You are here: الصفحة الرئيسة

Harakat Al-Shaab - حركة الشعب -لبنان

إسرائيل وتسعير الفتنة العربية: التاريخ يشهد.. ومستمر

إرسال إلى صديق طباعة

حلمي موسى

أقرّ بحثٌ أجراه الدكتور أوري ميلشتاين، ونَشرت مقاطع منه صحيفة «معاريف»، باستغلال الكيان الإسرائيلي الظروف والخلافات الداخلية العربية من أجل ترسيخ مكانته الإقليمية وتعزيز قوته الاستراتيجية. وليس صدفةً أن يُكثر رئيس حكومة العدوّ الأشدُّ يمينية في تاريخ الدولة العبرية هذه الأيام من الحديث عن السلام مع الدول العربية، ويُطالب أوروبا بالتعامل مع الكيان الإسرائيلي كما تتعامل معه دولٌ عربية. ومعروفٌ أن بيئة الخلافات الداخلية العربية تسمح للعدوّ بأن يلعب أدواراً في التحريض والتشجيع والتعزيز لقوى على حساب قوى أخرى. وتجاربُ التاريخ تشهد.
وتحت عنوان «القصة المفاجئة للسنوات العشر الهادئة الوحيدة التي عرفها الكيان الإسرائيل»، كتب ميلشتاين أنه طوال أكثر من 68 عاماً هي عمر الكيان العبري، نالت 11 سنة هدوءاً أمنياً فقط، ليس بعدم وقوع حروب فيها، بل لم تكَد تقع فيها عمليات فدائية. ورأى أن تلك الفترة كانت من نهاية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحتى عدوان حزيران 1967. واستثنى من ذلك انطلاقة المقاومة الفلسطينية مطلع كانون الثاني 1956، التي رأى أنها «أساءت إلى الوضع قليلاً». وحاول دراسة سبب حدوث ذلك في واقع معادٍ عاشه الكيان الإسرائيلي.
وأشار إلى أنّ العدوان الثلاثي كان مؤامرةً بين إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، لإعادة سيطرة الأوروبيين على قناة السويس وتدمير السلاح التشيكي الذي اشترته مصر وضمّ أجزاء من سيناء إلى إسرائيل وإسقاط النظام الناصري في مصر. وقد فشلت هذه المؤامرة بفضل ظروف عربية ودولية، خصوصاً الموقف الأميركي الرافض لهذه المؤامرة. وفي كل الأحوال، تبنّت إسرائيل في تلك الفترة استراتيجية تأجيج الخلافات في العالم العربي.
وبحسب ميلشتاين، فإن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي خبر الحرب مع الإسرائيليين عام 1948 في الفالوجة وعام 1956، كان يعرف المستوى المتدني للقادة العسكريين المصريين. لكنه أدرك أنه في الوسع التغلب على إسرائيل حربياً وتدميرها، إذا تمّ بناءُ جيشٍ قويّ وناجع على مدى فترة طويلة بمساعدة سوفياتية. وبحسب التقديرات والمعلومات التي توفرت للإسرائيليين، فإن في الوسع محاربة إسرائيل في عام 1970. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، كان ينبغي وقف الأعمال الفدائية من قطاع غزة وسيناء لسحب الذرائع من الإسرائيليين لمهاجمة مصر. وكان هذا أحدَ أهمّ أسباب الهدوء على الحدود في تلك الفترة.
وأوضح ميلشتاين أنّ بن غوريون كان من أنصار أرض إسرائيل الكاملة، إلا أنه كان يُدرك صعوبة تحقيق ذلك دفعةً واحدة. لذلك طوّر نظرية المراحل وانتظار الفرص. وقد تراجع بن غوريون عن فكرة أرض إسرائيل الكاملة، بعدما لاحظ إثر حرب 1956 أن العالم لن يسمح له بذلك وأمره بالانسحاب وتفكيك مستعمرتين أقامهما في شرم الشيخ ورفح. ولذلك قررت حكومة العدو مطلع الستينيات الاكتفاء بحدود الهدنة في عام 1949 والاستعداد لقبول السلام مع الدول العربية على أساسها، ومحاولة تجنب الحروب عبر إشعال الصراعات بين العرب.
وفي عام 1962، وقعت أزمة اليمن إثر إطاحة نظام الإمامة هناك وإعلان الجمهورية. وقادت هذه الأزمة إلى صراع بين الملكيين والجمهوريين، وبين مصر والسعودية، حيث دعمت كل منهما الطرف الأقرب إليها. وهنا حانت الفرصة للإسرائيليين، فقد أرسلت مصر جنوداً لدعم الجمهوريين. وبحسب أحد كبار باحثي الحروب في إسرائيل، فإن «عبد الناصر تورط في الأوحال اليمنية أيضاً بفضل المعونة الإسرائيلية، حيث كانت تسقط في الفترة بين 1964 و1966 بالمظلات، وبتنسيق مع جهاز الاستخبارات البريطاني، أسلحة للملكيين في عمليتين سُمّيتا صلصلة وتشجيعاً».
وبحسب ياعيل بار وليئور أستلاين، في مقال نشره في مجلة سلاح الجو الإسرائيلي، فإن «العملية تمّت تحت ستارٍ كثيف من السرية، لدرجة إجبار كل المشاركين فيها على التوقيع على تعهد بأن لا يتحدثوا عنها طوال حياتهم. وداخل سلاح الجو، انشغل بالتخطيط المقدم زئيف ليرون، الذي كان رئيساً لجناح الاستخبارات، والعميد ياك نبو الذي رئِس جناح الجو».
وبحسب الباحثين، فإنه خلال عمليات الإنزال الجوي اقترح المُنسّق البريطاني، طوني بويل، أن تقصف الطائرات الإسرائيلية مطار صنعاء. وقد وافق قائد سلاح الجوّ الإسرائيلي حينها، عيزر وايزمان، على التنفيذ، لكن رئيس الحكومة حينها، ليفي أشكول منع العملية. وقد تورط الجيش المصري في اليمن حيث كان له قبل حرب حزيران هناك ما لا يقل عن 70 ألف جندي. ولكن حرب اليمن زادت الصراع في المنطقة العربية، خصوصاً بين الأنظمة المحافظة كالسعودية والأردن، والأنظمة التقدمية كمصر وسوريا والعراق.
ولم تتوقف المعونة الإسرائيلية عند حدود الملكيين في اليمن، بل تعدتها إلى مساندة الكُرد في العراق بالتنسيق مع نظام الشاه في إيران ضد الحكومة العراقية. وكان ميلشتاين قد نشر قبل مدة كيف أفلح العميد تسوري شاغي الذي قاد قوات كردية، في تدمير لواء عراقي كامل قبل حرب 1967، وتدمير فرقةٍ كاملة بعد الحرب.
وإلى جانب ذلك، أنشأت إسرائيل قبل قيامها وبعد ذلك، علاقات معقدة مع كل من الملكين الأردنيين عبد الله الأول وحسين. وفي نظر ميلشتاين، كان يجري تشويش هذه الوقائع من خلال حدوث معارك.
وينقل ميلشتاين عن البروفسور موشي غات، أنه بعدما عجزت سوريا عن إقناع الدول العربية في مطلع الستينيات بتبني موقفها من تحويل مجرى نهر الأردن، قررت انتهاج استراتيجية العمل غير المباشر، وذلك بتشجيع ورعاية منظمات فلسطينية للعمل ضد إسرئيل. ويقول باحث آخر إن سوريا وحركة «فتح» توصلتا إلى تفاهم في عام 1963 بهذا الشأن. ويعتقد أن أعمالاً فدائية برعاية سوريا عبر الأردن كانت من بين العوامل التي قادت إلى حرب 67.
ويشدد ميلشتاين على أن تعيين إسحق رابين رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي تمّ على خلفية تقدير أنه لن تنشبَ حرب في ولايته، فهو غيرُ مناسب لقيادة الجيش في حرب لكنه الأنسب لإعداد الجيش لحرب تشنّ في عام 1970. ولكن الانقلابات في سوريا التي أوصلت مجموعة من البعثيين الذين عدّتهم إسرائيل متطرفين، قادت إلى تصعيد ميداني. ووقعت الحرب أملاً إطاحةَ نظام البعث في سوريا، بعدما أقدمت إسرائيل على مجموعة خطوات ضد النظام.

