You are here: الصفحة الرئيسة

Harakat Al-Shaab - حركة الشعب -لبنان

المشرق بعد سايكس ـ بيكو

إرسال إلى صديق طباعة

يسار ناصر

في كتابه «السلام المؤدي الى نهاية أي سلام»، يسرد دافيد فرومكين كيف أدت نهاية الدولة العثمانية الى تقسيم المشرق العربي الى دول تسهل إدارتها والهيمنة على مواردها لمصلحة الامبراطورية البريطانية والتوسع الفرنسي. أما جايمس بار في كتابه «خط على الرمل»، فيستفيض مستعملا أسلوب الرواية لشرح شخصيات «الموظفين ذوي الرتبة المحدودة»، بيكو وسايكس، وكيف أدت الخلافات الداخلية في فرنسا وبريطانيا (وبينهما) الى تقسيم المشرق وفق هذا الخط الرملي المسمى باسميهما. أما أهم ما ذكره جيمس بار، فكان ان إنشاء اسرائيل لم يكن سوى مشروع كولونيالي للحفاظ على خطوط النفط (ومصادرها في الحقول العربية) كما لحراسة قناة السويس والإشراف البحري بأقل الأكلاف البشرية للامبراطورية البريطانية.
نسمع الكثير من السياسيين والمحللين اليوم ممن ينعون اتفاق سايكس - بيكو وكل مفاعيله السياسية والجغرافية. السؤال المهم، ربطاً بعبر التاريخ المذكورة آنفا: هل هذا التحليل يشمل وريثة الدولة العثمانية (تركيا) والمشروع الكولونيالي الفاقد لأي شرعية ـ ما عدا القرارالاممي المسخ في 1947 ـ (اسرائيل)؟ ام ان المفاعيل لهذا النعي ستقف عند حدود المشرق العربي «لتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ»؟
إن التحليل الطبيعي لمسار الامور منذ سنوات عدة، يؤكد حقيقة دامغة تناقلها العديد من مراكز الابحاث والكتاب الجديين: ان تنظيم الشرق الاوسط وفق سايكس ـ بيكو كان متناسباً مع الامبراطوريات التي سادت سابقا، ويعتبر من مخلفاتها غير المقبولة للامبراطورية العظمى التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية (أميركا). لذلك نرى منذ التدخل الاميركي المؤثر العام 1956 لإنهاء العدوان الثلاثي على مصر، أن أميركا كفّت يد كل من فرنسا وبريطانيا وأخذت مكانهما وسعت لحماية الأهداف الاقتصادية ذاتها (النفط والقناة والإشراف البحري)، مستعملة الادوات نفسها (اسرائيل أهمها). لكن إعادة تنظيم المنطقة سياسيا وجغرافيا كان بحاجة لوقت واستراتيجية واحدة لدى الادارات المتعاقبة مع أهمية فهم التاريخ المعقد جدا لـ«قلب العالم»، كما العقائد والأفكار السائدة فيه منذ قرون.
التغيير الحقيقي نحو إعادة تشكيل الشرق بدأ مع كيسنجر القادم من خلفية اكاديمية محترمة، خوّلته أن يبني أفكاره الخاصة عن «المسألة المشرقية» (بالمعنى الاوسع جغرافيا). هذه الأفكار الداعية لتنظيم المشرق بطريقة مختلفة، اعتمدت دائما على محورية دور اسرائيل استراتيجيا كحجر الاساس الذي يدور في فلكه المشرق، خصوصاً بعد حرب 1967. السبب لهذه المحورية بسيط: اسرائيل كيان استعماري يستمد وجوده من ولي أمر يساعده عسكريا واقتصاديا، وغير ذلك فالزوال نصيبه برغم الأساطير التي حيكت عن الشعب والكيان الاسرائيليين كما كتب واستفاض شلومو ساند؛ أما باقي شعوب المنطقة وبرغم من كل فقرها (العلمي أساسا)، فتبقى أصيلة ونابعة من تاريخها وجغرافيتها، ولذلك لا يمكن الوثوق بها كليا لأي مشاريع سيطرة كولونيالية.
أما بعد كل السنوات التي راهنت أميركا فيها على اسرائيل، فقد وصلت الى خلاصة اوائل هذا القرن، مفادها ان الطريقة الوحيدة لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة (وصيانتها للمستقبل) تقوم على إعادة تشكيلها وفق «حدود الدم»، النظرية التي فسرها رالف بيترز في مجلة القوات المسلحة الاميركية العام 2006 وأعادت تأكيد بعض تقسيماتها مجلة الاتلانتيك العام 2008. لقد اقترح بيترز إعادة تشكيل الدول في الشرق معتمداً على حدود الاختلافات العرقية والدينية، قائلا انها تنصف البعض «كالكرد والشيعة». بعض الباحثين كان يرى ان هذه الافكار لا تتعدى كونها نظريات مؤامراتية غير قابلة للتطبيق. أما الآن، فهناك من يعتقد أن السيطرة على العراق وما جرى بعدها من أحداث ما هو إلا لتهيئة المنطقة لتطبيق حدود الدم على الارض.
وهنا نعود للسؤال الأساس: هل من إمكانية لتشظية الشرق العربي فقط من دون المساس بإسرائيل وتركيا؟ الجواب عن هذا السؤال، قطعا لا، حيث إن أي تقسيم جديد للمنطقة سيفكك بعض الأجزاء في تركيا لمصلحة الكرد اولا مع إمكانية وجود نزعات قومية ودينية تشجع انفصال أجزاء اخرى. أما اسرائيل فهي على الورق المستفيد الاكبر من تقسيمات كهذه، حيث انها تصبح زعيمة متوجة على أشلاء دول متنازعة دينيا وعرقيا، وتثبت للعالم أنها كدولة صهيونية في مكانها الصحيح.


