مشروع وثيقة مقدمة إلى المؤتمر الثاني لحركة الشعب

طباعة

مقدمة إلى المؤتمر الثاني لحركة الشعب

شهدت الفترة الفاصلة بين مؤتمرنا التأسيسي ومؤتمرنا الأول جملة متغيرات كان أبرزها اثنان أرخيا بظلالهما الثقيلة على العالم والمنطقة، وتمثل التغيير الأول بوصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض غارقة في يمينيتها وأصوليتها وأكثر تشبتاً بالنـزعة العسكرية التي ورثها أركانها من حقبة الحرب الباردة. وتمثل التغيير الثاني وهو الذي يعنينا مباشرة باندلاع الانتفاضة الفلسطينية وأثارها وتداعياتها ووصول رمز الإجرام الإسرائيلي ارييل شارون إلى سدة القرار في الكيان الصهيوني بزخم شعبي لم تشهد مثيلاً من قبل.

ما زال الوضع العربي يشهد محتدماً بين الانتفاضة الفلسطينية المستمرة ومفاعيلها منذ حوالي السنة وبين المحاولات الأميركية الهادفة إلى محاصرة هذه الانتفاضة من مختلف البوابات الإسرائيلية والعربية الرسمية والدولية.

وهنا لا بد من تسجيل قوة الانتفاضة وتماسك الشعب الفلسطيني وواقع استعصاء الانتفاضة الفلسطينية على القمع العسكري والاحتواء السياسي الإسرائيليين.

كما لا بد من تسجيل واقع نجاح الحركة النضالية الفلسطينية في انتزاع تضامن عربي رسمي اضطراري معها تجلى في قمتي القاهرة وعمان والقمة الإسلامية. لذلك فعلى الانتفاضة أن تخوض صراعاً مديداً من أجل الحفاظ على زخمها وتصعيده وفي سبيل انتزاع المزيد من الانجازات الراسخة ضمن الدائرتين العربية والدولية قبل التمكن من إجبار الولايات المتحدة الأميركية على تغيير موقفها السلبي من انتفاضة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس وفي حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم.


 

ورغم ما اعتراها من ارتباك وضبابية وتشنج فإن السياسات التي اعتمدتها إدارة بوش في الأشهر الأولى من حكمها أدت إلى توجهات أميركية جديدة لا تختلف كثيراً في الجوهر عن توجهات الإدارات السابقة لكنها تختلف في النظرة والممارسة والأسلوب وهذا الاختلاف سيرتب حكماً معطيات جديدة وسياسات ولعل الملاحظة الأولى الأبرز في هذا السياق هي إعادة إحياء هياكل الحرب الباردة ومفرداتها وإذكاء سباق التسلح في محاولة لتأكيد الهيمنة العسكرية الأميركية على العالم. وهذا الأمر تجلى بالآتي :

  1. ·تعزيز حلف شمالي الأطلسي وتوسيع صلاحياته ونفوذه ومواصلة تمدده حتى بوابات روسيا والشرق الأوسط. والسؤال يبقى من دون جواب. هذا الحلف لمن وضد من ؟ ولماذا هذا التوسع ؟ ومن يستهدف ؟
  2. ·إعادة إحياء برنامج الدرع الصاروخي الفضائي الأميركي وتعزيزه. وهو ما يلغي عملياً كل معاهدات التسلح السابقة بحجة التصدي للدول "المارقة" مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية والنتيجة : لا مظلة أمنية وقائية لأحد سوى المظلة القضائية الأميركية، أو في أسوء الأحوال دفع الدول الأخرى إلى سباق التسلح النووي مجدداً.
  3. ·البحث عن إعداد أو اختراع أعداء لمحاربتهم وإبقاء الاستنفار والتوتر : بن لادن، صدام حسين، الصواريخ الكورية، المافيات والعصابات الدولية.
  4. ·تغذية النـزعات الأثنية والدينية في العالم وتخصيص أموال وإعلام ومراكز أبحاث خاصة لذلك بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان والتنوع الديني والثقافي والحضاري. وتشجيع تفتيت الدول الأم أو تلك التي لا تزال تغرد خارج السرب الأميركي. ومن المفارقات الجديرة بالملاحظة في هذا الشأن. أن تشجيع نـزعة الانفصال ما زال مستمراً في يوغوسلافيا رغم إسقاط ميلوسفيتش "الدكتاتوري" وترحيله إلى لاهاي لمحاكمته نيابة عن شعبه. والأمر نفسه مستمر في أندونيسيا رغم سقوط "الديمقراطي" وحيد بطريقة ديمقراطية.
  5. ·المبادرة إلى استعمال القوة من دون مبرر شرعي ومن دون الأخذ في الاعتبار المشاعر الوطنية والقومية، مثلما حصل مع العراق ويحصل في الصين من خرق للسيادة إن في تايوان  أو التيبت والمياه والأجواء.