 6-10-2016

إلى عون ونصرالله: أوقِفا مشروع التقسيم!

إرسال إلى صديق طباعة

ابراهيم الأمين

على عتبة جهود حثيثة، لإنتاج قانون انتخابات يحضّر البلاد والعباد لحرب أهلية جديدة، ويودي بهم في أتون حريق المنطقة المستعر، وجب مرة جديدة، وفي كل مرة يتاح لنا ذلك، رفع الصوت في وجه من بيده الأمر فعلياً، ورمي الحجة على من يقدر على منع انهيار الجدار الأخير!

 

■ ■ ■

 

إلى الجنرال،
لتكن هذه رسالتي الأخيرة لك، لو أردتها أنت كذلك. ولكن، ليكن صوتي خارجاً من قلب معصور بالقهر والخوف والغبن.
لتكن الأخيرة، ولو أردتها أنت ورقة مهملة، ترمى مع وعود وآمال.
لتكن الأخيرة، ولو أراد بعضهم أن تكون كذلك، علهم يرتاحون في أمكنتهم الضيقة، كعقولهم، وليذهبوا إلى الجحيم، مع أفكارهم القريبة من نسب الشيطان.
لتكن الأخيرة، ولو تمنى بعضهم أن تكون صرخة ما قبل الموت، علّ الصمت يسود بعدها، فلا أنين، ولا صراخ، ولا حتى مناجاة للإله...
لتكن الأخيرة، ولو حجبوها عنك، أو أرفقوها بتفسيرات الخبثاء الذين ما تركوا يوماً القصور، ولا غادروا البلاط،
لتكن الأخيرة، ولو جاء المبشّرون الجدد، يحملون أطماعهم، ويسمونها صليب المضحي من أجل الآخرين.

 

لتكن الأخيرة، ولو أحرقها قسيس يسرق طعام الفقراء، ثم يسبقهم إلى كرسي الاعتراف، ولا يكف عن الخطيئة.
لتكن الأخيرة، وافعل بعدها ما شئت، اقرأ الحروف، حتى ولو كان هناك من يبذل كل حقارته لمحوها، وانظر إلى العبارات، حتى ولو جاءك من لم يقرأ تاريخ أهله، ولا تاريخ شعبه، ولا تاريخ بلده، ولا يرى إلا بعيون الماضي التعيس، حيث الانطواء، حيلة الجبناء والمستسلمين.
لتكن الأخيرة، حتى ولو عمد من يسكن حديقتك الخلفية، يحمل سيفك، ليضرب به رعاياك، ويصرخ بهم: أنا ربكم الأعلى، هاتوا رجالكم كي يشكروني، وهاتوا نساءكم كي أسبيهن، ولا تنجبوا إلا من تضمنون أن يكون خادماً لي، ولذريتي من بعدي حتى نهاية الحياة!
بالقرب منك، ترتكب اليوم جريمة لا قيامة من بعدها، إلا بالحديد والنار. وباسم صليبك، يبتدع أهل الأقنعة إنجيلاً زائفاً لتمييز الناس كأننا في زمن الرق والعبيد. ويتكاثر بائعو الأوهام، والآخذين للناس إلى حفلة انتحار جماعية باسم الخوف!