تاريخ المقال: 10-11-2014 01:49 AM

صفحة جديدة في الحرب: الحوثي وصالح يعلنان «نفير الثأر»

إرسال إلى صديق طباعة

«ما بعد مجزرة الصالة الكبرى، لن يكون كما قبلها». قد تكون عبارة رئيس أركان الجيش اليمني، خير تعبيرٍ عن أثر الجريمة التي ارتكبها طيران التحالف السعودي أول من أمس في صنعاء. الجريمة الأكبر في تاريخ العدوان، من حيث عدد الشهداء والجرحى، تفتح صفحة جديدة في الحرب، وتنقل المواجهة إلى مستويات أخرى، عسكرياً وسياسياً.

هذا على الأقل ما أوحت به التصريحات السياسية لطرفي الصراع، والتي بيّنت من جهة الاستنفار العام في اليمن للردّ على الجريمة على الجبهات الحدودية والداخلية، ومن جهة أخرى التصريحات الأميركية التي أشارت إلى استعداد واشنطن لمراجعة فورية لدعمها لحرب السعودية في ضوء الأحداث الأخيرة، مؤكدةً أن الدعم «ليس شيكاً على بياض». وإن كانت هذه ليست المرة الأولى التي تشكك فيها واشنطن بحرب حليفتها، وخصوصاً بعد عشرات التقارير الحقوقية التي أثبتت مقتل مدنيين بغارات طيران التحالف السعودي، يُعدّ تصريحها مفصلياً، إذا ما تُرجم في واقع الحرب المستمرة منذ سنة وسبعة أشهر.
في اليمن، الصدمة كانت كبيرة جداً. فعلى الرغم من تكرار عشرات المجازر منذ بداية الحرب، بين الأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد والأحياء السكنية، كان احتمال الاستهداف الجوي لصالة مكتظة بمعزّين بعيداً عن التوقع، حتى يوم السبت. إلا أن طيران التحالف أثبت أن لا سقف لعمليات القتل المجاني التي يقترفها، أو حرمةً لأي مناسبة.
لكن الصدمة سرعان ما حوّلها زعيم «أنصار الله» إلى دعوةٍ إلى «النفير العام» والالتحاق بالجبهات «من أجل الثأر من قتلة النساء والأطفال»، في خطوةٍ تعني أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً في العمليات العسكرية، بعدما كانت الأيام الماضية قد حملت مؤشرات إلى انفراجةٍ سياسية واقتراب إرساء هدنة جديدة.

"عبّرت واشنطن عن استعدادها لتعديل دعمها للحرب السعودية"

السيد عبد الملك الحوثي توجه إلى اليمنيين بالقول: «علينا أن ننفر على كل المستويات، علينا أن نأخذ بثأرنا لنكون رجالاً وأحراراً... إذا تخلفنا لن يسامحنا التاريخ ولن تسامحنا الأجيال». وتابع قائلاً: «الذين عادوا من الجبهات عليهم العودة إلى جبهاتهم... انهضوا، تحركوا لتكونوا شرفاء وأحراراً، وإلا فلعنة التاريخ كبيرة أمام هذه الجرائم الفظيعة».
وخاطب الحوثي قبائل خولان الذين استهدف العدوان عزاء أحد أبنائهم (والد وزير الداخلية السابق، جلال رويشان) بالقول: «أتوجه إلى الأحرار الشرفاء في خولان الطيال والمناسبة مناسبتهم، لن أحدد لكم ما تفعلون، لكن بحكم ما أعرفه عنكم من شهامة ورجولة... كونوا عند مستوى ما تفرضه مسؤوليتكم الدينية أمام الله ومسؤوليتكم الوطنية والقبلية».
بدوره، دعا الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، إلى القتال على الحدود مع السعودية، قائلاً: «آن الأوان وحانت ساعة الصفر كي أدعو كل أبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية إلى جبهة القتال، إلى الحدود للأخذ بثأر ضحايانا الذين سقطوا جراء المجازر المروعة، وأكبر مجزرة هي الصالة الكبرى». ووصف صالح التحالف بـ«العدوان البربري الغاشم، عدوان آل سعود ومن تحالف معهم، عدوان المذهب الوهابي التكفيري»، داعياً «كل أبناء الوطن» إلى مواجهته. وأضاف «على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان ووزارة الداخلية وضع الترتيبات اللازمة لاستقبال المقاتلين في جبهات الحدود في نجران وجيزان وعسير ومواجهة العدوان». وحض صالح هؤلاء على أن «يردوا الصاع صاعين».
تصريحات الطرفين اليمنيين (الحليفين) في الحرب تزامنت مع إعلان وفدهما إلى المفاوضات تعليق كل المحادثات السياسية بعد المجزرة، في عودةٍ إلى المربع الأول بعد التقدم الجزئي في المسار السياسي خلال الأيام الماضية.
وكانت قيادة التحالف السعودي قد تنصلت من مسؤولية الغارات، نافيةً أن تكون قواته قد نفذت أي عمليات جوية في مكان الضربة. وعبرت قيادة «التحالف» في بيان عن «عزائها ومواساتها لأسر الضحايا والمصابين»، مؤكدةً أن لدى قواتها تعليمات واضحة وصريحة بعدم استهداف المواقع المدنية. وقالت في بيان إنه سيتم إجراء تحقيق فوري من القيادة بمشاركة خبراء أميركيين، وستعلن النتائج فور انتهاء التحقيق. لكن بيان «التحالف» تضمن جملة غامضة، يمكن تفسيرها بطرق عدة، وهي أن «من الممكن التفكير في أسباب أخرى للقصف الذي حدث في صنعاء».

