كل يوم تشريعي يمر في المجلس النيابي يكشف عن عورات كبيرة راكمها النظام السياسي. ليس تفصيلاً أن تكون أغلبية البنود التي يتضمنها جدول أعمال الجلسات التشريعية، التي تعقد منذ أن أعيد إحياء المجلس، تتعلق بتسوية أوضاع عمال وموظفين وأصحاب حق ظلموا لسنوات طويلة. كان دائماً يسود اتجاهان في المناقشات، الأول يعطي الأولوية لإنصاف من هدرت حقوقهم، والثاني يركز على تكبير حجم المخاطر على الاقتصاد الوطني. ولكن لا أحد يقول لماذا هدر حق الموظفين في الأساس، ومن قرر حرمانهم من مستحقاتهم ولماذا، ومن يتحمل مسؤولية ضرب القطاع العام لمصلحة الإدارات الرديفة، ومن قرر استغلال جيش المتعاقدين والمياومين والأجراء لتلبية حاجات سياسية تضمن ولاءهم الدائم إلى من أمّن لهم مورد رزقهم.
ليست حكومات الرئيس رفيق الحريري وحدها المسؤولة عن «الإرث الثقيل»، إنما كل الكتل النيابية والقيادات التي حكمت منذ ما بعد اتفاق الطائف وحتى الأمس.
بعض هؤلاء تنبه إلى خطورة ما ارتكبت يداه، فيما البعض الآخر اعتمد الهجوم وسيلة للدفاع. وبدلاً من أن يسعى إلى التكفير عن ذنبه صار يحاضر بحماية الاقتصاد والتحذير من أخذ البلد إلى الهاوية والإفلاس. مع ذلك، فإن ما يجري منذ أسبوعين يوحي أن قطار عودة الحق إلى أصحابه قد انطلق ولن يتمكن أحد من إيقافه، مهما حاول البعض شيطنته والإيحاء أن حقوق الموظفين لن تكون إلا على حساب باقي المواطنين. تلك المعادلة التي توضع تحت المجهر منذ أيام، بدأت تؤتي ثمارها لدى كثر. ذلك استدعى تعديلاً بأهداف «هيئة التنسيق النقابية»، التي تخلت عن ثابتة «المطالبة بحقوق العمال من دون أن تكون معنية بكيفية تأمينها». انتقلت إلى التحذير من تحميل الفقراء مسؤولية التمويل والاستمرار بحماية «حيتان المال» ومصالحهم.
إصرار على «السلسلة»
قبل أن يغرق متطوعو الدفاع المدني في البحر الذين لطالما أنقذوا منه أرواحاً، كان المجلس يقر قانون تثبيتهم. انضمّوا إلى القافلة التي أنصفت المياومين، فيما كانت سلسلة الرتب والرواتب تأخذ جرعة دعم من رئيس المجلس النيابي الذي أصرّ على عقد جلسة للجان المشتركة بعد ظهر أمس، مؤجلاً اكتمال جدول أعمال الجلسة التشريعية إلى اليوم.
قبل ذلك، كان بري قد مهّد لجلسة اللجان بإيفاد النائب علي بزي للقاء وفد من هيئة التنسيق ومعاتبتها على مواجهة المساعي الجدية التي تبذل لإقرار السلسلة بالتصعيد. لم ينته اللقاء إلا وكان الطرفان قد اتفقا على أن يكون الموعد الفاصل هو مساء الأحد المقبل، بحيث تلتزم الهيئة بتجميد كل قراراتها التصعيدية حتى ذلك الحين، مقابل سعي المجلس النيابي خلال المهلة نفسها إلى تحويل المشروع إلى الهيئة العامة. وبالفعل، بدا أمس أن ما اتفق عليه في الاجتماع مع بزي، أخذ طريقه نحو التنفيذ: اعتصام هادئ لهيئة التنسيق النقابية قابلته جلسة ماراتونية للجان المشتركة تخطت الخمس ساعات، أوحت بأن الأسبوع لن ينتهي إلا و«السلسلة» قد وصلت إلى محطتها الأخيرة في الهيئة العامة لمجلس النواب.