 

■ ■ ■

 

إلى السيد حسن،
وهذا أيضاً، نداء أخير.
أيها الوارث لدماء الشهداء، والرافض أن يبيع نفسه لغير خالقه، والمنتصب أعلى من قامته، والباقي برغم أنوف الجميع، أفضل الناس عندنا، وأقربهم إلى فكرة الحق، ورفض الظلم، وكيد المعتدين،
ما الذي يجعلك راضياً بما لا يقبل به مولاك ولا رسله ولا الصالحون؟ وما الذي يمنعك من رفع صوتك، لا إصبعك، في وجه جيل جديد من الكذابين وسارقي الأحلام؟
ما الذي يجعلك تقبل بأن يقهر بعض الناس بعضهم الآخر؟ وما الذي يجعله عندك أمراً محمولاً، وكأنه ابتلاء، وهو ليس كذلك؟ فهل صنّف الله خلقه بين قاهر ومقهور إلى يوم الدين؟
كيف يمكن مَن واجه أعتى الظالمين، أن يخشى ظلم الأقربين، وأن يواصل الصمت عن فاسدين، إن تركناهم، سيظلون على ما ألفوا إلى يوم الدين؟
ليس الأمر بانفعال أو مشاعر غضب. وليس الأمر بابتزاز يقوم به من يظهر أنه عاش مع الحق حتى متى تمكن صار من خصومه. وليس في الأمر انسحاباً من معركة طويلة وكبيرة، لمصلحة إشكال صغير هنا أو هناك.
إن ما يشهده لبنان، اليوم، سيكون عنواناً لدمار ما بقي من هيكل أجبر الغزاة على تركه صاغرين. لكننا أودعناه بأيدي من ليسوا أهلاً لحكم دسكرة نائية، ولا هم بأهل لثقة استغلوها لقتل الكرامة في الإنسان، قبل الطموح والرغبة في الأفضل.
المظلومية ليست قدراً، والتضحية ليست مساراً لا نهاية له مع الظالمين، وليس صحيحاً أن الصمت لأجل خدمة بقية الله، يستوجب هذا القدر من المسامحة، وهذا التبسيط في قدر ما يخطط له مجانين العصر.
إن مشروع القانون الفتنة لا يصلح خراباً في نفوس مريضة، ولا يقفل باب الخوف، إلا على مزيد من الخوف، فيتحول صاحبه مجنوناً متطيراً، لا يفيده سوى الانتحار، وهو فعل الشيطان لا فعل المؤمنين.
إن الصمت عن تصرف صبية يعيشون عمر الطيش، وأحلام السراب، لا ينفع في حماية الشباب الذين لا ينامون من أجل هناء الآخرين، ولا في تكريم عائلات تبذل خيرها في سبيل كرامة الآخرين.
إن الموافقة على قانون الخراب الكبير ليس له ما يبرره أمام الخالق ولا أمام عباده، بل فيه انكسار ليس من شيمك، وفيه تنازل لمن يمنّن الآخرين ويقايض كرامتهم ودماءهم بسلطة آيلة إلى الزوال، اليوم، أو بعد حين،
وهي موافقة، إن حصلت، ستكون ظلماً، معروفاً ولو لم يكن مقصوداً، لآخرين لهم الحق في العيش الكريم من دون شروط.
كيف لنا أن نقبل، بعقل يقابل التكفير بتكفير، ويرى أنه لا يقدر على العيش مع الآخرين، فقط لأنهم ولدوا من أهل لهم ديانات أخرى؟ وكيف لنا أن نغطي المجانين الجدد الذين لم يفهموا بعد أنّ القهر لا يولّد سوى القهر، وأنّ الفوضى قبل الثورة هي الملاذ الأخير للمظلومين؟!

 

■ ■ ■

 

أما أولئك الذين يقبضون على شرايين البلاد والعباد، والذين لم يرتاحوا من قهرنا، ومن قتلنا، ولم يشبعوا من جلدنا، وجهلنا، وقهرنا…
ألا تتعبون من جمع المال؟ ألا تشعرون بالتخمة من تحيات وانحناءات زائفة؟ أليس لديكم غير قهر تورثونه؟ أم أنكم تتلذذون بسطوة تعطونها للأبناء والأحفاد لأجل قهر الآخرين؟
ماذا يبقى لكم بعد كل الذي حصل؟ وماذا تتركون لمن يحملون أسماءكم وبقيتكم في الأرض؟ ألا تسألون سلالات الأولين عمّا جمعه آباؤهم؟
هل لديكم اتصال بالعالم الآخر؟ هل قال لكم راحل من أترابكم إنه لا يزال الأول حتى بين الميتين؟
ألا تتذكرون أيام كنتم أحراراً، يوم ولدتم، ويوم عشتم شباباً ترفضون قيود الأهل والقبيلة؟
ألا تتفكرون كيف تعيشون الآن؟ حيث الخوف رفيقكم الدائم، فلا نوم من دون حراس، ولا نزهة من دون أعين تمنع الحياة حيث تجولون، ولا طعام من دون ذائق انتحاري، ولا سعادة إلا على تعاسة الآخرين.
ما الذي يجعل واحدكم لا يقدر على أن يستيقظ لساعة واحدة، فيجمع أغراضه، أو ما يحتاج منها أصلاً لبقية عمره، ثم يبكي لعائلته، ويعتذر من ضحاياه، قبل الرحيل؟
ألا تعرفون، أنكم لا تتركون خلفكم، إلا الريح الصفراء، التي لا تترك لأولادكم وأحفادكم فرصة العيش من دون دماء؟

