرئيس الجديد، أمس، أن إيمانويل ماكرون أجرى اتصالين بكل من أمير قطر تميم بن حمد، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وقال المصدر إن ماكرون أعلن تأييده للمبادرات التي تدعو إلى تهدئة التوتر، وأعرب لأمير قطر عن انفتاح باريس على الحوار مع كل الأطراف المعنية، مشدداً على أهمية الحفاظ على الاستقرار في الخليج.

 

في المقابل، بعث وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، برسائل تهدئة، من خلال إعلانه استعداد الدوحة لإجراء حوار لحل الأزمة، قائلاً إن بلاده «ليست قوة عظمى ولا تؤمن بحل الأمور بالمواجهة». وقال في حديث إلى شبكة «سي أن أن» الأميركية، إن قطر على استعداد للجلوس والحوار، وهي تؤمن بالدبلوماسية وتريد النهوض بالسلام في الشرق الأوسط، كما أنها تحارب الإرهاب.
في غضون ذلك، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً بأمير قطر، جدّد فيه موقف موسكو من الأزمة، والذي «لا يزال يتمثل في ضرورة حل الأزمات بالوسائل السياسية والدبلوماسية... ومن خلال الحوار»، وفق الكرملن. وقال الكرملن إن الجانبين بحثا في الاتصال «سبل التعاون بين روسيا وقطر، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار».
ورفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارات مقاطعة الدوحة وما تشمله من استخدام للعقوبات، معتبراً أن «عزل قطر لن يحل أي مشكلة»، وقال: «نقوم وسنقوم بكل شيء في استطاعتنا لحل هذه الأزمة».
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية عن وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، قوله إنه «بعد دراسة أسباب الأزمة التي تشهدها العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وبين دولة قطر، قررت الحكومة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة». وانضمت موريتانيا، أمس، إلى الحملة على قطر، معلنة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة الخليجية.
كذلك كان لافتاً أمس دخول مؤسسة الأزهر في مصر على خط الأزمة، عبر الإشادة بخطوة مقاطعة قطر، وفق ما جاء في بيان تضمن التأييد للموقف المشترك من «الأنظمة التي تقوم بدعم الإرهاب، وتؤوي كيانات العنف وجماعات التطرف، وتتدخل بشكل سافر في شؤون الدول المجاورة واستقرارها وأمن شعوبها».
(الأخبار)


البنوك الخليجية تعلّق التعامل بالريال القطري

نقلت «رويترز» عن مصادر مصرفية، أمس، أن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) طالبت البنوك بعدم التعامل مع البنوك القطرية بالريال القطري. كذلك نقلت عنها أن «المصرفين المركزيين في الإمارات والبحرين طلبا من البنوك الخاضعة لإشرافهما الإفصاح عن انكشافها على البنوك القطرية». ونتيجة لتلك الضغوط، هبط الريال القطري مقابل الدولار الأميركي إلى 3.6470 ريالات للدولار في السوق الفورية، في أدنى مستوى له منذ حزيران 2016. لكنّ مسؤولاً في مصرف قطر المركزي طمأن إلى أن «قطر لديها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي يمكن أن تستخدمها لدعم عملتها». وبفضل تلك الاحتياطيات المالية الضخمة، ومع استمرار صادرات الغاز الطبيعي المسال، يُرجّح أن تتفادى قطر الوقوع في أزمة اقتصادية شديدة، لكن ثمّة دلائل على أن انكماش المعاملات المالية القطرية قد يتجاوز منطقة الخليج. من جهة أخرى، ألغت السعودية والبحرين رخصة الخطوط الجوية القطرية، وأمرتا بغلق مكاتبها خلال 48 ساعة. وتوقّع محللون أن يكبّد إلغاء الرحلات الخطوط القطرية ملايين الدولارات من الإيرادات المفقودة، معتبرين أن «إلغاء الترخيص يشير إلى أن الخلاف سيكون طويلاً وممتداً».

عربيات
العدد ٣١٩٤ الاربعاء ٧ حزيران ٢٠١٧

JPAGE_CURRENT_OF_TOTAL