You are here: الصفحة الرئيسة

Harakat Al-Shaab - حركة الشعب -لبنان

نجاح واكيم في افتتاح الملتقى العربي : سوريا صمدت، فلسطين البوصلة والمقاومة باقية

إرسال إلى صديق طباعة

في دمشق، قلب العروبة النابض، وتحت علم الجمهورية العربية المتحدة ينعقد هذا الملتقى لقوى وفاعليات وطنية، اجتمعت على مواجهة الحلف الأميركي – الصهيوني – الرجعي، والتصدي لمشاريعه المعادية للأمة العربية كلها، الهادفة إلى تدميرها ونزع هويتها وكسر أرادتها وإخضاعها لمشيئة هذا الحلف ومصالحه.
في صلب هذه المشاريع تقع المؤمرات التي حيكت على سوريا، الواحدة تلو الأخرى، حتى بلغت الذروة بالعدوان الهمجي المتعدد الجنسيات، والذي استخدمت فيه كل الأسلحة وكل الأدوات. هل كنا بحاجة إلى اعترافات العملاء الصغار لكي نعرف حقيقة هذا العدوان وأهدافه، والجهات التي أعدته وأدارته، والأدوات التي تولت تنفيذه، من ملوك وأمراء ومشايخ أشباه رجال، إلى عصابات ووحوش عصابات أشباه بشر؟
لسنا بحاجة إلى اعترافاتهم، لكننا دائماً بحاجة لقراءة التاريخ وفهم التاريخ. إن الحقبة التي نعيشها اليوم تشبه كثيراً تلك التي شهدتها أمتنا في خمسينات القرن الماضي. لقد جاء الغرب الاستعماري آنذاك يحمل إلينا مشروعات الأحلاف المعروفة، حلف بغداد والحلف الإسلامي ومشروع أيزنهاور، ويحوك أخبث المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية ودمج الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة. ثم توج ذلك كله بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. 
كان مصير الأمة كلها إبان ذلك العدوان معلقاً على صمود شعب وشجاعة رجل.
اليوم، وعلى مدى سنوات العدوان على سوريا، كان مصير الأمة العربية كلها معلقاً على صمود شعب وشجاعة رجل.
لقد كان شعبنا العربي في سوريا رائعاً في صموده، سخياً في تضحياته، عنيداً في عزته الوطنية وكبريائه. وكنت، يا سيادة الرئيس، الرجل الذي تحلى بكل الشجاعة، شجاعة القلب، وشجاعة العقل، وشجاعة الضمير.
صمدت مصر. انتصرت على جحافل العدوان. سقط حلف بغداد، وتبدد مشروع أيزنهاور، وأجهض الحلف الإسلامي.
ورفع الرجل الكبير جمال عبد الناصر في سماء أمتنا كلها رايات الحرية والكرامة. رفع علم الوحدة الذي حفظته لنا سوريا... وحدها سوريا حفظته، فلم يسقط من يدها رغم العواصف والصعاب. وانطلقت الجماهير في حركة تحرر عربية رائعة قدمت لأمتها الكثير وحققت لأمتها الكثير.
واليوم، صمدت سوريا. انتصرت على حجافل العدوان. ولسوف يسقط حلف "الشرق الأوسط". لسوف تسقط العروش المهترئة النتنة التي يقوم عليها حلف "الشرق الأوسط".
ولسوف ترتفع من جديد رايات العزة والكرامة والتحرر القومي.
إن حركة تحرر عربية جديدة، نرى بوضوح بوادرها وبداياتها، تشرق مع فجر سوريا الجديد. من أجلها ينعقد هذا الملتقى. أمامها الكثير من التحديات، والكثير من العمل...
عليها أن تجهض مشروع الحلف الصهيوني الرجعي فلا تدعه يخرج من رحم الظلام.
عليها أن تستعيد فلسطين، قضية فلسطين من دهاليز المفاوضات وأوهام التسويات ومهاوي التنازلات لتضعها بالكامل في أيدي المقاومة....المقاومة التي تكافح في فلسطين، والمقاومة التي تكافح من أجل فلسطين.
فلسطين هي بوصلة حركة التحرر العربية الجديدة. والتوجه شرقاً، تماماً كما قلت أنت، وجهتها.
سيادة الرئيس.
من دمشق، القوية الأبية، يحق لنا اليوم أن نردد مع الشاعر:
"إني أرى في الغيب مولد شعبنا،
وأشم من هذا المكان زهور يافا،
أشهد الآفاق تطوى والحدود،
وأرى الجماهير التي ستدك عرش الظلم صارخة البنود،
أرى رجوعك يا بلادي للحياة."

يوم تعلمت من بسمة مسؤول أميركي!

إرسال إلى صديق طباعة

 يعترف أحد الأساقفة الأميركيين الكاثوليك بأن الوضع المسيحي صعب في المنطقة (هيثم الموسوي) جان عزيز

كنا في مطلع الألفية مجموعة من «الثوار». جئنا من مشارب حزبية مختلفة. كل منا يؤمن بنصف إلهه وبقائد مفدى خالد معصوم مظلوم. وكان ظلم تلك الأيام رابطتنا، ووطأة زمن الوصاية جامعاً لنا في سراديب التحقيق البوليسي وتحت جزمات الاعتقال. وكنا نبحث معاً عن كوة ضوء صوب الحرية. سنة 2000 سافرت إلى واشنطن لاكتشاف مزاج روما الجديدة حيال ولايتنا الامبراطورية المزروكة على شرق المتوسط، بين مقاطعتين أميركيتين: واحدة معلنة لا نعترف بها هي إسرائيل، وأخرى مكتومة لا تعترف بنا هي سوريا.