 

■ ■ ■

 

أما نحن، صنف الضحايا الذين يتكاثرون يوماً بعد يوم،
فلن نفوّض إلى الناطقين باسم الله حق إعدامنا،
لن نترك أبناءنا الذين اخترنا لهم الأسماء التي لا تميزهم، يعيشون الخوف من كنيتهم التي يراد لها أن تكون خطيئة أصلية لا نجاة منها.
لنا الحق، ليس بالصراخ فقط، بل بشتم المجانين الجدد، والتشهير بهم واحداً واحداً، والدعوة إلى مقاومتهم، بكل العنف إذا اقتضى الأمر، وبكل القسوة متى حان الوقت.
لنا الحق، في تعطيل ما يعدّ من قوانين مجرمة بحق الفرد والجماعات. ولنا الحق، في تحريض الناس، والأبناء، والأحفاد، على كرهكم، ورفضكم.
لنا الحق في دعوتهم إلى مواجهة فاصلة معكم، لا شفقة فيها ولا رحمة، إذ لا يبدو أنّ درس الحرب الأهلية قد أفادكم، وبينكم من يمنح نفسه صفات الأنبياء والقديسين!

سياسة
العدد ٣١٥٤ الثلاثاء ١٨ نيسان ٢٠١٧
جريدة الاخبار

سوريا: حراك سياسي لإحياء التهدئة

إرسال إلى صديق طباعة

لم يهدأ الكلام الحربي في الصحف الأميركية على الرغم من الإشارات التي وجهتها ادارة الرئيس باراك اوباما الى تحركها نحو تسليم «الملف السوري» بتعقيداته، الى الإدارة الأميركية الجديدة، اذ بادر وزير الخارجية جون كيري بالاتصال بنظيره الروسي سيرغي لافروف على الرغم من إعلان واشنطن قبل يومين، إنهاء التواصل مع موسكو حول الحرب السورية.
وبدا أن هناك مؤشرات تسوية ما، سواء بمبادرة كيري للاتصال بلافروف، او بإعلان الجيش السوري «تقليص» عدد الضربات الجوية والمدفعية على مواقع مسلحي المعارضة في الأحياء الشرقية في مدينة حلب، موضحاً أن قراره يأتي بعد التقدم الميداني الذي حققته وحداته مؤخراً، و «للمساعدة في خروج من يرغب من المواطنين باتجاه المناطق الآمنة».
اما المؤشر الثالث فتمثل في مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهما سيلتقيان أساسا خلال أيام قليلة، حيث بحث معه الملف السوري وشددا على ضرورة خلق ظروف لخفض توتر الوضع وحل المشكلات الإنسانية الحادة. وفي تأكيد إضافي على هذه المؤشرات، كثّف الأوروبيون حركتهم الديبلوماسية في ما بدا كمحاولة لإنعاش التفاهمات الروسية ـ الأميركية القاضية بوقف إطلاق النار في سوريا.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنه «مع استمرار عمليات القصف في حلب، سيزور جان مارك أيرولت موسكو اليوم الخميس وواشنطن يوم الجمعة، في إطار جهود فرنسا لتبني قرار لمجلس الأمن الدولي يمهد الطريق أمام وقف إطلاق النار في حلب ووصول المساعدات إلى السكان الذين يحتاجونها بشدة».
وكانت موسكو استبقت زيارة أيرولت بالتحذير من أن مشروع القرار الفرنسي لن يعمل طالما كان المقصود منه دفع روسيا للضغط على القوات الحكومية السورية لوقف إطلاق النار بشكل أحادي الجانب. مشددة على أن مشروع القرار سيرى النور فقط في حال اتخاذ إجراءات منسقة أشد ضد الإرهابيين.
وتهدد مسودة مشروع القرار الفرنسي الإسباني باتخاذ «مبادرات اخرى» اذا لم يحترم وقف العمليات العسكرية لكنه لا يتحدث عن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة وفرض عقوبات.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شيفر إن أهداف الاتفاقات التي توصلت إليها واشنطن وموسكو مطلع أيلول الماضي، المتمثلة في تحقيق الهدنة ومكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي، لا تزال مهمة، مشيرا الى أنه لا توجد مقترحات دولية بفرض عقوبات على روسيا لدورها في سوريا، مضيفاً «في الوقت الحالي لا أعرف أحدا سواء في برلين أو أي مكان آخر لديه مقترحات من هذا النوع».