أما واشنطن، فقد عبّرت عبر مجلس الأمن القومي عن «انزعاجها بشأن الضربة الجوية على صالة عزاء في اليمن»، وقالت إنه إذا تم تأكيدها، فإنها تأتي «في إطار سلسلة الهجمات المقلقة للغاية تجاه المدنيين اليمنيين». وأكد المجلس أن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية «ليس شيكاً على بياض»، مضيفاً أنه في ظل الجهود الرامية إلى تعزيز القدرات الدفاعية للسعودية بُغية الحفاظ على سلامة أراضيها، «نشير إلى أننا أعربنا وسنواصل الإعراب عن مخاوفنا الجادة حول الصراع في اليمن وحول كيفية وطريقة شنها». وأضاف المتحدث باسم المجلس، تيد براس، أنه في ضوء ما حدث وبالإضافة إلى الحوادث الأخيرة، «لقد شرعنا في تنفيذ مراجعة شاملة لدعمنا ــ الذي هو أصلاً محدود ــ للتحالف الذي تقوده السعودية، ونحن على أتم استعداد لتعديل دعمنا تماشياً مع المبادئ والقيم والمصالح الأميركية، وبما في ذلك تحقيق وقف فوري ودائم للصراع المأسوي في اليمن».

وفي بريطانيا، ثاني أكبر داعم للرياض في هذه الحرب بعد الولايات المتحدة، أعرب وزير دولتها لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توبياس إلوود، للسفير السعودي لدى لندن عن قلقه إزاء المجزرة. وقال إلوود للسفير السعودي، محمد بن نواف بن عبد العزيز، إن «الصور من مكان الحادث صادمة»، داعياً إلى إجراء تحقيق فوري في الحادث.
كذلك، أدانت وزارة الخارجية الفرنسية بشدّة المجزرة، داعيةً «التحالف» إلى السماح فوراً بتحقيق دولي مستقل حول ملابسات المجزرة. وناشدت الخارجية «كل أطراف النزاع» ضرورة الاحترام الصارم لأخلاقيات الحرب والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف المدنيين، وهو ما عدّه مراقبون خروجاً فرنسياً من حالة «الزئبقية» التي طبعت موقفها من هذه الحرب من البداية. وقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، أنه سيلتقي ظهر اليوم الاثنين، في باريس، المبعوث الأممي الى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، للتشاور بشكل عاجل حول «عواقب وانعكاسات هذه المجزرة على الجهود الدبلوماسية».
(الأخبار)


500 ضحيّة... والمعروفون قلائل

على الرغم من مضيّ يومين على الجريمة، لا تزال أسماء الضحايا غائبة بسبب صعوبة التعرف إلى العشرات من الجثث، وخاصة أنّه بعد الغارة الأولى على الصالة الواقعة وسط حيّ سكني في شارع الخمسين الشهير في صنعاء، استطاع عشرات المعزّين الهرب، لكن طيران «التحالف» أتبعها بصاروخ شديد الانفجار، أوقع 140 شهيداً، على الأقل، وما يزيد على 315 جريحاً، وأحدث حريقاً هائلاً داخل القاعة، ما أدى إلى اختناق وتفحم العديد من الجثث.
ومن بين الضحايا الذين جرى التعرف إليهم، أمين العاصمة، عبد القادر هلال (الصورة)، الذي كان من أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة. ويعدّ الرجل المنتمي إلى حزب «المؤتمر الشعبي العام» أبرز وجوه ما يسمّى "التيار الثالث" الذي تحدثت عنه مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكان مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ قد أشاد به أكثر من مرة. كذلك، استشهد في المجزرة محافظ البيضاء السابق العميد محمد ناصر العامري وعدد من الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية.

اليمن

العدد ٣٠٠٤ الاثنين ١٠ تشرين الأول ٢٠١٦

 

حركة نقابية بلا برنامج سياسي للتغيير: أمل لا يُعوّل عليه

إرسال إلى صديق طباعة

عمل النظام السياسي على ترسيخ آليات توزيع تتولاها سلطات دون مرتبة الدولة، ولكنها تقتات منها وتقوى بها وتنمّي ما يمكن وصفه بأنه «طبقة» من الانتهازيين، في كل المجالات، في الدولة وخارجها، بما فيها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والنخب المختلفة.