ذهبت محشو الرأس ببضعة كليشيهات أكاديمية من زمن دراستي السياسة وفلسفتها، عن جون لوك الذي استوحى منه جفرسون «إعلان الاستقلال»، وعن دي توكفيل وبحثه الرائع عن «الديمقراطية في أميركا». بين المطار والتاكسي والفندق، تكفيك المسافة لنزع كل الأوهام. المهم أنني اكتشفت يومها معادلة فاقعة في العاصمة الأميركية حيال دمشق. اكتشفت أن لا أصدقاء لسوريا في واشنطن. لكن كثيرين هناك يجدون فيها مصلحة أميركية ثابتة. واكتشفت في المقابل أن أصدقاء لبنان كثيرون حول نهر البوتوماك، لكنّ أياً منهم لا يرى في بيروت مصلحة أميركية.
مرت الأيام، وصرنا نبحث عن كيفية تحولنا مصلحة ما لواشنطن. علّمنا أحد «اللوييست» اللبنانيين المخضرمين، أن بداية أي مقاربة ناجحة لأهل «المثلث الفدرالي» تكمن في أن تجيب مسبقاً عن سؤال غير مطروح في أذهانهم: لماذا علينا أن نساعدكم؟ بعد تخطيك هذا الامتحان بنجاح، عليك البحث عن جواب ثان لهم: كيف يمكن أن نساعدكم؟ وصرنا نتخيل، ونجترح وننسج قراءات وتنظيرات عن جيوبوليتيك واقتصاد سوق ومجتمع مدني وقيم ديمقراطية وحريات دينية، وعن نموذج أميركي وحيد ــ قال ــ في منطقتنا. عبأنا كل تلك المقولات في رؤوسنا الصغيرة، وصرنا ننظم غزوات دورية لواشنطن، كما لممثليها في عوكر... من دون جدوى. فجأة انقلب الوضع رأساً على عقب.

فجأة صارت للبيت الأبيض «سياسة لبنانية»، وصرنا نأكل ونشرب في صحن ابن بوش، وننام في مخدعه، بينه وبين الزوجة غير المخدوعة على الأقل. لم نفهم ما حصل، ولا لماذا، لكن حبورنا وغبطتنا ونشوتنا بالانتصار كانت كافية لتخطي عبء السؤال والفهم والمعرفة. في تلك الفترة، أقنعنا أنفسنا، وحاولنا إقناع ناسنا، بأن القدر اختار أسامة بن لادن حليفاً موضوعياً لنا، وأن زلزال 11 أيلول أنقذنا. صارت أميركا في مواجهة مع «الإسلام الفاشي»، كما سمّاه المحافظون الجدد. فصارت سياستهم الخارجية مسألة داخلية للمرة الأولى في تاريخهم. صدر «باتريوت أكت» وأقيمت «وزارة الأمن». وتحولت مناهج «المدارس» التي تمولها العائلة السعودية شأناً يمس آخر مزارع أميركي في حقول آيوا. هكذا، توهمنا أن مصلحة أميركا تقاطعت معنا، وأن القرار الأول والأخير هناك بات في يد الكونغرس، تماماً كما قبل مئتي عام، كما يوم شيدوا عاصمتهم من النقطة صفر حول تلة الكابيتول، وفكروا حتى في عدم الحاجة ولا الضرورة لانتخاب رئيس! المهم أننا عشنا شهر عسلنا الأميركي. على مدى عامين ونيف، بين «قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان» وبين الرقم المميز 1559، صارت واشنطن مربط خيلنا. يستقبلك الجميع ببسمات عريضة، من أبرامز ووولفوفيتز، إلى ساترفيلد الذي كان «يكش» في وجهنا في بيروت. وصرنا نسمع كلاماً يرن في آذاننا، عن أقليات ومسيحيين، وعن «بيبل» جورج بوش وأيقونة «تيوتوكوس» البيزنطية في صورته العائلية، وعن إعادة طبع كتب برنارد لويس، وعن وعن... ولم نكن وحدنا في ذلك الحلم الصيفي. مجموعات لا تحصى، تمثل كل ضحايا بؤس المشرق، شاركتنا تلك الرؤية. أقباط وأشوريون وكلدان وسريان... كلهم صاروا مستنفرين في واشنطن. كلهم اعتقدوا أن الذين خلفوا الهنود الحمر الغربيين في أرضهم، لم يعودوا يرون فيهم هنوداً حمراً شرقيين.

ذات يوم انتهى الحلم. أفقنا على جرس إنذار أميركي يقرع في رؤوسنا ونظامنا. خرجت سوريا، الآن مطلوب إقامة نظام السنيّة السياسية. أنتم ملحقون به. الشيعة سيعطون بعض الوقت للانتهاء من العلويين. بعدها يسود «باكسا أميركانا» دائم، يؤمن نفطنا ويرضي أهل النفط. كانت الصدمة. وكانت عظيمة. بعدها صدرت الكتب في مقلبي الأطلسي. عن قمة النورماندي وعن أسرار شيراك وحقيقة بوش و»صليبييه»، فأدركنا كم أننا سذج.

كمن يستعيد أثناء سقوطه من شاهق فجوات حياته، صرت أستذكر لحظات ماضية لم أفهمها في حينه: لحظة أولى، يوم أخذني دبلوماسي أميركي نزيه صادق من كتفي في مخبأ ثوارنا السري، وهمس في أذني: «لا تصدق وعود زميلي الآتي من واشنطن الآن ولا تعهداته. هذا بيع كلام. أؤكد لك أن بوش لا يعرف أين يقع لبنان على الخارطة!». لحظة ثانية حين جلسنا في مكتب كبير في الخارجية الأميركية، وسألنا الرجل المهم الجالس خلفه: «إذا أخرجنا سوريا من وطنكم، ونقلنا اللاجئين الفلسطينيين منه، وألزمنا إسرائيل بعدم الاعتداء على سيادتكم، هل يؤدي ذلك إلى حل دائم لقضيتكم؟». وقبل أن يجيب أيّ منا، ارتسمت على وجه المسؤول بسمة ساخرة لا تزال تنكأ وعيي بعد عقد ونيف. لحظة ثالثة، حين وقفت دبلوماسية أميركية باحثة في إحدى جامعات بيروت، تصارحنا عن ثوابت سياسة بلادها؛ هي ثلاث: أمن الأراضي الأميركية. رفاه مواطنينا. والقيم الديمقراطية. قبل أن تضيف: لكنها تخضع لتراتبية ثابتة أيضاً: أمننا التزام أول. حين لا يكون في خطر، نسعى إلى رفاهنا. وحين يتأمن ذلك نعطي الباقي من وقتنا والجهد لإقامة الديمقراطية... الآن فهمت. أو بالأحرى، تعلمت.