قرع طبول.. لا حرب؟
مزاج دعم مُتزايد داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية لخيار الضربات الجوية ضدّ الجيش السوري. في المُقابل، هناك شكوك كبيرة حول موافقة البيت الأبيض على مثل هذه العمليات من دون العودة إلى مجلس الأمن. وقبل نحو ثلاثة أشهر فقط من تولّي الرئيس الأميركي الجديد مهامه، تُواجه السياسة الخارجية الأميركية أكثر التحديات تعقيداً. وعقدت أجهزة الأمن القومي الأميركي على مدى اسابيع اجتماعات لدرس خيارات جديدة حول كيفية التعامل مع قضية حلب من أجل رفع توصية بخصوصها إلى الرئيس الأميركي. وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، هناك «شكوك كبيرة بقبول البيت الأبيض بأي عملية عسكرية». ونقلت عن مسؤولين قولهم إن «أوباما لا ينوي الانخراط عسكرياً في سوريا على نحو أكبر من السابق وأن موقفه لن يتغيّر في هذا الإطار، لاعتباره أن كل الخيارات العسكرية المطروحة تحمل معها مخاطر سلبية أو عواقب».
وأضافت أن كيري، بدوره، «لا يُؤيد استخدام القوة العسكرية ضدّ الجيش السوري بل يُفضّل مواصلة العمل الديبلوماسي مع روسيا وتكثيف الضغوط على الحكومة السورية».
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إنه ليس هناك اجماع على الخيارات التي يجب أن تُطرح على أوباما، مضيفين أن منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط روبرت مالي وموفد اوباما في «التحالف الدولي» بريت ماكغورك يُعارضان أي تصعيد عسكري ضدّ الحكومة السورية.
حتى المسؤولين العرب، يُشكّكون في تغيير إدارة أوباما لسلوكها في سوريا أو الانخراط في مضاعفة الجهود للضغط على نظام الأسد. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول عربي رفيع المستوى قوله إن الحكومات العربية «تفترض أن البيت الأبيض سيُسلّم السياسة الأميركية الحذرة تجاه سوريا إلى الإدارة المُقبلة من دون تغيير يُذكر»، مضيفاً أن «تركيزنا ينصبّ حالياً على معرفة كيف سيتصرّف دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون في سوريا».
بدورها، استبعدت صحيفة «نيويورك تايمز» إقدام الإدارة الأميركية على أي خطوة في الوقت المتبقّي لأوباما في البيت الأبيض، ورأت أن الطرف الروسي يستفيد من هذا الوقت من أجل فرض أمر واقع على الأرض أمام الرئيس الأميركي الجديد.
ووفقاً للمُحلّلين، فإن بوتين يعتمد «استراتيجية تقوم على التصرّف بقوّة وسرعة واغتنام الفرص» خلال الأشهر الفاصلة قبل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، إذ يُرجّح بوتين أن اوباما لن يتدخّل خلال هذه الفترة في الصراع المحتدم في سوريا.
واعتبر محلّلو الاستخبارات أن موسكو تهدف إلى مُساعدة الجيش السوري لاستعادة حلب بما يُمكّن موسكو من «إجراء مُحادثات حول مستقبل سوريا وفق شروط أقوى».
عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي جون ماكين الذي يؤيد توجيه ضربة جوية لسوريا، دعا في مقالة رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» بعنوان «أوقفوا الأسد الآن أو توقّعوا سنوات من الحرب»، الى استهداف الطائرات السورية والروسية على السواء، وتقديم المزيد من الدعم لجماعات المعارضة المُسلّحة.
وخلص السيناتور الجمهوري إلى أن مُقاربة الإدارة الأميركية لسوريا «فشلت على نحو ذريع، وقد حان الوقت لاستراتيجية جديدة، بما تتضمّنه من عنصر عسكري، قادر على تحقيق هذا الهدف الأكثر واقعية»، مضيفاً أن الأمر «لا شكّ سيُكلّف كثيراً لكن البديل أكثر كلفة، وهو عبارة عن سنوات أخرى من الحرب».

ميدانياً
استعاد الجيش السوري والقوات الحليفة السيطرة على «مبنى مؤسسة المياه ومعامل البيرة والزجاج والسجاد على اتجاه مشفى الكندي وعشر كتل أبنية على اتجاه حي العامرية» في حلب.
وفي ريف حماه الشرقي، دارت اشتباكات بين الجيش والمجموعات المسلحة عند محور السطيحات غرب مدينة السلمية.
من جهة ثانية، التحقت السفينتان الحربيتان الروسيتان «سيربوخوف» و «زيليوني دول» المُزوّدتان بصواريخ «كاليبر» المُجنّحة، مساء أمس، بمجموعة السفن الحربية الروسية المُرابطة في البحر المتوسط، مع تزايد التوتّر مع واشنطن حول سوريا.
ويأتي ذلك غداة اعلان موسكو أنها نشرت أنظمة دفاع جوي من نوع «اس - 300» في طرطوس.
وفي سياق العدوان التركي الذي بدأته أنقرة تحت مسمى «درع الفرات» في سوريا في 24 اب الماضي، قتل 19 مدنيا على الاقل بينهم ثلاثة اطفال وأصيب أكثر من 40 آخرين جراء غارات استهدفت قرية ثلثانة التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في ريف حلب الشرقي.

 6-10-2016

اتفاق حافة الهاوية: قانون انتخاب بعد الأعياد

إرسال إلى صديق طباعة

بعدما وصلت البلاد إلى حافة الهاوية، سُحب فتيل التوتر من الشارع: رئيس الجمهورية منع المجلس النيابي من الانعقاد لمدة شهر، والقوى السياسية الرئيسية اتفقت على مشروع قانون انتخاب يعتمد «التأهيل الطائفي» للمرشحين

قال الرئيس ميشال عون كلمته، فأخرج البلاد من مأزق كادت تقع فيه. والمأزق هنا مواجهة في الشارع، حملت قبل أن تبدأ أبعاداً طائفية. استخدم رئيس الجمهورية حقاً دستورياً لم يستعمله قبله أي رئيس، منذ عام 1927، فقرر منع انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر كامل، استناداً إلى صلاحية منحته إياها المادة 59 من الدستور.