هذه «الطبقة» تمارس تجارة بيع الولاءات في الداخل والخارج، وترتهن لمصالح راس المال المسيطر، وتهيمن على الشأن العام، وتُسهم في زيادة تخصص الاقتصاد اللبناني في خدمة اقتصاد إقليمي ريعي، وتسمح بتركيز المزيد من الثروة لدى «أوليغارشية» مسيطرة، تضم قلّة قليلة من الريعيين، المصرفيين والمضاربين على أسعار العقارات والمستوردين المحتكرين والمستحوذين على عقود المقاولات و«الشراكات» مع القطاع العام ومحتلي الأملاك العامة والورثة والمغتربين الأثرياء وأصحاب الرساميل الأجانب... في ظل ذلك، ينفصل الاقتصاد المحلي أكثر فأكثر عن واقع المجتمع وحاجاته: لا ينتج الوظائف المطلوبة، وتتهاوى حصّة الأجور فيه إلى 20% فقط والباقي أرباح وريوع، ويرتفع مستوى المديونية العامّة إلى 230% من حجم هذا الاقتصاد المتواضع (120 مليار دولار مديونية الحكومة ومصرف لبنان)، وتتحوّل الأسر المقيمة إلى الاقتراض من المصارف لتمويل أنفاقها الاستهلاكي (أكثر من 120 ألف قرض سكني، وأكثر من 700 ألف شخص مدين)، ويضطر نحو 500 ألف لبناني إلى العمل في الخارج، فيما يجري رمي أكثر من 50% من القوى العاملة في نشاطات غير نظامية متدنية الإنتاجية والأجر وتفتقر إلى أي نوع من أنواع الحماية، وتُستقدَم مئات آلاف العمال الفقراء لاستغلالهم في مجالات العمل الهش... كل ذلك ما كان يمكن أن يحصل لولا القبض على الاتحاد العمالي العام في مطلع التسعينيات، عندما أُبرمت الصفقة الكبرى بعد حرب مدمّرة وقضت بإعادة توزيع الريع، عبر ائتلاف حاكم يضم أصحاب الثروات وزعماء الحرب، بإدارة خارجية.

وهم الإصلاح والتبشير النقابوي

اليوم، في ظل النتائج الكارثية المحققة، تتزايد الدعوات إلى إعادة تأسيس حركة نقابية عمالية، تعيد بعض التوازن المفقود في علاقات العمل وتوزيع الدخل والثروة، إلا أن هذه الدعوات لا تقترن بأي جهد فعلي حول ماهية الحركة العمالية الممكنة في لبنان، وفرص تأسيسها في ضوء تشخيص الواقع القائم بالفعل، إذ لا تزال الدعوات تنطلق من وهم «إصلاح» الهياكل النقابية القائمة، أو من التبشير «النقابوي»، الذي يفترض أن العمّال يملكون المصلحة في تشكيل نقاباتهم وخوض صراعاتهم في أماكن العمل، ولكن ينقصهم الوعي!
لا توجد أجوبة جاهزة، ولكن في ما يأتي بعض الأفكار التي تساعد في محاولة البحث عنها:
- إن العمل النقابي، هو كأيِّ نضال سياسي، ليس هدفاً لذاته، بل وسيلة من جملة وسائل لبلوغ هدف معين. وفي الحالة اللبنانية، هو يمثل حاجة أيضاً لإيجاد ساحة يُصعب فيها استعمال الانقسامات الطائفية التي تهيمن على ساحات الصراع وتهمش بعدها الاجتماعي.

 


- إن الظروف الموضوعية تبدو ملائمة لتشجيع العمل النقابي، إلا أن المهمة صعبة بما يكفي للتردد أمام الفكرة الصحيحة التي تدعو إلى ترك مهمة إعادة تأسيس حركة نقابية عمالية جديدة للعمال أنفسهم في أماكن عملهم، أي حيث تكون المصالح متطابقة لمجموعة متشابهة من العمال. التردد ليس انطلاقاً من موقف نقدي للنقابوية المثالية، بل إن طبيعة النظام السياسي وبنية الاقتصاد الريعي والهجرة وتركّز العمالة وتخصصها في أنشطة خدمية، منخفضة الإنتاجية في غالبيتها، وفي مؤسسات صغيرة ومتناهية الصغر (تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 67 ألف مشروع صغير ومتوسط في لبنان يوظّف 50% من القوى العاملة)... تشكّل عوامل جدية تحدّ من أي إمكانية لتصوّر نقابات حاضرة وفاعلة. إن هذه العوامل تفسّر جانباً مهماً من أسباب ضعف الانتساب إلى التنظيمات النقابية، بل أيضاً ضعف مشاركتهم وتضامنهم في نضالات بعض فئات العمال. ولكنها تفسر أيضاً كيف أن النقابات لا يعوَّل عليها كبديل من الأطر السياسية الأخرى، فالعمل النقابي يبدو حالياً قاصراً عن تحقيق أهداف حقيقية، ما لم يكن من أدوات الصراع السياسي على الدولة.
- إن معدل النشاط الاقتصادي في لبنان منخفض (47% من السكان)، وثلاثة أرباع النساء مقصيات عن العمل، أو بمعنى أوضح عن الاقتصاد غير المنزلي، وواحد من كل ثلاثة شباب يعجز عن إيجاد عمل إن كان يبحث عن عمل. نصف القوى العاملة المقيمة يعملون لحسابهم ونصفها يعملون بأجر، ونصف العاملين بأجر إمّا عاطلون من العمل، وإمّا عمّال غير نظاميين. إنّ قسماً كبيراً من العمال في لبنان لا يحملون الجنسية اللبنانية، ولا يحظون بأي تمثيل نقابي في الهياكل الموجودة بالفعل، أياً كانت هذه الهياكل، والخطاب النقابي الطاغي يحمل لغة عنصرية تجاه العمال الأجانب ويرفض أن يكونوا منظمين. وفي المقابل هناك مئات الآلاف من العمال اللبنانيين يعملون في خارج لبنان، ولا يملكون أي صوت في الحركة النقابية المحلية، أياً كانت... فكيف يمكن تصوّر حركة نقابية عمالية حاضرة وقوية في ظل هذه البنية إن لم تكن تستقطب على أساس برنامج سياسي للتغيير يشكل فضاء تشكلها وانتظامها.