 

سياسة

العدد ٢٤٤٦ الاثنين ١٧ تشرين الثاني ٢٠١٤

بوتين وأردوغان: كلام في العموم السوري!

إرسال إلى صديق طباعة

فيما هدأت جلبة الحركة الديبلوماسية حول سوريا بعد جلسة مجلس الامن الدولي الاخيرة، وعلى وقع الرؤية التركية الروسية المشتركة حول ضرورة سحب مسلحي «جبهة النصرة» من حلب، بدأت باريس مناورة دولية جديدة تهدف من خلالها للدفع نحو فتح تحقيق في جرائم حرب تتهم دمشق وموسكو بارتكابها.
وكثفت برلين من محاولاتها السياسية لإيجاد ثغرة تعيد من خلالها إحياء اتفاق وقف اطلاق النار، فاقترحت توحيد المشروعين الروسي والفرنسي، اللذين صوت مجلس الأمن عليهما مؤخراً لوقف القتال في حلب، وفشل في تبني أي منهما.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد من اسطنبول أنه اتفق مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان على بذل كل ما يمكن لدعم مبادرة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لسحب مسلحي «النصرة» من شرق حلب، موضحاً أن روسيا وتركيا متفقتان على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة السورية.
وشدد بوتين على أنه يجب الانتقال إلى التسوية السياسية في سوريا بأسرع ما يمكن، مضيفا أن كل من يرغب في إحلال السلام هناك يجب أن يدعمها.
وتابع أنه أبلغ أردوغان باقتراح روسيا على الاميركيين إبعاد جميع القوى عن طريق «الكاستيلو» في حلب إفساحاً في المجال امام وصول المساعدات الانسانية إلى المدينة، معرباً عن أمله أن يصبح الاقتراح موضوعا للمناقشة يوم السبت في سويسرا.
وأوضح أنه تم الاتفاق على تعزيز التنسيق العسكري والاستخباري مع الاتراك، قائلاً: «بخصوص التعاون في المجال العسكري التقني، مستعدون لمواصلة مثل هذا التعاون وتكثيفه بمشاريع جادة ذات اهتمام مشترك».
بدوره، أكد اردوغان أن «مرحلة تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا ستتواصل بسرعة»، لافتاً إلى أن «التطورات الراهنة في المنطقة مسألة في غاية الأهمية. تمكنّا من تناول القضايا المتعلقة بسوريا بالتفصيل، وتحدثنا (مع بوتين) حول عملية درع الفرات، وإمكانيات التعاون في هذا السياق، كما أجرينا تقييماً حول حلب، والاستراتيجيات الممكن وضعها والعمل بها من أجل جلب السلام والاستقرار لسكان المدينة».
وأضاف أنه ونظيره الروسي أعطيا تعليماتهما لوزيري خارجيتيهما من أجل عقد اجتماع المجلس الاستشاري رفيع المستوى بين البلدين، نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، لافتاً إلى أن الوزيرين «سيبحثان الاستراتيجية المناسبة للتعاون بين روسيا وتركيا بشأن سوريا».
من جهته، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم إن تباين وجهات النظر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا يزيد الوضع صعوبة في سوريا.
وأوضح في لقاء مع وكالة «سبوتنيك» أنه نظراً لغياب الإرادة الأميركية، بسبب انشغال واشنطن بالانتخابات الرئاسية، فتح الباب أمام تطورات سلبية بالمنطقة، لافتاً إلى أن دور تركيا حالياً يتمثل في «محاولة جمع الولايات المتحدة وروسيا، وإيران وحتى السعودية لحل الأزمة السورية».
فرنسا التي تلقت صفعة الـ «فيتو» الروسي في مجلس الأمن، أكدت سعيها لإيجاد سبيل يمَكِّن ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق في جرائم حرب، تدعي باريس أن القوات السورية والروسية ارتكبتها في شرق حلب.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت لإذاعة «فرانس انتير»: «هذا القصف يمثل جرائم حرب، هذا يشمل كل المتواطئين في ما يحدث في حلب بمن فيهم زعماء روسيا»، وتابع: «إذا ما قرر الرئيس (الفرنسي فرانسوا هولاند مقابلة بوتين) فلن يكون هذا لتبادل المجاملات».
وكان ايرولت أكد في اتصال هاتفي مع المنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب، على ضرورة انفصال «المعارضة» السورية المسلحة عن تنظيم «جبهة النصرة»، مضيفاً: «هذا الأمر هو ما تتحدث عنه روسيا دائما، ونستطيع أن نتفهمه».
بدوره، دعا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون المجلس مجدداً لأن يطلب رسميا من المحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيقاتها حول جرائم حرب في سوريا.
من جهتها، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على كلام ايرولت، فاعتبرت أنه «من الخطر للغاية اللعب بمثل هذه العبارات لأن جرائم الحرب تقع كذلك على كاهل المسؤولين الأميركيين».
إلى ذلك، اقترحت برلين توحيد المشروعين الروسي والفرنسي لوقف القتال في حلب، وذكرت مصادر في وزارة الخارجية الألمانية أن «الحديث يدور حول التوصل إلى إمكانية مزج المشروعين، وصياغة مشروع واحد من شأنه أن يلاقي دعما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليضع حدا لجهنم في سوريا».
ميدانياً، تواصلت الاشتباكات بين الجيش السوري ومسلحي «المعارضة» على محاور عدة في حلب، تركزت بشكل خاص على حي بستان الباشا وحي الشيخ سعيد وحيي الصاخور وكرم الجبل، فيما تمكن الجيش من السيطرة على دوار الجندول شمال المدينة، وترافقت المعارك مع قصف جوي عنيف على مناطق الاشتباك استمر طوال الليل.
(«السفير»، «روسيا اليوم»، «سبوتنيك»، الأناضول»، أف ب، رويترز)

 11-10-2016

مبروك التجديد لرياض سلامة

إرسال إلى صديق طباعة

«لماذا التجديد لحاكم مصرف لبنان، بعد انتظار وأكثر من اعتبار؟ (...) تأميناً لأفضل استقرار نقدي ومالي في البلاد... اتقاءً لعاصفة ممكنة من صوب ترامب...».
هذا ما أوردته قناة «أو تي في» أمس في مقدمة نشرة أخبارها الرئيسية، لتبرير القبول برياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان لولاية جديدة. التجديد للمؤتمَن على السياسة النقدية والمالية الأميركية في بيروت، فِعل مقاومة للجنون الأميركي!