استنفار مصرفي
داخل الجلسة، كان التنشج يصل إلى أبعد مدى عند من ظنّ أن الخيمة التي وضعت فوق رأس المتمولين الكبار ستبقى إلى الأبد. وربما لأول مرة في تاريخ الجمهورية كانت الضريبة تطال أصحاب الريوع بشكل مباشر. ذلك استدعى تدخل مدراء وأصحاب المصارف، من خلال اتصالات أجريت مع عدد من المشاركين في الجلسة. كان الوزير علي حسن خليل بالمرصاد، فلم يتراجع عن اقتراحاته التي تطال أرباح هؤلاء، بالرغم من معرفته بحجم الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها على أكثر من مستوى. وبعد معركة شد حبال، لم ترفع الجلسة إلا وكانت ثلاثة إنجازات قد تحققت: أولها زيادة الضريبة على فوائد الودائع من 5 إلى 7 بالمئة (تقدر عائداتها بنحو 220 مليار ليرة). ثانيها دفع المصارف لرسوم مماثلة بعد أن كانت تتهرب منها من خلال حسمها من ضريبتها على الأرباح. وثالثها استيفاء الرسوم من الشركات المدرجة في البورصة بعد أن كانت معفاة من الضريبة. كذلك، فقد أقرت مضاعفة الغرامات على الأملاك البحرية، قبل أن ترفع الجلسة إلى الثالثة من بعد ظهر اليوم.
وفي كل الحالات، لم يتوهم أحد من المرحبين بهذه الرسوم، بأن هذه «المنجزات» ستتم المحافظة عليها بسهولة عندما يطرح المشروع في الهيئة العامة. هناك ستكون المعركة أعنف بأضعاف، خاصة أنه يتوقع أن تعمد الهيئات الاقتصادية ومن يدعمها من الكتل إلى استنفار قواها من الآن وحتى ذلك الحين، إلا أن ذلك سيعني وضع النواب أمام خيارين: حماية مصالح الفقراء وذوي الدخل المحدود، وهم الأغلبية الساحقة، أو حماية من تسميهم هيئة التنسيق بـ«حيتان المال» وهم أقلية.
وللتذكير، فإن أرباح المصارف السنوية تصل إلى نحو مليارين و300 مليون دولار، وإذا أقرت الرسوم فإن هذه الأرباح ستنخفض نحو 150 مليون دولار فقط.
الركض نحو الهاوية
على جبهة متطوّعي وأجراء ومتعاقدي الدفاع المدني، الذين كانوا يتحضّرون للاحتفال بتثبيتهم بعد وعود وإشارات عديدة من النواب، كان الرئيس فؤاد السنيورة يحذر، في الجلسة التشريعية، من الركض نحو الهاوية، منتقداً تفصيل القوانين على القياس «كمن يفصل بدلة تناسب زراً».
ومن بوابة إقرار المشروع المتعلق بتعيين أساتذة الثانوي من الناجحين في المباراة المفتوحة التي أجريت في العام 2008، انتقد من يريد أن يعين كل الناس في الدولة من دون أن يسأل عمن يدفع الثمن. وأشار إلى تفهمه أنه «يجب أن ننصف العاملين في القطاع العام لكن ليس على حساب 4 ملايين لبناني».
أما لدى مناقشة قانون الدفاع المدني، فقد حذر السنيورة من الموافقة على جهاز جديد بالكامل وكأنه جيش صغير. وقال إن عمل الدفاع المدني يجب أن يكون عملاً تطوعياً وليس وظيفة لقاء أجر، معلناً أنه لا يوافق على إيجاد هذا الجهاز في الدولة اللبنانية.
هذه المداخلة جعلت الرئيس نبيه بري يعود إلى الأصل، إلى ضرورة إيقاف مبدأ التعاقد نهائياً والعودة إلى التوظيف بحسب حاجة الدولة ووفق الأصول المرعية، معتبراً أن ذلك إذا حققته الحكومة فيكون بمثابة الخطوة الإصلاحية الأولى.
وعند بدء مناقشة قانون الدفاع المدني، أشار بري إلى إرسال وزير الداخلية نهاد المشنوق لسلسلة تعديلات على القانون عبر الأمانة العامة لمجلس النواب. إلا أنه كان لافتاً اعتراض النائب جورج عدوان على عدم حضور المشنوق، مشيراً إلى أنه «لا يمكن أن يطرح ملاحظاته على ورقة بعدما أعطيناه أسبوعاً لدراسة المشروع». وعلى الأثر، برر رئيس الحكومة تمام سلام غياب وزير الداخلية باحتمال أمر أمني معين، طالباً انتظاره.