الطائفية تعمل لمصلحة تركيز الثروة

- إن شرط برنامج العمل السياسي للحركة النقابية العمالية تمليه أيضاً البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، فالطائفية تُستغَلّ في ترجيح الكفّة لمصلحة نحو 1000 أسرة في لبنان تسـتأثر بالثروة وتتحكم بمصادرها. بحسب تقديرات «credit suisse»، إن 0.3% من الراشدين في لبنان يستحوذون على 48% من ثروة السكان، وإن 0.05% يستحوذون وحدهم على ثلث هذه الثروة. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، إن أقل من 1% من الحسابات المصرفية تستأثر بنصف الودائع في المصارف اللبنانية، و0.01% من الحسابات تستأثر بنحو 20% من مجمل الودائع. وفيما لا توجد تقديرات جدّية حول الاستحواذ على الثروة العقارية، يبيّن المسح الزراعي (2011) أن 95% من أصحاب الحيازات (الملّاك) يملك كل منهم أقل من 4 هكتارات (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع)، في حين أن 5% من الملّاك يملك كل منهم مساحات شاسعة من الأراضي، وبالتالي يستحوذون على الجزء المهم من الثروة العقارية والإنتاج الزراعي ويؤججون المضاربات على أسعار الأراضي... هذا التفاوت الهائل أسهم بتعزز «طبقة» واسعة من الانتهازيين، يستخدم سلافوي جيجك مصطلح «البرجوازية المستأجرة» لوصفهم. هذه «الطبقة» تتولى إدارة الأعمال والمضاربات والشركات، في مقابل حصة من الربح من أصحاب الرساميل، سواء بصورة مباشرة عبر امتلاك أسهم أو عبر أجور مرتفعة جداً قياساً بأجور العمال، وتستفيد من «فائض الأجر» على غرار «فائض القيمة». وبالاستناد إلى دراسة قامت بها وزارة المال مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يظهر أن 2% من العاملين في القطاع الخاص يستحوذون على أكثر من 17% من إجمالي الأجور المصرَّح عنها للدوائر الضريبية، في حين أن حصة 59% من العاملين في القطاع الخاص لا تتخطى 22% من كتلة الأجور. ولكن هذه الطبقة لا تنحصر بأصحاب الأجور المرتفعة، فهي تضم أيضاً فئات واسعة من المجتمع ارتضت حصة من الريع في مقابل توليها إدارة الدولة والقضاء والأمن والنظام المالي ونظام التعليم والإعلام والفن والأدب والثقافة عموماً، وتضم وزراء ونواباً ومديرين وضباطاً وقضاة ومثقفين وفنانين وإعلاميين واقتصاديين وأساتذة ومعلمين ومحامين وأطباء وصيادلة ومهندسين ومحاسبين وتجاراً وملاكاً صغاراً، وتضم أيضاً أُسراً مقيمة تنتفع في مقابل بيع ولاءاتها، بما في ذلك أُسَر عمال وموظفين يستفيدون من «فائض أجر» بالمقلوب، أي عبر تقاضي أجور، ولو غير مرتفعة، من دون الاضطرار إلى العمل، أو عبر العمل أقل مما هو مفروض. كذلك تضم أُسَراً تتمتع بقدرة استهلاك أعلى من قدرة الأجور المحققة محلياً من خلال تحويلات العاملين من أفرادها في الخارج.

التمدّن ساحة صراع مع رأس المال

- توجد فئات اجتماعية لا ينطبق عليها المفهوم الكلاسيكي للعمل المأجور، ولكنها تعاني من أوضاع مماثلة لأوضاع العمّال، وتشمل قسماً مهماً من سكان المدن، إذ يعيش نحو 88% من السكان في لبنان في المدن وضواحيها، أي نحو 4.354 ملايين نسمة بحسب تقرير «آفاق التمدن العالمي» الصادر عن منظمة الأمم المتحدة عام 2014. هؤلاء يتحملون أكلاف معيشة تفوق قدراتهم ويعانون من تردي أو غياب الخدمات العامّة وأنظمة الحماية الاجتماعية، ولا سيما في مجال الصحة، حيث لا تستفيد أكثرية الأُسر من أي نظام تغطية صحية مستقر ودائم، ويجسد سكان المدن الدمار الذي أصاب العمل في الزراعة واستمرار النزوح من الريف إلى الساحل والضغوط الهائلة على سوق العمل في مدن تنمو بعشوائية من دون أي ارتباط بالصناعة والخدمات المتصلة بها.

وبحسب المفهوم الذي يطرحه دايفيد هارفي، فإن «التمدّن هو بطرق كثيرة ميدان لتحقق فائض القيمة (الربح). ثمة رابط داخلي في دورة رأس المال بين الإنتاج والتحقق، والصراعات في المجال المديني مهمة لإنتاج القيمة وتحقيقها كالصراعات في مكان العمل». ويتابع: «يستطيع العمال أن يصارعوا من أجل أجور أعلى وأوضاع عمل أفضل وربما ينجحون في عملية الإنتاج. ولكن من وجهة نظرهم، يأخذون عندئذ نقودهم الإضافية ويعودون إلى المنزل ويكتشفون أن عليهم أن يعيدوها إلى البرجوازيين في شكل أجور منزل عالية ومدفوعات بطاقة الائتمان وفواتير هاتفية وهلمّ جرّا. وهكذا من وجهة نظر العامل، هناك قلق ليس فقط مما يحدث في مكان الإنتاج، ولكن أيضاً من الكلف المنزلية ومن كم تدفع مقابل البضائع والخدمات والسلع في الحوانيت والمدفوعات الخفية من دفع الفائدة على الرهون العقارية وبقية الأمور كلها».
- إنّ الحركة النقابية اللبنانية، بهياكلها الحالية، تحوّلت إلى أدوات ضبط للعمال لا أدوات تحرير. بمعنى أن ملامح هذه الحركة موجودة، وهي تهيمن على الحركة العمالية، ولكنها لا تخدم من تدّعي تمثيلهم، بل بالعكس تماماً. وهذا يشمل جميع الهياكل، ولو بدرجات وأشكال مختلفة ومتفاوتة. بما فيها هيئة التنسيق النقابية.