يمكن القول: «مبروك للعهد». مبروك «صون الاستقرار». ولماذا العهد دون سواه؟ ببساطة، لأن الرئيس ميشال عون هو الوحيد الذي كان يجاهر برفض التجديد لسلامة. والمباركة ليست بقصد النكاية، ولا التشفي. هي أقرب ما يكون إلى التعزية.
لا ملل من التكرار: ثمة لبنانيون كثر، من خارج دائرة التيار الوطني الحر، كانوا (وكثر منهم لا يزالون) يرون في عهد الرئيس عون فرصة حقيقية للإصلاح. الإصلاح طبعاً على الطريقة اللبنانية. إصلاح «لايت»، لا يغيّر النظام المستعصي، بل يخفّف من وحشيته تجاه المواطنين. فالفساد بنيوي، ولا أمل بوقفه. كل المرتجى تهذيبه قليلاً، وتحويل جزء من المال العام إلى التنمية بدل كنزه في جيوب أصحاب المصارف الذين صار علينا الاهتمام أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على وتيرة تضخّم ثرواتهم. لماذا؟ لأنهم حراس الصنم المقدّس الذي يُقال لنا إنه لا مستقبل للبلاد من دونه. علينا التسليم بهذه «الحقيقة». ورياض سلامة هو كبير هؤلاء الحراس، وناظم عملهم، والحريص على تحويل المال العام (مال اللبنانيين الذي تجبيه الدولة على شكل ضرائب ورسوم وخوّات) إلى مال خاص، بالتكافل والتضامن مع باقي أعضاء النادي الحاكم.
ما جرى أمس في مجلس الوزراء يُظهر حدود قوة العهد، في وجه النظام الحاكم منذ عام 1992. نظام رفيق الحريري الذي لا منافس لرياض سلامة في الحفاظ عليه، والذي يمهّد الطريق للخراب الكبير الآتي. سيأتي حتماً، ما استمرّت «سياسة رياض سلامة وشركاه»، يومَ يعجز النظام عن تحويل المال العام إلى مال خاص، أو حين يقرّر حاكم واشنطن أن يعاقبنا جماعياً.
قرار التجديد لرياض سلامة، الذي لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة، يدفعنا إلى سؤال كبير: مِن رفض «الإصلاح» في قانون الانتخاب، إلى صفقة بواخر الكهرباء، مروراً بقرار وزير الاتصالات جمال الجراح (راجع صفحة 6)، وصولاً إلى التجديد لحاكم مصرف لبنان، ماذا سيبقى من اندفاعة العهد؟ بقيت حبّة واحدة من عنقود الاتفاق المزعوم بين جبران باسيل ونادر الحريري: مناقصة الـ«ميكانيك». هل تمرّ مع البواخر، بعد خفض قيمتها قليلاً؟ ربما. العجيب أن هذا الاتفاق المزعوم الذي ينفيه الرجلان وعارفوهما، يُطبّق (بقوة يد خفية؟) بلا استثناء أي بند من بنوده.
هذا ليس اتهاماً، ولا تصويباً على العهد. إنه توصيف للواقع، وإقرار بمحدودية الآمال والأحلام. ماذا بقي للتعويل عليه؟ لا شيء سوى الموقف السياسي للرئيس الصلب ميشال عون. صلابته، للأسف، لا تكفي، وحدها، لتحسين حياتنا. فرياض سلامة قضاء وقدر.

سياسة
العدد ٣١٨٤ الخميس ٢٥ أيار ٢٠١٧
حسن عليق

تاريخ استهداف المشرق العربي من قبل الغرب وأميركا

إرسال إلى صديق طباعة

في نص صدر عام 2011، قدم هينبوش عرضاً لموقع «الشرق الأوسط» في التراتبية الدولية، تحت عنوان «الإمبريالية والمقاومة»، مستخدماً في ذلك المقاربة البنيوية في ميدان العلاقات الدولية، بعد إضافة اقتباسات وعناصر من نظريات أخرى. وقد استخدم هذه المقاربة البنيوية «المحدثة» لتعيين موقع بلادنا، كأرض مستهدفة بالعدوان الخارجي الدائم، منذ التاسع عشر وحتى الآن.

تعريف التراتبية

بيّن هينبوش أن النظرية الواقعية التي ترى العالم والعلاقات الدولية كناية عن فوضى عارمة، لا تعكس واقع العالم الفعلي، بل إن هذاجعل وجود النفط وخلق دولة إسرائيل من المشرق العربي ساحة تدخّل دائم (الأناضول)الأخير ينم عن وجود تراتبية داخل الفوضى تتمثّل بالتحديد في وجود بلدان مسيطرة تقود العالم كما سبقت الإشارة، مثّلتها بريطانيا من التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية، ثم الولايات المتحدة مذ ذاك. تعتمد «البنيوية» مفهوم الإمبريالية ونظرية المركز والأطراف ونظرية التبعية، لفهم الطريقة التي تم بها استيعاب مناطق الاطراف ومنها المنطقة العربية ضمن منظومة التراتبية الدولية (هينبوش، 2011: 213). ويعود لها استخدام مفهوم التراتبية لإظهار حالة عدم التكافؤ الجوهري بين الدول على المستوى العالمي، التي تعود إلى عدم تكافؤهم في التحكم بالفائض الاقتصادي الذي يحقّقه العالم (هينبوش، 2011: 214). حالة عدم التكافؤ هذه تعود إلى الاختلاف الحاسم على صعيد اكتساب المقدرة التكنولوجية وتطوير القدرة الإنتاجية بين دول المركز ودول الأطراف. وقد نجم عن ذلك انعدام توازن فادح على الصعيد العسكري بينهما. أتاح انعدام التوازن هذا لدول المركز أن تسيطر على المجتمعات التقليدية وتنهبها. عيّنت «نظرية المنظومات العالمية» مع فالرشتاين دور الدولتين المسيطرتين اللتين كانتا تباعاً إنكلترا والولايات المتحدة، في استيعاب مناطق الأطراف ضمن المنظومة الرأسمالية، بالقوة العسكرية أولاً، وباستقطاب (cooptation) النخب المحلية. تم ذلك على أساس تقسيم دولي للعمل، احتكرت فيه دول المركز إنتاج السلع المصنّعة وفرضت على الأطراف التخصّص بإنتاج المواد الأولية التي تحتاجها. نجم عن ذلك تفاوت فادح في الثروة بين الطرفين.