أما الملاحظة الثانية فإن الإدارة الأميركية الجديدة تنتهج سياسة مغايرة لسياسة الإدارة الأميركية السابقة في التعاطي مع القضايا المتفجرة في العالم. فحين كانت الإدارة السابقة تتعاطى معها من منظار خاص ومستقل فإن الإدارة الحالية تتعاطى معها من منظار عام لا يأخذ في الاعتبار سوى المصالح الأميركية. ولعل المثل الأوضح على ذلك هو التعاطي مع قضية الشرق الأوسط. ففي حين تعاطت إدارة كلينتون مع هذا الملف بتفاصيله والحيثيات أملاً في تحقيق انتصار سياسي أميركي يحفظ المصالح الإسرائيلية الحيوية، فإن الإدارة الحالية فضلت عدم الانخراط المباشر في هذا الملف مع تركه تحت السيطرة لضمان عدم انفلات الأمور على غاربها. وأسباب الأحجام الأميركي عدة أبرزها :

§إداراكها لاستحالة التوصل إلى تسوية ناجزة للصراع الإسرائيلي بسبب تعقيداته القصوى.

§إعطاء الأولوية للمسألة العراقية، بقدر ما تعني السيطرة على منابع النفط وممراته في الخليج وإيران وقزوين حتى ولو اقتضى ذلك رسم جغرافيا سياسية جديدة.

وقد ترجمت هذه السياسة بالانسحاب الأميركي شبه الكامل مما يسمى بعملية التسوية ونفض اليد من مرجعيات السلام والتركيز بدلاً عن من ذلك على خطط أمنية (ميتشل، تينيت) تختصر القضية الفلسطينية. بمجرد إطلاق نار متبادل وسقوط ضحايا من الجانبين ( مع التشديد فيها دائماً على أمن إسرائيل).

وإذا كان التحيز الأميركي الفاضح لإسرائيل في تلك المرحلة كان سبباً من أسباب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، فإن الغياب الأميركي هذه المرة بذريعة استكشاف طرق بديلة للسلام يضع المنطقة برمتها أمام مخاطر انفجار كبير لأسباب عدة أبرزها :

  1. ¨ أبرزت الانتفاضة عمق المأزق الكياني في إسرائيل وأظهرت الوجه العداواني الحقيقي لهذا الكيان.
  2. ¨ ترك الفلسطينيين وحدهم يواجهون أخطر هجوم إسرائيلي بأخطر آلة عسكرية وإجرامية. وكأن ما يحصل اليوم في فلسطين هو نسخة إسرائيلية منقحة لنكبة عام 1948 والفصل الأخير من فصولها.
  3. ¨ الاهتراء الكامل في الوضع العربي العاجز عن حضن الانتفاضة والدفاع عنها، والمكتفي بالتفرج أو بإصدار مواقف الإدانة رفعاً للعتب.
  4. ¨ التحاق شبه كامل للدول الكبرى بالسياسة الأميركية، واكتفاء هذه الدول بدور المنقذ أو الوسيط أو المسهل للسياسة الأميركية.