 

ليست مهمة النقابات العمالية

- إن التحديات التي تواجه العمال، عالمياً ومحلياً، ولا سيما مع انفجار أزمة الرأسمالية وتصادم الإمبرياليات وعودة خطاب «المساواتية» الاقتصادية والمنازلة العلنية بين الرأسمال والديمقراطية واستنفاد النماذج الريعية لطاقتها في تحييد فئات واسعة عن الصراع الاجتماعي والانتفاضات العربية وصعود الإسلام السياسي، ولا سيما التكفيري منه، والحروب والصراعات وصعود العنصرية والشعبوية اليمينية ومسائل الهجرة والبطالة والبيئة... وصولاً إلى الانقسام الطائفي الحاد والصراع في سوريا واللاجئين السوريين وتعطّل النظام السياسي في لبنان وتعمّق أزمة اقتصاده الريعي وتبعيته المفرطة للخارج ومديونيته الهائلة وأنماطه الاستهلاكية... كلها تحدّيات تعزز فرص ظهور حركة نقابية مسيَّسة ومنخرطة في الصراع من أجل التغيير والديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، ولكن هذه الفرص تظهر أيضاً بوصفها برنامجاً للعمل السياسي يتجاوز كثيراً صراعات العمل إلى الصراعات على الدولة، وهذه بالتأكيد ليس مهمة النقابات العمالية حصراً.


ملامح الحركة العمالية القائمة

تظهر في لبنان 5 ملامح لحركة نقابية قائمة:
1 - الاتحاد العمالي العام، وهو يجسد ما انتهت إليه الحركة النقابية العمالية بهياكلها التقليدية القديمة، ومسار تطورها التاريخي منذ التخلي عن ثنائية اليسار واليمين وتبني إيديولوجيا "وحدة الحركة العمالية" وطغيان النزعة "الإصلاحية الانتهازية" على المكوّنات الحزبية لهذه الحركة. في الحصيلة، بات الاتحاد العمالي العام خاضعاً لمصالح «الأوليغارشية» وحليفاً لأصحاب الرساميل. وفي معركة تصحيح الأجور الأخيرة وقف الاتحاد العمالي العام ضد مصالح العمال وبلغت به الوقاحة حد الذهاب إلى منظمة العمل الدولية بشكوى مشتركة مع منظمات أصحاب العمل ضد وزير العمل الذي كان يمارس تدخلاً لمصلحة العمال في مواجهة «الاتفاق الرضائي». نحن إذاً أمام ملمح سلبي، في مقابله، تأخر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في الخروج من الاتحاد العمالي العام وفوت عليه فرصة اكتساب مشروعية خطابه المناوئ لخطاب الاتحاد. عكس الاتحاد الوطني أزمة اليسار في لبنان وابتعاده كثيراً عن الحركة العمالية وادعاءات تمثيلها الطبقي، كذلك عكس أزمته الداخلية التي لا تختلف أبداً عن بقية الاتحادات النقابية القائمة، فهو لا يقوم على قاعدة تمثلية عريضة ويخضع للسيطرة الحزبية ولا يبذل جهوداً كافية لإعادة تنظيم نفسه.
2 - هيئة التنسيق النقابية، التي مثّلت علامة فارقة بوضوح عن المشهد العام القائم واحتمالاته، وربما كانت بمثابة مفاجأة حقيقية، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في التحوّل إلى مركز نقابي وطني بديل من الاتحاد العمالي العام، وفشلت في التحوّل إلى نقابات وتوسيع قاعدة تمثيلها لتشمل المياومين والمتعاقدين في القطاعات التي تدّعي تمثيل العمال فيها، لا بل فشلت في المحافظة على زخم ضغوطها وسمحت مجدداً بالسيطرة عليها وترويضها. في الواقع، لا يزال مشروع السلسلة، وهو مطلبها الوحيد، معلّقاً، وبالتالي لم تحقق مطلبها فعلياً، بل عمدت مكوّناتها التي تجسد ائتلافاً حزبياً للقوى المسيطرة إلى إطاحة واحد من أهم رموزها (حنا غريب)، في إشارة واضحة إلى ميزان القوى الفعلي. أكسبت تحركات الهيئة بعض الفئات الاجتماعية الكثير من المعنويات. ولكن للأسف، لم تكن بنية هيئة التنسيق (المعلمون وموظفو الإدارة العامة) تسمح بتجاوز فئويتها، وهو ما جعل قوى أخرى تتردد في الانخراط في هذا التحرّكات، ما أسهم بإجهاض هذا الملمح وتحويله من إيجابي إلى سلبي.
3 - حركة المياومين والمتعاقدين في إدارات الدولة ومؤسساتها. وهي حركة بقيت خاضعة بدرجة عالية للزبائنية، وبالتالي، على الرغم من شراسة المعركة التي خاضها المياومون في مؤسسة كهرباء لبنان، إلا أن هذه المعركة لم تؤسس لتنظيم نقابي قوي ومتسلح بالتجربة، بل رسخت الولاءات الزبائنية.
4 - معركة تأسيس نقابة عمال وعاملات «سبينيس»، وهي تجربة جديرة بالملاحظة، إذ بينت مدى الإمكانيات وصعوبتها (في آن واحد) على حثّ مجموعات من العمال للدفاع عن مصالحهم جماعياً وعبر التنظيم النقابي. إلا أنها بينت في المقابل الحاجة إلى أن يكون مثل هذا العمل محمياً بأطر سياسية مستعدة لتحويل نضالات العمال في مكان العمل أو في مكان العيش إلى نضالات عامة في وجه السلطة ومسؤولياتها، ولا سيما لجهة ضمان حرية العمال في التنظيم النقابي وحقهم بالمفاوضة الجماعية.
5 - حركة دعم حقوق العمال الأجانب، ولا سيما إعلان الهيئة التأسيسية لنقابة العاملات في الخدمة المنزلية، التي ترفض وزارة العمل ترخيصها. إن هذه التجربة بينت إمكانيات التعاون بين النقابات وتنظيمات المجتمع المدني الأخرى. لكن المشكلة الظاهرة أن هذه التنظيات حوّلت النضال الاجتماعي إلى نضال على القطعة أو بحسب توافر التمويل، الخارجي غالباً، وبحسب مشيئة مصادر هذا التمويل، وهي مشيئة تحابي رأس المال لا العمال.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | mzbeeb@
مجتمع واقتصاد
العدد ٣١٦٥ الاثنين ١ أيار ٢٠١٧
جريدة الاخبار