رأى هينبوش أن ضعف المقاربة «البنيوية» جاء في السابق من أنها، مثلها في ذلك مثل النظرية الواقعية، جعلت الخارج العنصر الوحيد المحدّد لمصائر بلدان العالم النامي، وتجاهلت الدور الذي تلعبه القوى المحلية، أي النخب والدول المحلية وسياساتها في رسم صورة الواقع. اقتضى بالتالي إيلاء العنصر الآخر في التراتبية على المستوى العالمي، أي ارتباط نخب ودول العالم الثالث بعلاقة استزلام تجاه القوى العظمى (client state) والأدوار التي تلعبها هذه النخب (client elite) الأهمية التي تستحقها (المصدر نفسه: 215). احتاجت هذه النخب التي جعلها استتباعها من قبل القوى العظمى تفقد شرعيتها عند شعوبها، إلى الحماية التي توفرها لها دول المركز. أصبح بقاؤها في السلطة منوطاً بذلك. ولجأت الدولة المسيطرة إلى استخدام القوة على الدوام لحماية هذه النخب، وللتصدي للقوى التي تناوئها، ولمنع تشكّل قوى إقليمية تتحدى سيطرتها (المصدر نفسه: 216). تسارع إلحاق دول الغرب لمناطق العالم الأخرى بها خلال التاسع عشر، إن كمصادر للمواد الأولية أو كأسواق لتصريف منتجاتها، أو كدول تستوعب رأس مالها الفائض على شكل قروض. كان المشرق العربي ضحية عملية الاستتباع هذه. استعرض هينيوش الأدبيات التي تختصر تجربة هذا الأخير تحت عناوين ربطه بالغرب كاقتصاد تابع وتجزئته وتعريضه للعدوان الخارجي الدائم. وبرزت في عرضه للأدبيات أسماء لامعة كـ روجر أوين وشارل عيساوي وسمير أمين وعباس النصراوي وغيرهم.

ربط المشرق العربي بالغرب كاقتصاد تابع

فرضت إنكلترا والدول الأوروبية الأخرى على السلطنة العثمانية اتفاقيات تجارية فتحت بموجبها أسواق هذه الأخيرة أمام الواردات الغربية، وجنّدت منتجي المواد الأولية الزراعية فيها لخدمة أسواقها. ضرب تحرير التبادل المفروض قسراً إمكانية تشكّل سوق داخلية والشروع بعملية «تصنيع متأخّر» على مستوى السلطنة، لأنه ترك المنتجين تحت رحمة المستوردين، وحال دون دعم الدولة لهم، بالحماية الجمركية على الأقل. تبعت ذلك مرحلة استغلال السلطنة وأقاليمها بواسطة القروض التي وفرها لها الأوروبيون. كان فلاحو مصر هم من يسدّد القروض. وحين انتفضوا على ذلك الواقع، احتلّت إنكلترا بلادهم عام 1882. كانت نسبة 80 % من الضرائب التي تحصّلها السلطنة من بلاد الشام تذهب لخدمة الدين العام العثماني، التي كانت تبتلع نصف الموازنة السنوية للدولة (المصدر نفسه: 218).

 ثبّتت الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى طابع المشرق العربي كاقتصاد زراعي تقليدي، يُنتِج مواد أولية للتصدير. وربطت أفراد النخب المحلية بها من خلال تثبيت ملكية الأرض لهم. وربطت لاحقاً نخب المناطق التي ستصبح منتجة للبترول بها بالطريقة ذاتها.

التجزئة

كان التطور الأكثر خطورة بعد الحرب العالمية الأولى، تجزئة المشرق العربي إلى دول عدّة ورسم حدود مصطنعة بين مناطقه. أدى ذلك إلى إلغاء إمكان نشوء سوق إقليمية، وربط كلّ دولة بمفردها بالأسواق الغربية. خلقت تجزئة المشرق العربي على يد الدول الاستعمارية دولاً صغيرة تستحوذ على منابع النفط وآباره، ودولاً كبيرة وفقيرة، ذات إمكانات وموارد بشرية تتيح لها بناء اقتصادات منتجة حديثة. سوف تتكفّل حالة التجزئة هذه بتبديد الثروات النفطية من خلال تصدير الرساميل المتولدة عنها إلى الغرب، وحرمان بلدان المنطقة التي تحتاجها منها. وهي خلقت حالة غبن وضعت على طرفي نقيض المستفيدين من التجزئة من أثرياء النفط، والدول التي حرمت من مداخيله. لا يتضّح مقدار سلبية التجزئة التي تمّت وطابعها التدميري إلا بالمقارنة. ذكر هينبوش كيف استطاعت الهند والصين أن تصونا أرثهما كإمبراطوريتين شاسعتين، وأن تمنعا تقسيمهما وتجزئتهما على النحو الذي حصل في المشرق العربي (المصدر نفسه: 221).