صحيح أن الرئيس لم يطرح مبادرة، لكن ما قام به كان نتيجة للاتصالات التي أُجريت في الليلة السابقة، وطوال يوم أمس، وأفضى إلى اتفاق القوى السياسية الرئيسية على واحد من اقتراحات الوزير جبران باسيل الثلاثة، وهو الاقتراح الذي ينص على إجراء الانتخابات على مرحلتين، الأولى يحصل فيها التأهيل وفق الاقتراح الأرثوذكسي الأكثري وعلى مستوى القضاء، وثانية، يجري فيها الانتخاب على أساس النسبية الكاملة، وعلى مستوى عشر دوائر.
وبعد تفاهم أولي جرى ليل أمس الأول، بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، انضم إليهم ليل أمس تيار المستقبل وتيار المردة، مع تسجيل «إيجابية أولية» من جانب النائب وليد جنبلاط، مع بقاء المعارضة الرئيسية من جانب «القوات اللبنانية».

 

وبحسب المعلومات، فإن التيار الوطني الحر سيعمل بالتعاون مع الرئيس سعد الحريري على تأمين موافقة «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، ليصار إلى دعوة الحكومة إلى اجتماع لإقرار المشروع بعد انتهاء عطلة الفصح الاثنين المقبل، ليُحال بعدها على المجلس النيابي، على أن يصار في خلال هذه الفترة على تقدير الوقت الذي تحتاجه الإدارات المعنية بإجراء الانتخابات، حتى تُحدَّد مدة «التمديد التقني» المفترض إنجازه بقانون في المجلس النيابي، وسط استمرار مطالبة الحريري بسنة على الأقل، ورغبة الرئيس عون بمهلة تنتهي آخر الصيف المقبل.
هذا القانون الذي اقترحه الرئيس نبيه بري قبل أشهر، ثم أُدخل عليه تعديلات باسيل، هو أقل سوءاً من مشروع باسيل المختلط. لكنه سيواجَه بمعارضة قوى كثيرة في البلاد، من الأحزاب العلمانية، إلى القوى الناشطة تحت اسم المجتمع المدني. ومشكلة القانون أنه يكرّس كون اللبنانيين رعايا طوائف، ولا مجال لأيٍّ منهم بالتغريد خارج السرب المذهبي. ورغم أن نظام «الوساطة الطائفية» المعتمد في لبنان هو أمر طارئ، وأن دستور الطائف نص على إلغاء الطائفية السياسية، إلا أن مشروع القانون هذا يسير عكس المسار الدستوري. وكما لو أنَّ اللبنانيين لم يختبروا القوى السياسية ووعودها، فإن الاتفاق يتضمّن التخلي عن «التأهيل الطائفي»، فور إنشاء مجلس للشيوخ يُنتَخَب أعضاؤه طائفياً، وفق قانون اللقاء الأرثوذكسي.
فكرة الاقتراح الجديد تقوم على أن تُجرى الانتخابات على مرحلتين:
الأولى، مرحلة التأهيل الطائفي. يجري فيها الاقتراع في دوائر قانون «الستين» المعتمدة حالياً، شرط أن ينتخب المسلمون مرشحين مسلمين، والمسيحيون مرشحين مسيحيين. وبعد فرز النتائج، يتأهل إلى الدورة الثانية مرشحان اثنان عن كل مقعد، وهما مَن حلّا في المركزين الأول والثاني. مثلاً، في دائرة جبيل (فيها مقعدان مارونيان ومقعد شيعي)، يتأهل إلى المرحلة الثانية أربعة مرشحين موارنة، هم من حصلوا على المراتب الأربعة الأولى بين المرشحين الموارنة، ومرشحان شيعيان هما من حازا المركزين الأول والثاني بين المرشحين الشيعة.
وفي المرحلة الثانية، تُعتمد النسبية الكاملة، في 10 دوائر، هي: دائرة عكار، ودائرة لبنان الشمالي (تضم باقي أقضية الشمال)، دائرة بعلبك الهرمل، دائرة زحلة والبقاع الغربي، دائرة جبل لبنان الشمالي (جبيل وكسروان والمتن وبعبدا)، دائرة جبل لبنان الجنوبي (تضم الشوف وعاليه)، بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، المدور المرفأ، الصيفي، الباشورة)؛ بيروت الثانية (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة)؛ دائرة الجنوب وتضم صيدا وصور والزهراني وجزين؛ ودائرة النبطية (النبيطة، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا).