الى من بيده الامر

إرسال إلى صديق طباعة

ابراهيم الامين

p07_20141106_pic1كثيرون يحبون اليوم تعبير المقايضة. انه الحل السحري لحل ازمة المخطوفين من العسكريين لدى الارهابيين في جرود عرسال. وهناك اجماع لدى جميع القوى اللبنانية، ومن دون اي استثناء، بأن المقايضة امر مشروع ومرغوب اذا كان فيه خير للرهائن.
نحن اليوم، امام حالة خطف كاملة. لكن الجهة الخاطفة هي دولة فرنسا، والمخطوف هو المناضل جورج ابرهيم عبدالله.
لم نسمع في فرنسا اي اعتراض، لا من نوابها، ولا من غالبية قواها السياسية، ولا من قبل نخبها ومثقفيها واعلامييها. لكننا سمعنا تبريرات لحكومتها واجهزتها الامنية والقضائية (المستقلة جدا!). والنتيجة ان هناك قراراً رسمياً باستمرار احتجاز حرية عبد الله في سجون الارهاب الفرنسي.
يعني، اننا لم نعد في حاجة بعد اليوم، لا الى اعتصامات ولا الى مؤتمرات ولا الى محاكم هنا وهناك.
ببساطة، نحن في حاجة الى مقايضة من اجل تحصيل حرية عبدالله. وعليه، نقول منذ الان، اننا نقبّل الايدي التي ستحقق هذه المقايضة في أجل مكتوب!


سياسة
العدد ٢٤٣٧ الخميس ٦ تشرين الثاني

الحريري لعون: «حزب الله» مسؤوليتك

إرسال إلى صديق طباعة

كلما «التهمت» عقارب الساعة يوما في مشوارها نحو جلسة 31 تشرين الأول الرئاسية، يقترب كلٌ من العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري من مفترق الطرق، فإما أن يترافقا سويا إلى السلطة وإما أن يكونا على موعد مع «خريف ساخن» حيث سيتواجهان مجددا في معركة سياسية ـ شعبية ستكون هذه المرة مغايرة لما سبق.
ربما لا تبوح جلسة آخر الشهر باسم رئيس الجمهورية المنتظَر، لكن ما هو شبه أكيد أن الرابية تترقب أن يغادر الحريري المنطقة الرمادية إلى تلك البرتقالية في أسرع وقت ممكن، خصوصا أن مناصري الجنرال يعتبرون أنه أظهر الحد الأقصى من المرونة الممكنة لتسهيل مهمة الحريري، سواء في خطابه السياسي (مقابلة «أو تي في») أو في سلوكه العملي (حضور جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وتهدئة إيقاع التحرك الشعبي).
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» إن الحريري سيحسم قراره بدعم ترشيح عون عاجلا أم آجلا، لكنه يريد ان يأخذ الوقت الضروري لهندسة «الإخراج الآمن»، قبل أن يُبلِغ الرابية بقراره.
وأشارت المصادر إلى أن تمهل رئيس «تيار المستقبل» حتى الآن يندرج في إطار سعيه إلى تأمين أرضية ثابتة للقرار المفترض، من أجل تحصينه وحمايته، مستفيدا من دروس تجربة ترشيح سليمان فرنجية التي تعثرت نتيجة عدم تهيئة المناخ المناسب لها مسبقا.
وكشفت المصادر عن أن الحريري سيحاول الدفع في اتجاه حصر التفاهم الرئاسي بينه وبين عون فقط، على أن تكون المرحلة اللاحقة التي تلي تأييد الترشيح من مسؤولية الجنرال الذي يريد منه الحريري أن يتولى، هو، أمر التفاوض مع الحزب في شأن الترتيبات الأخرى ومن بينها ما يتعلق برئاسة الحكومة، بغية تخفيض أعباء فاتورة وصوله إلى السرايا قدر الإمكان.
وأوضحت المصادر المواكبة لكواليس تحرك الحريري أن رئيس «المستقبل» يخشى في حال إعلانه رسميا عن ترشيح الجنرال، من أن يطلب منه حزب الله بعد ذلك التفاوض على مسألة رئاسته للحكومة وأثمانها بشكل منفصل عن اتفاقه الرئاسي مع عون، في حين أن الحريري ليس مستعدا للالتزام بالشروط المسبقة التي قد يطرحها الحزب للقبول بعودته إلى السرايا.
ويفترض الحريري، وفق المصادر، أن مجرد قبوله رسميا بانتخاب عون رئيسا، خلافا لمزاج بيئته المحلية وربما الإقليمية أيضا، سيشكل بحد ذاته تنازلا سياسيا من الوزن الثقيل، يكاد يفوق طاقته على التحمل في ظل الظروف المحيطة به، وبالتالي لا يُمكنه أن يضيف إلى هذا الثمن الباهظ أي تنازل لاحق.