التدخّل العسكري المباشر

سوف يجعل وجود النفط وخلق دولة إسرائيل عام 1948 من المشرق العربي ساحة تدخّل دائم فيه من قبل الدولة المسيطرة، مدعومة في ذلك من قبل الدول الكبرى الغربية. أحصى هينبوش 11 تدخّلاً عسكرياً مباشراً في مناطق الشرق الأوسط المختلفة بين 1956 و1973، وأحصى 17 تدخلاً عسكرياً بين 1985 و1995 (المصدر نفسه: 222). واستعرض أشكال التدخّل الأميركي المختلفة ضد المشرق العربي. وهي اتخذت شكل الإتفاقيات المفروضة على الدول المستزلِمة لها، كـ «حلف بغداد»، وإثارة الخلافات وإشراع حرب باردة بين الأنظمة المحافظة التابعة لها وبين الجمهوريات الراديكالية التي حملت لواء الوحدة العربية والخروج من التراتبية المفروضة على المشرق العربي، بدءاً من 1952. كما اتخذت شكل إثارة الخلافات في المنطقة بين من هم عرب ومن هم غير عرب.
كانت ذروة التدخّل العسكري المباشر، الحرب ضد العراق عام 1990، التي أطاحت إمكان نشوء دولة إقليمية قوية (regional hegemon)، تُظهِر التجارب المختلفة أن وجودها هو شرط انتظام دول المنطقة في مشروع يُخرِجها من التخلّف والتبعية. اقترفت الولايات المتحدة بحربها على العراق عام 1990، الجريمة ذاتها التي اقترفتها إنكلترا قبل 150 عاماً، حين قادت حلفاً غربياً ضرب عام 1840 مشروع محمد علي باشا في تحويل مصر إلى دولة حديثة وقطب إقليمي (المصدر نفسه: 223). أنزلت إنجلترا جيوشها على الساحل اللبناني، وهزمت إبراهيم باشا في معركة بحر صاف، وجعلته ينكفئ إلى مصر، وفرضت على محمد علي باشا التخلي عن عمليتي التصنيع وبناء الجيش اللتين كان قد حققهما على مدى ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ. وأجبرته على اختصار دور مصر إلى دولة منتجة للمواد الأولية الزراعية المخصّصة للتصدير إلى الغرب.

"أحصى هينبوش 17 تدخّلاً عسكرياً مباشراً في الشرق الأوسط بين 1985 و1995"

استطاعت الدولة المسيطرة بعد حرب 1990، أن تبسط أيضاً سيطرتها على منابع النفط في الخليج بشكل مباشر، كما في عز الحقبة الاستعمارية، وأن تُعيد الكيانات المصطنعة القائمة هناك إلى وضع محميات فعلية.
حفلت حقبة الحرب الباردة بأشكال من تدخّل الولايات المتحدة في المشرق العربي غير التدخّل العسكري المباشر. اعتمدت الولايات المتحدة العمليات السرية (covert actions) التي تعاطت بها مع العالم العربي بدءاً من خمسينيات القرن العشرين، واستراتيجيات الثورة-المضادة التي دفعت الأنظمة المستزلمة لها لاعتمادها، وخيار «التقسيم الإيديولوجي» لحماية الأنظمة والنخب التابعة لها.

حروب أميركا السرية

استخدم المؤرخ الأميركي دوغلاس ليتل وثائق الخارجية الأميركية التي اُفرِج عنها لاستعادة تجربة العمليات السرية التي قامت بها الاستخبارات المركزية الأميركية في أرجاء الشرق الأوسط والعالم العربي بدءاً من الانقلاب على مصدّق في إيران عام 1952. لم تكن السي آي إيه مجرد وكالة لجمع المعلومات، وإنما خاضت على مدى ستة عقود حتى نهاية الحرب الباردة وبعدها، حرباً سياسية غير معلنة (undeclared political warfare) في أرجاء الشرق الأوسط للتصدي للنفوذ السوفياتي والدفاع عمّا اعتُبِر مصالح لأميركا (ليتل، 2005: 664). تراوحت عملياتها السرية بين محاولات تغيير الأنظمة القائمة بواسطة الانقلابات العسكرية، أو بافتعال انتفاضات ضدها، وباللجوء إلى تخويف أو شراء الرؤساء المعارضين لسياساتها، واغتيالهم أحياناً. لا شك في أن الأنظمة العربية التي لم تكن مستزلمة عند أميركا، كانت تخاف منها وتتحسّب لمؤامراتها أكثر مما تخاف من شعوبها. يرجّح ليتل ضلوع السي آي إيه في اغتيال عدنان المالكي في سوريا. وقد جعلت محاولات الولايات المتحدة المتكرّرة خلال الخمسينيات إحداث تغيير في سوريا لمصلحتها، النخبة العسكرية تلجأ إلى عبد الناصر لتحقيق الوحدة (المصدر نفسه: 677). وكانت السي آي إيه على علم مسبق بكل الانقلابات ومحاولات الاغتيال التي تعرّض لها عبد الكريم قاسم في العراق. وهي قرّرت منعه من الانعطاف أكثر نحو المعسكر السوفياتي، وأرسلت له محارم يؤدي استخدامها للشلل (المصدر نفسه: 695). ووفّرت لفرق البعثيين في مناسبة الانقلاب الدامي على قاسم عام 1963، لوائح اسمية بالشيوعيين، مستغلة مناسبة الانقلاب لتصفيتهم (المصدر نفسه: 696). وحين توصلت إيران الشاه عام 1975 إلى اتفاق مع العراق، أوقفت السي آي إيه دعمها للبشميركة بعد أن كانت قد حرّضتهم على الثورة على الحكم في بغداد، بطلب من الشاه. وحين سألت لجنة من الكونغرس كيسنجر عن مصير 300 ألف كردي هربوا إلى العراء على الحدود الإيرانية بعد تحرّك الجيش العراقي، أجابهم بأن العمليات السرية أمر مختلف عن البعثات الإنسانية، وأنه لا ينبغي الخلط بين الاثنين (المصدر نفسه: 698). ولم تتوقف السي آي إيه لحظة بعد حرب الخليج عن محاولة إسقاط صدام حسين. وكلّفت محاولة الانقلاب الفاشلة التي كانت تعدها، توقيف 800 ضابط عام 1996، أُعدِم ثلاثون منهم. واستخدمت مجدداً الأكراد لتشكيل ائتلاف ضد صدام فشل هو الآخر، وأدى إلى اعتقال 150 من أعضائه، وتهريب 600 آخرين إلى المنفى في الولايات المتحدة (المصدر نفسه: 700).