 


وإضافة إلى كون هذا المشروع يثبّت مرة جديدة انتماء اللبنانيين إلى طوائف، فإن فيه الكثير من السيئات الأخرى، أبرزها:
ــ عشرات آلاف اللبنانيين سيكونون ممنوعين من الاقتراع في الدورة الأولى، وهم الناخبون المسيحيون في أقضية صور والنبطية وبنت جبيل والمنية ــ الضنية وصيدا، والناخبون المسلمون في جزين والأشرفية والمتن وكسروان والبترون وزغرتا والكورة وبشري.
ــ نظرياً، يمكن القوى ذات الأغلبية الساحقة في دوائرها، أن تمنع أي منافسة لها في بعض الدوائر. في المثال العملي، يمكن ثنائي حزب الله ــ حركة أمل أن يتمكّن من حسم الانتخابات في صور والنبطية وبنت جبيل، وعلى المقعدين الشيعيين في الزهراني، والمقعد الشيعي في جبيل، من الدورة الأولى. ففي الزهراني، يمكنهما ترشيح أربعة حزبيين، سيحصدون المراكز الأربعة الأولى، ويكونون بالتالي المتأهلين إلى الدورة الثانية. وكذلك في باقي الدوائر التي لا أصوات مسلمة غير شيعية فيها.
ــ لا يحق لمن شطبوا قيدهم الطائفي الاقتراع في الدورة الأولى، إلا إذا أجبرتهم السلطة على الانتماء، ولو على لوائح الشطب حصراً، إلى طائفة.
مصادر بارزة في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن «الجميع مشى بقانون باسيل ــــ 2. اتفقنا في شكل أكيد، مع الرئيس الحريري وحزب الله وحركة أمل، على القانون التأهيلي على مرحلتين، في الأولى طائفي أكثري يتأهل فيه مرشحان عن كل مقعد، وفي الثانية نسبية كاملة في عشر دوائر». ولفتت إلى أن الاتفاق شمل أيضاً العمل على تبنّي اقتراح إنشاء مجلس شيوخ على أساس طائفي مقابل انتخاب مجلس النواب على أساس النسبية الكاملة «على أن نمشي به في الانتخابات ما بعد المقبلة إن لم نتمكن من إنجاز ذلك قبل الانتخابات التي نحن في صددها».
وأوضحت المصادر أن «الاتصالات المكثفة نهاراً تُوِّجت بزيارة الحريري لبعبدا قبل توجّه الرئيس عون بكلمته إلى اللبنانيين لتأكيد اتفاقنا أمامه». وشدّدت على أنه «لولا أننا أردنا، من جهتنا، انتظار موقف القوات اللبنانية، لكنا قرّرنا عقد جلسة لمجلس الوزراء غداً (اليوم) للاتفاق على مشروع القانون وإرساله إلى مجلس النواب». ولفتت إلى أن الجميع «تحلّوا بالمسؤولية بعدما لمسوا حجم الاستياء الشعبي، وحجم التحرك الذي كنا في صدده. ومن الآن فصاعداً الجميع سيعدّ للمئة قبل التفكير في تمديد جديد».
في المقابل، قدّم حزب القوات اللبنانية عدداً من الملاحظات على الاقتراح، علماً بأنَّ التقسيم النهائي للدوائر كان لا يزال قيد البحث، فضلاً عن عدم الاتفاق على تحديد «عتبة التمثيل» في الاقتراع النسبي.

سياسة
العدد ٣١٥٢ الخميس ١٣ نيسان ٢٠١٧
جريدة الاخبار

«سلّة» برّي مطلوبة من الحريري أوّلاً

إرسال إلى صديق طباعة

لا يبدو أن المملكة السعودية، المنهمكة في أزماتها، ستعطي جواباً للرئيس سعد الحريري حول ترشيح النائب ميشال عون، قبل ظهور نتيجة التوافق الداخلي. وبينما يحتاج الحريري إلى إقناع الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط بخياراته الجديدة، يحتاج عون إلى القيام بمبادرة تجاه عين التينة، التي تستهدف «سلّتها» الحريري قبل الجنرال

فراس الشوفي

 شهر أو أكثر على بدء الرئيس سعد الحريري مبادرته الرئاسية الجديدة، ومحاولة تسويقه دعم ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، من دون نتيجة تذكر، حتى الآن.

ومع أن الكثير من المؤشّرات وصلت إلى فريق 8 آذار، مجتمعاً، تدلّ على جديّة الحريري في طرحه، لا سيّما بعد جولاته المحليّة الأخيرة و«استقتاله» للعودة إلى رئاسة الحكومة من بوابة التبادل مع 8 آذار في رئاسة الجمهورية، فإن أكثر من طرف في هذا الفريق، ومن بينهم مسؤولون في حزب الله، لا يزالون لا يثقون بجديّة الحريري ومدى قدرته على الإتيان بموقف، سلبي أو إيجابي، من السعودية تجاه مبادرته الجديدة، ويضعون تحركاته في سياق المراوغة وكسب الوقت، وتعميق التباينات داخل فريق 8 آذار.
لكن بصرف النظر عن نيات الحريري، يبقى أن الأخير يقوم في العلن باستمزاج آراء، محليّاً وإقليمياً، حيال نيته ترشيح عون، مع أنه لم يعلن (ولن يعلن) أي ترشيح رسمي لعون قبل ضمان نتيجة جولاته، وتأكّده من أن مبادرته الرئاسية الجديدة لن تلقى المصير ذاته الذي وصلت إليه مبادرة ترشيح فرنجية.