استعجال الراعي
وفي إطار استعجال حسم الخيارات والضغط لإنهاء التردد حيال خيار عون، اعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد أمس أنه وبعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ الهدام في سدة رئاسة الجمهورية، بات من واجب الكتل السياسية والنيابية أن تعلن بوضوح وتصارح، إيجابا أو سلبا، الأشخاص الذين صار ترشيحهم معروفا، منعا من رهن البلاد وشعبها ومؤسساتها للعبة سياسية نجهل أهدافها ومآلها. وتابع: لقد آن الأوان كي يفعلوا ذلك، ويتوجهوا إلى المجلس النيابي، ويجروا عملية الانتخاب وفقا للدستور وللنظام البرلماني الديموقراطي.

بري.. والدستور
أما الرئيس نبيه بري، فقد أكد أمام زواره أمس أنه لم يعد لديه ما يضيفه في الشأن الرئاسي وهو الذي أدلى بدلوه في «السلة» الشهيرة، قائلا: يدعون إلى الالتزام بالدستور، وأنا كنت ولا أزال ملتزما به من خلال مواظبة كتلة التنمية والتحرير على المشاركة في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وسنظل ننزل حتى يطلع (رئيس الجمهورية).

معلومات سلام
وفي سياق متصل، قال الرئيس تمام سلام أمام زواره أمس إن معلوماته تفيد بأن المساعي لانتخاب الرئيس جدية وقطعت شوطا، لكن لا نتائج فعلية حتى الآن، ولا نعلم إذا كانت ستنتج أم لا، ومتى ستنتج وكيف. هناك صعوبات نأمل في تذليلها، وكل الدول الصديقة للبنان تقول لنا اتفقوا أنتم لندعم اتفاقكم، ولا يريد أحد أن يفرض على لبنان شيئا.

الجلسة التشريعية
استحقاق آخر، ينتظر الساحة الداخلية وهو تشريع الضرورة الذي يبدو بري مصمما على المضي فيه هذه المرة حتى النهاية، متى توافر النصاب النيابي القانوني، لإقرار مجموعة من القوانين الملحة التي لم تعد تطيق الانتظار، لا سيما على المستوى المالي.
وتواجه الجلسة المفترضة خطر مقاطعة بعض القوى المسيحية والسياسية لها، في حال لم يتضمن جدول أعمالها قانون الانتخاب، وفق ما يطالب به «التيار الحر» و «القوات اللبنانية».
وردا على سؤال حول احتمال إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية المتوقع انعقادها مع بدء العقد العادي للمجلس في منتصف الشهر الحالي، أكد بري انفتاحه المبدئي على هذا الطرح إذا توافرت شروطه الدستورية، قائلا: فليتقدموا بمشروع وأنا مستعد بعد مروره في الأقنية الضرورية للدعوة إلى جلسات متلاحقة من أجل بته، أما المشاريع المطروحة فلم يُقر أي منها في اللجان المشتركة وبالتالي لا يمكن عرضها على الهيئة العامة.
في المقابل، أبلغت مصادر حزبية مسيحية «السفير» أن عدم وضع قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية سيدفع «التيار الحر» و «القوات» إلى مقاطعتها حُكما.
ودعت المصادر بري إلى عرض المشروع المختلط المقدم من «القوات» و «المستقبل» و «الاشتراكي» على الهيئة العامة، معتبرة أن القول بعدم عبور أي من المشاريع المقترحة اللجان المشتركة لا يبرر التهرب من طرحها على الجلسة العامة، لأن المجلس النيابي هو سيد نفسه، وقانون الانتخاب الجديد بات يشكل أولوية ملحة لا تحتمل المزيد من التأجيل.
وأعربت المصادر عن تخوفها من أن تصبح العودة إلى قانون الستين أمرا واقعا في نهاية المطاف، ملاحِظة أن الجميع يرجم هذا القانون، لكن الجميع يدفع في الوقت ذاته نحو الإبقاء عليه.
وفي حين رجحت المصادر المسيحية أن يقاطع «المستقبل» الجلسة التشريعية المرتقبة، ما لم تتضمن قانون الانتخاب، انسجاما مع التزام سابق صادر عن الحريري بهذا المعنى، قالت أوساط بارزة في «المستقبل» لـ «السفير» إن الاتجاه الغالب لدى الكتلة النيابية الزرقاء هو نحو المشاركة في الجلسة التشريعية التي لن تكون عادية بل ستناقش مشاريع حيوية لا يمكن إهمالها.

 10/10/2016

JPAGE_CURRENT_OF_TOTAL