الثورة المضادة للتصدي لموجة القومية العربية

استعاد بول تشامبرلن في دراسة شيقة واقع الإدارة الأميركية في ظل نيكسون وكيسنجر مطلع السبعينيات (تشامبرلن، 2008). رأت تلك الإدارة نفسها معنية بالتصدي لموجة الراديكالية، التي وجدت تعبيراً عنها بين الطلاب الجامعيين وفي الحركات الاجتماعية التي عمّت أنحاء العالم الثالث. ورأت «عقيدة نيكسون» وخطة هوستون» اللتين تمت بلورتهما أن استخدام الدين للتعبئة هو السلاح الأمضى في وجه الراديكالية على المستويين المحلي والدولي (المصدر نفسه: 453). وكان في تفكير نيكسون وكيسنجر المشترك، أنه لا ينبغي الفصل بين ما هو محلي وما هو دولي، وأن حركة التحرّر الفلسطينية مثلاً والطلاب اليساريين الأميركيين مظهران للتحدي نفسه الذي يواجهه النظام الدولي وتواجهه سلطة الدولة داخل الولايات المتحدة (المصدر نفسه: 456). ورأت الإدارة الأميركية أن الثورة-المضادة (counter-insurgency) هي الوسيلة لمواجهة التحدي الداخلي الذي تطرحه هذه الحركات الاجتماعية في كل دولة بمفردها، وذلك بالتزامن مع مواجهتها للتحدي الداخلي في بلادها بالذات (المصدر نفسه: 451). وقد جعل كيسنجر من «عقيدة نيكسون» مبدأً ناظماً للسياسة الخارجية لأميركا (المصدر نفسه: 450).
أظهرت قراءة تشامبرلن أن صعود الحركات الأصولية الدينية المحافِظة في الولايات المتحدة وفي مصر بدءاً من مطلع السبعينيات، جاء ردة فعل اعتمدتها الدولة ووفرت لها شروط نجاحها. وهي وجدت تعبيراً عنها في السياسة التي بدأها الرئيس السادات لجهة التحالف مع القوى المحافظة وفتح الباب لعودة «الإخوان المسلمين» من الخارج وتكوين مجموعات من الطلاب المنتمين إلى هذا التنظيم للتصدي بالسلاح للناصريين واليساريين داخل الجامعات (المصدر نفسه: 460). وقد استمرّت هذه السياسة وترسّخت على مدى عقد السبعينيات. وهي كانت مرادفاً للدور الذي أعطاه نيكسون للمسيحيين الإنجيليين، وللصعود اللاحق الذي حققه هؤلاء في الولايات المتحدة (المصدر نفسه: 466). رأى تشامبرلن أن «صدام الحضارات» الذي طغى في قراءة الواقع الدولي لحقبة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن نتيجة أحقاد أملتها الاختلافات الثقافية العميقة بين الشرق والغرب، بقدر ما كان نتيجة لاستراتيجية الثورة-المضادة التي اعتمدت، ووفرت في بلدين كمصر والولايات المتحدة، نفوذاً كبيراً للقوى التي تستخدم الدين في السياسة (المصدر نفسه: 469).