في هذه الأثناء، ناقش المجلس إعطاء فروق تعويضات الصرف ومعاشات التقاعد لموظفي الملاك الإداري أسوة بالعسكريين، إلا أن الاقتراح لم يقر، بعدما تخوف بعض النواب من أن يشكل ذلك باباً لمطالبات جديدة. وبعد سقوطه، استغرب النائب سامي الجميل عدم مدافعة الموقعين على الاقتراح عنه.
بعد ذلك، سأل النائب علي عمار عن «الوقت الذي يجب أن ينتظر المجلس النيابي جلالة قدره وزير الداخلية؟»، فردّ بري بالقول: سبق وأجلنا مواضيع عدة لساعة أو اثنتين.
«التطوع أفضل»
بعد عودة وزير الداخلية طرح الاقتراح مجدداً، فقال المشنوق: العدد يفوق 3200 متطوع وروح القانون هو بتحويل المديرية العامة للدفاع المدني الى نظام شبه عسكري، وهذا الأمر سينتج أعباء مالية كبيرة على الدولة وسيفقد المتطوع صفة المتطوعية، اذ سيصبح موظفاً مع الاعتراف بخدماته طوال فترة تطوعه.
وبعد خلاف على تصنيف الدفاع المدني إن كان مؤسسة شبه عسكرية أو مدنية، أوضح النائب نواف الموسوي أن البحث يجب أن يكون من زاويتين: موجبات الدفاع الوطني وإنصاف الذين قدموا واجباتهم في الدفاع الوطني، بغض النظر عن التسمية.
ودعا كل من النواب: هادي حبيش، حكمت ديب، ابراهيم كنعان، جورج عدوان، ألان عون وحسن فضل الله، إلى إقرار القانون. فيما أضاف فضل الله مطلباً آخر تمثل بالدعوة إلى إنصاف موظفي وزارة الإعلام.
وقبل التصويت على القانون، طرح المشنوق التعديلات التي كان قد اقترحها، ولاسيما إضافة بند خامس على المادة الرابعة وجاء في التعديل: يبقى في الخدمة، وبالصفة التي هم فيها إلى حين انتهاء خدماتهم لأي سبب كان، المتعاقدون والأجراء الموجودون في الخدمة بتاريخ صدور هذا القانون، والذين رسبوا في المباراة المحصورة التي أجريت لهم أو لم يشتركوا فيها لأي سبب كان.
كما اقترح الناب أيوب حميد إلغاء المادة التاسعة التي تنص على استفادة الذي سرحوا من الخدمة لبلوغهم السن القانونية من مواد هذا القانون لجهة الحقوق التقاعدية والمنافع والخدمات.
وقد أخذ النواب بالاقتراحين المقدمين، إضافة إلى تعديلات بسيطة أخرى، قبل أن يطرح القانون على التصويت فيُقر (النص المعدل لقانون تثبيت متطوعي وأجراء ومتعاقدي الدفاع المدني).
مطمر الناعمة
قبل رفع الجلسة إلى صباح اليوم، أقر اقتراح قانون إعطاء حوافز مالية للبلديات المحيطة بمطمر الناعمة بعد تعديله ودمجه باقتراح القانون المتعلق بإعفاء البلديات المتضررة مباشرة من المطمر من الديون المستحقة عليها للنظافة (النص الكامل للقانون المتعلق بإعفاء البلديات المتضررة من مطمر الناعمة ). كما اتفق على أن تقتطع الحوافز المقدرة بخمسة ملايين دولار من حصة البلديات المستفيدة من المطمر في الصندوق البلدي المستقبل، بحيث تدفع لبلديات عبيه وعين درافيل الناعمة، وبعورته والبني والشويفات والمشرف.
«أفكار» جنبلاط لتأمين موارد.. ومعالجة الفساد
قدّم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط «جملة من الأفكار التي قد تفيد النقاش في تحديد موارد تمويل سلسلة الرتب والرواتب، ومعالجة مكامن الهدر والفساد في الدولة».
ولخص جنبلاط هذه الأفكار بالتالي:
÷ كشف المؤسسات والأفراد المتخلفة عن تسديد الضرائب، وتلك المكتومة، وتحسين الجباية.