"يعتبر حزب الله ترشيح الحريري لعون انتصاراً له بعد أن كان جعجع مرشّح المستقبل"

وعليه، فإن جملة ملاحظات أمكن تسجيلها خلال الأيام الماضية حيال مبادرة الحريري، وردّ الفعل الذي يظهر حولها.
عاد الحريري ليل أوّل من أمس من موسكو، التي زارها بعد رحلته إلى السعودية ولقائه أكثر من مسؤول في المملكة، وعلى رأسهم ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، من دون أن يُفصح عن نتيجة زيارته. غير أن ما يراه «مراقبو» الحريري في حزب الله وحركة أمل أن السعودية لن تعطيه جواباً في الوقت الحاضر. ففي المرّة الماضية، حين باركت الرياض ترشيح فرنجية، ولم يسر حزب الله في الترشيح، ظهر وكأن السعودية قدّمت تنازلاً لم يتجاوب حزب الله معه، وبالتالي فإن السعودية الغارقة في اليمن وهموم أخرى لا تقارن بالملفّ اللبناني، لن تقدم على أي خطوة، سلباً أو إيجاباً، إلّا بعد اتضاح حصيلة مشاورات الحريري الداخلية، وضمان توافق الجميع على خيار ترشيح عون، قبل إعلان الموقف السعودي.
في المقابل، يلتزم حزب الله الصمت المطبق حيال التطوّرات، مع تأكيد مسؤوليه باستمرار دعم عون حتى النهاية. لكن حزب الله بدوره لن يعلن موقفاً جديداً، في انتظار أمرين: إعلان الحريري رسمياً ترشيح عون، وقيام عون بمبادرة تجاه عين التينة والرئيس نبيه برّي الذي يشكّل معبراً رئيسيّاً لوصول أي رئيس إلى قصر بعبدا. غير أن الحزب يعتبر وصول الحريري إلى مرحلة ترشيح عون انتصاراً كبيراً لخياراته وإصراره على مرشّحه، إذ كان رئيس حزب القوات سمير جعجع مرشّح الحريري قبل عامين، ثمّ تدرّج الترشيح إلى فرنجية، وأخيراً إلى عون. ولا ينتظر أحد من الحزب أن «يضغط» على حلفائه، وتحديداً برّي وفرنجية. فحزب الله ليس «الحزب القائد» لقوى 8 آذار، وتحالف برّي وفرنجية وغيرهما من القوى مع الحزب، هو تحالف استراتيجي كامل مع خيارات المقاومة والحرب السورية ووحدة لبنان، لكن لحلفاء الحزب هامشهم الكبير في الداخل اللبناني. وما يؤكّده مسؤولون في تحالف 8 آذار، بشكل دائم، أن الحزب لا يلعب بديلاً من الدور السوري السابق في لبنان خلال مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أمّا بالنسبة إلى برّي، الذي يظهر في الآونة الأخيرة وكأنه المعترض الوحيد على وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن «السلة» لا تعني تكبيل الرئيس الجديد بتفاصيل تنتقص من صلاحياته الدستورية، بل هي «السلة» نفسها التي طرحها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهي نفسها فحوى طاولة الحوار التي هدفت في الأساس إلى تخفيف التباينات الكبيرة بين مختلف الفرقاء حول عناوين أساسية، مثل الحكومة وقانون الانتخاب، والتي قد تشّل العهد الجديد في حال عدم وجود ضمانات للاتفاق عليها مسبقاً. وهي، أوّلاً وأخيراً، «سلّة الثنائي الشيعي»، المطلوبة من الحريري، بشكل أساسي، وبشكل ثانوي من رئيس الجمهورية الجديد. وهي «السلة» ذاتها التي طرحها برّي حين رشّح الحريري فرنجية الذي لا يخفي رئيس المجلس اعتباره خياراً أوّل بالنسبة إليه قبل عون، كما اعتباره عون خياراً أوّل، في حال انحصار الخيارات بين عون وجعجع.
غير أن التوتّر المتراكم بين برّي وعون، وغياب الموقف السعودي من خطوة الحريري، أظهرا برّي وكأنه المعارض الوحيد، علماً بأن المعترضين على ترشيح عون كُثر، أوّلهم بري وفرنجية والنائب وليد جنبلاط وحزب الكتائب، وليس آخرهم، على الأقل، نصف نوّاب كتلة المستقبل، هذا إذا ما أُدخل جعجع في حساب الرافضين «الباطنيين» لترشيح عون، على ما يهمس به نوّاب ووزراء في تيار المستقبل و8 آذار. وعند برّي، «أسهل مئة مرّة أن يظهر وكأنه يعرقل وصول عون ويطالبه بالسلة، من أن يظهر أن الشيعة يزيدون من أزمة الحريري ويساهمون في كسره وإحباط جمهوره»، على ما يقول مصدر بارز في قوى 8 آذار لـ«الأخبار». ويقول المصدر إن «الحريري هو المحرج وليس الحزب أو برّي؛ ففي المرّة الماضية التي رشّح فيها فرنجية، ناقش رئيس «المستقبل» بري وجنبلاط في خياره، بينما هذه المرّة اتخذ خياراً أحادياً من دون العودة إليهما. وبالتالي، عليه أوّلاً أن يقنع هذا الثنائي، ومن ثمّ يبدأ البحث في أي خيار آخر». وإذا كانت «السلة» هي المطلوبة من الحريري أوّلاً، فإن المطلوب من عون لا يتعدّى التفاهم مع برّي والقيام بمبادرة تجاه عين التينة، لا أن يصل إلى مسامع برّي أن الوزير جبران باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري اتفقا على توزير خمسة وزراء للتيار وخمسة وزراء للقوات اللبنانية ووزير لفرنجية ووزير للكتائب في العهد المقبل، وكأن ثنائيةً ما «تُرَكَّب» في الخفاء، فيما رئيس المجلس النيابي آخر من يعلم، في وقت يزيد فيه موقف جعجع برفض التفاوض على «السلّة»، في بكركي أول من أمس، من تعميق التباين بين بري وعون.

سياسة

العدد ٣٠٠١ الخميس ٦ تشرين الأول ٢٠١٦

 

JPAGE_CURRENT_OF_TOTAL