أميركا وتجربة «التقسيم الإيديولوجي» في لبنان

تقاطعت مصلحة الولايات المتحدة في ضرب حركة التحرّر الفلسطينية مع مصلحة نخبة الستاتيكو في لبنان في الحفاظ على النظام القائم، لإشراع الحرب الأهلية عام 1975. استمرّت هذه الأخيرة 15 سنة من دون أن تجد أميركا نفسها محرجة بسبب ديمومة تلك الحرب من دون طائل أو تجد مبرّراً لديها لوقفها. كانت انتفاضة ضحاياها من اللبنانيين خلال 1988-1990 هي ما أجبر الفرقاء الخارجيين الذي افتعلوا الحرب قبل 15 سنة على وضع حد لها. كان المشترك بين تدخَلي الولايات المتحدة في حربي لبنان الأهليتين في 1958 و1975، هو عمل هذه القوة العظمى على حماية النخبة الموالية لها، لتستخدمها في ما بعد في تنفيذ أجنداتها الخاصة. عام 1958، تدخّلت أميركا بإنزال عسكري دام ستة أشهر، لمنع انتصار المعارضة، والإبقاء على النخب المستفيدة من النظام القائم على التقاسم الطائفي لمواقع السلطة. فهم الأميركيون منذ نهاية الأربعينيات أن الإبقاء على النظام القائم يحفظ النخبة المرتبطة بهم (غندزير، 1998). الأمر نفسه تكرّر في 1975. صانت الولايات المتحدة النخبة التي ستتولى تنفيذ الأجندات العائدة لها ولحلفائها.الأرجح أن النخبة المحلية لم تكن لتذهب إلى خيار الحرب الأهلية، لو لم توفر لها الأفكار المجرمة التي حملها كيسنجر والإدارات الأميركية المتعاقبة، مسوغات إيديولوجية من نوع الانحياز إلى أحد معسكري «الحرب الباردة» والتصدي لـ»اليسار الدولي». أشار المؤرخ كمال الصليبي إلى «أن الأكثر عقلانية بين الزعماء المسيحيين كان يمكن أن يقبلوا بإعادة صوغ «الميثاق الوطني» بحيث يتضمّن تنازلات في ما يخص الانتماء العربي للبنان، لكنهم كانوا يفضّلون «التقسيم» على إعادة صياغة له تتضمّن الأخذ بمطالب الراديكاليين»، أي «اليسار» (الصليبي، 1976: 145). وفي أول عدد لها صدر في باريس عام 1977، نشرت «النهار العربي والدولي» مقابلة مع رئيس حزب الكتائب، كان فحواها أن النصر المحقّق هو نصر ضد قوى «اليسار الدولي»، وهو نصر مُهدى إلى العرب أولاً (العمل الشهري، 1977: 9-22).
في كتابها الرائع الذي خصصته لحرب البوسنة والهرسك واتفاقية دايتون التي أنهت الحرب بالتقسيم، وضعت الباحثة رادا كومار تجربة التقسيم تلك، ضمن سياق طويل من تجارب التقسيم التي حصلت خلال القرن العشرين، وطاولت بلداناً كالهند وإيرلندا وقبرص وفلسطين (كومار، 1997). بيّنت أن تجارب التقسيم على مدى ذلك القرن، كانت وراءها على الدوام القوى العظمى، خصوصاً انكلترا، وخضعت لقاعدة «التقسيم قبل الانسحاب» (divide and quit)، بعد أن كانت تلك القوى قد حضّرت الأرض لـ «التقسيم الاثني» خلال فترة استعمارها لتلك البلدان، وفقاً لقاعدة «فرّق تسد» (divide and rule). برّرت القوى العظمى الذهاب إلى التقسيم بطريقتين مختلفتين، الأولى مستوحاة من مقاربة الرئيس الأميركي ويلسون تحت عنوان «حق تقرير المصير»، والثانية باعتبار أن التقسيم هو الحل الأقل ضرراً (a lesser evil)، لأنه ينجز بطريقة سلمية ما سوف يصل إليه المتنازعون، الذي يُفترض أنه لا يمكن التوفيق بينهم، بالحرب. أي لم تكن تجارب التقسيم التي حصلت مرّة نتيجة إرادة شعوب تلك البلدان في»تقرير المصير»، ولو أن القوى التي كانت وراءها تحجّجت بذلك. وهي كانت نتيجة إرادة القوى الاستعمارية في الإبقاء على مناطق نفوذ لها في تلك البلدان. وكما خضعت تجارب التقسيم خلال حقبة تصفية الاستعمار القديم لمصالح القوى الاستعمارية السابقة، فإن تجارب التقسيم خلال حقبة الحرب الباردة، خضعت لمنطق «التقسيم الإيديولوجي» (ideological partition)، الذي كانت وراءه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهو ما عكسته على وجه الخصوص، تجارب كوريا وفيتنام وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تم تقسيم هذه البلدان لأسباب إيديولوجية، في ما اعتبرته الولايات المتحدة تصدياً من قبل «العالم الحر» للتمدّد الشيوعي.
إلى هذه الفئة يمكن نسبة «التقسيم» التي تحقّق في لبنان عبر «حرب السنتين» (1975-1976)، والذي ضمنت الولايات المتحدة من خلاله بقاء النخبة المرتبطة بها. وهي حفظت نفوذها في لبنان من خلال تأمين استمرار نخبة الستاتيكو، ونظام الحكم القائم. عبّر كيسنجر عن ذلك الإنجاز بعد حرب السنتين في آخر لقاء له مع الرئيس فورد قبل الخروج من الحكم، في 4 تشرين الأول 1976، بالقول أن لبنان «كان نجاحاً كبيراً آخرَ» (رايت، 2013: 174).
أظهر الدكتور غالب أبو مصلح في تأريخه لـ»حرب الجبل» بعد 1982، آخذاً في الاعتبار المعلومات الاستخباراتية التي تضمنها كتابا ألآن مينارغ، أن هدف الولايات المتحدة آنذاك كان إرساء واقع سياسي يسمح لها بإنشاء قاعدة عسكرية عملاقة على ساحل لبنان، تكون «مقراً للقيادة الاستراتيجية الأميركية للمنطقة الممتدة من الخليج إلى لبنان» (أبو مصلح، 2014: 9). ولا ينسى اللبنانيون السفير الأميركي رافعاً سبابته أمام شاشات التلفزيون ومستهجناً تأخّر دخول الميليشيات عام 1990 في الصدام مع الجيش. كلفت تلك الحلقة الأخيرة من الحرب هجرة ما بين 200 إلى 300 ألف مسيحي وفقاً لتقديرات فالونيه (فالونيه: 1995: 369).
(المراجع منشورة على الموقع الالكتروني)
(هذا النص هو الجزء الثاني من مادة أمس،
الولايات المتحدة والمشرق العربي: بيان للاستنهاض القومي، على أن يتبعه لاحقاً الجزء الأخير)

المراجع:

Hinnebusch R., “Empire and after : toward a framework for comparing empires and their consequences in the post-imperial Middle East and Central Asia”, Journal of Historical Sociology, Vol. 27, n. 1, 2014, pp. 103-131.
Hinnebusch R., “Hegemonic Stability Reconsidered: Implications of the Iraq War”, in Rick Fawn, Raymond Hinnebusch (eds.), The Iraq war: causes and consequences , Boulder : Lynne Rienner Publishers, 2006b , pp. 283-322.
Hinnebusch R., “Identity in International relations: Constructivism versus Materialism and the Case of the Middle East”, Review of International Affairs, Vol. 3, n. 2, 2003, pp. 358-362.
Hinnebusch R., “The Iraq War and International Relations: Implications for Small States”, Cambridge Review of International Affairs, 19, 3, 2006a , pp. 451-463.
Hinnebusch R., “ The Middle East in the world hierarchy: imperialism and resistance”, in: Journal of International Relations and Development , vol 14, n. 2, 2011, pp. 213 - 246.
Gendzier Irene, Notes from the Minefield: United States Intervention in Lebanon and the Middle East, 1945-1958 , N.Y., Columbia univ. press, 1997.
Kumar Radha, Divide and Fall: Bosnia in the Annals of Partition, U. K., Verso, 1997.
Little Douglas, “Mission Impossible: The CIA and the Cult of Covert Action in the Middle East”, Diplomatic History , (2004) 28 (5), pp. 663-701.
Salibi Kamal, Crossroads to civil war: Lebanon, 1958-1976 , Delmar NY: Caravan Books, 1976, 178 pages.
Valognes Jean-Pierre, Vie et mort des chrétiens d’orient, éditions Fayard, 1995 .
Wight David M, “Kissinger’s Levantine Dilemma: The Ford Administration and the Syrian Occupation of Lebanon”, in Diplomatic History , Vol. 37, Jan., 2013, pp. 144-177.ا 

* أستاذ جامعي

غالب أبو مصلح، " الفشل الأميركي" ، فصل من كتاب سيصدر قريباً عن "حرب الجبل " ، 28 صفحة .


رأي
العدد ٢٤٤٤ الجمعة ١٤ تشرين الثاني ٢٠١٤

JPAGE_CURRENT_OF_TOTAL