÷ ضبط الهدر والفساد في الجمارك لتحقيق ارتفاع جدي في الواردات.
÷ ضبط النفقات غير المجدية في الصحة والتربية، وفرض رقابة جدية على وكلاء الأدوية والفواتير الاستشفائية وتعزيز دور المستشفيات الحكومية وتوحيد التعرفات الطبية والاستشفائية بين المؤسسات الضامنة لتوفير الأموال وتقليص الفواتير.
÷ الاستفادة من المحفظة العقارية العائدة للدولة والتي تقدر بنحو 48 ألف عقار، منها حوالي 18 ألف عقار مفرز، بالإمكان تأجيرها وتحقيق عائدات منها. والاستفادة منها أيضا لبناء مجمعات وزارية ووقف بدعة إيجار المباني الحكومية والإدارات العامة.
÷ اتخاذ قرارات جذرية في ملف الطاقة والكهرباء، وإيجاد الحلول الجذرية للكهرباء.
÷ ضرورة الإفراج عن مشروع قانون الأملاك البحرية لتحقيق مداخيل كبيرة.
÷ ضبط وتنظيم لوحات السيارات العمومية، وإعادة النظر بقطاع النقل العام والنقل المشترك ككل.
÷ البحث في الرسوم التي يمكن فرضها على البيوعات العقارية والصفقات الكبرى.
÷ مكننة الضمان الاجتماعي لتسريع المعاملات الإدارية وتقديم المزيد من الخدمات.
÷ إقفال بعض السفارات اللبنانية في الخارج حيث لا جاليات لبنانية كبيرة وتجميعها في دول مجاورة.
÷ التأكيد على الإصلاح الإداري في كل المرافق العامة والحكومية، ودعوة كل وزير لمكافحة الفساد داخل وزارته.
÷ توحيد الرواتب بين موظفي القطاع العام والحد من التفاوت الهائل الحاصل بين موظفي المجالس والمؤسسات العامة وموظفي الإدارة العامة والوزارات.
÷ دراسة ملف تخمة العمداء في الأسلاك العسكرية.
÷ البحث مجدداً في إعفاءات النواب من الجمارك لسياراتهم ولعددٍ من الامتيازات الأخرى التي ينالونها كالسفر وسواها.
÷ دراسة وضع لجان التخمين العقاري حيث يتم التلاعب بالتخمينات وتقديرها.
كما أعلن جنبلاط ان «الاشتراكي سيقدم قريباً مبادرة في اتجاه هيئة التنسيق النقابية تأكيداً منه على الالتزام بمطالبها المشروعة، مع الأخذ بالاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمالية ووضع الخزينة والمالية العامة».
إلغاء «تأديب الأطفال»
أقدم مجلس النواب أمس على خطوة إيجابية على صعيد تعزيز حقوق الطفل عبر إلغائه المادة 186 من قانون العقوبات التي كانت تتيح للأهل والأساتذة إنزال ضروب التأديب بالأولاد. ويأتي إلغاء المادة بعد 24 عاماً على تصديق لبنان اتفاقية حقوق الطفل في العام 1990 التي تمنع ممارسة اي عنف على الاطفال تحت سن 18 سنة من اي جهة كانت.
وكان النائب سيمون أبي رميا قد تقدم امس باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى تعديل المادة 186 من قانون العقوبات، ونص الاقتراح على مادة وحيدة تلغي البند الأول من المادة 186 وتستبدله بـ:«يجيز القانون: ضروب التأديب التي ينزلها بالاولاد ذووهم على ان لا تترك أي اثر على جسد الاولاد او تحدث ضررا في صحتهم الجسدية او النفسية».
واعتبر النائب مروان حمادة ان القانون يجيز التأديب من دون الحاق أذى نفسي وجسدي بالاولاد. وعلق النائب نقولا فتوش على فكرة السماح بالتأديب دون ترك أذى جسدي ونفسي، واقترح النائبان ايلي كيروز ومحمد حجار إلغاء المادة كلها، وايد الاقتراح الرئيس نبيه بري وطرحت على التصويت، فصدق الإلغاء.
ويأتي إلغاء المادة 186 على خلفية حوادث تعنيف الأولاد سواء في المدارس على أيدي المعلمين او في المنازل.
جريدة السفير
تاريخ المقال: 10-04-2014