****

عند إعلان قيام حركة الشعب، حددت الحركة لنفسها جملة مهمات وأهداف وطنية وقومية:

  1. ·بأن المهمة الرئيسية أمام حركة الشعب هي الانتقال من الحالة الاعتراضية إلى موقع متقدم تستطيع من خلاله أن تحمل مشروعاً سياسياً وطنياً لإعادة بناء الوطن والدولة والمجتمع.
  2. ·والمهمة الثانية هي العمل على نقل القوى الوطنية المتجاوزة للعصبيات الطائفية من الحالة الاعتراضية نفسها، أو من حيث تكون رديفاً في المشروعات السياسية الطائفية إلى موقع القادر على حمل هذا المشروع السياسي الوطني.
  3. ·والهدف من المهمتين إذا نجحنا في حمل هذا المشروع، تغيير وجه الصراع في لبنان من صراع تناحري بين عصبيات متخلفة يضع البلاد في كل مرة أمام شبح حرب أهلية جديدة، إلى صراع وطني وديمقراطي بين القوى الوطنية من جهة والقوى الطائفية من جهة أخرى.
  4. ·أن تسعى حركة الشعب جاهدة ليس فقط لأن تكون جزءاً من حركة تحرر عربية شاملة، بل أن تكون فاعلة ودافعة لقيام حركة تحرر عربية حديثة، لا على أنقاض تلك القديمة، وإنما حركة تحرر تأخذ بعطيات التطورات الحديثة في كافة الوجوه والمجالات.
  5. ·وفي ضوء هذه المهمات والأهداف كانت الحركة تتعاطى مع الأحداث والتطورات السياسية في البلاد خلال المرحلة الماضية. ولا بد من التوقف عند أبرزها:

1-التحرير:

في 25 أيار 2000 انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة. ومما لا شك فيه أن هذا الانسحاب شكل انتصاراً هاماً للمقاومة؛ غير أنه يجب أن لا ينظر إلى الحدث من هذه الزاوية فقط، ولا بد من ملاحظة الأمور التالية :

‌أ- إن "المقاومة الإسلامية" كانت جزءاً من جبهة مواجهة أوسع مع العدو الإسرائيلي تمتد من جنوب لبنان إلى سوريا فإيران.

‌ب-  صحيح أن المقاومة الشعبية المسلحة في جنوب لبنان كانت رأس حربة بهذه الجبهة، وأنها     حققت انتصاراً كبيراً. إلا أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية حاولت أن تلتف على هذا الانتصار وأن تحقق هدفين : الأول إقفال إحدى جبهات المواجهة مع سوريا وعزلها، وبالتالي فك الارتباط بين لبنان وسوريا. والثاني إثارة الانقسام الداخلي حول دور المقاومة ومستقبلها، وبالتالي حول موقع لبنان ودوره في الصراع العربي الإسرائيلي.

‌ج- ويجب أن لا تفوتنا حقيقة أن المقاومة الشعبية كانت على الدوام بديلاً عن الدولة في قيادة عملية التحرير. ومن جهة أخرى فقد فشلت المقاومة والقوى الوطنية في فك العزلة المذهبية عن المقاومة وجعلها امتداداً لحالة وطنية، أو خلق حالة وطنية تكون امتداداً للمقاومة.

في ضوء الملاحظات السابقة فإن التحرير عوض عن أن يكون محطة تاريخية ننطلق منها لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس وطنية سليمة، فقد تحول إلى مادة سجال داخلي ذي منحى طائفي حول مسألتين : الأولى هي موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي بعد التحرير. والثانية العلاقات اللبنانية السورية.

2- الانتخابات النيابية في صيف العام 2000

مما لا شك فيه أن الانتخابات التي حصلت إن من حيث القانون وتوزيع الدوائر، أو من حيث الإدارة السياسية لعملية التحالفات أطلقت موجة رهيبة من العصبيات وصادرت الحياة السياسية بالكامل لمصلحة الطوائف، وشكلت مرحلة جديدة في التأجيج الطائفي والمذهبي.

ولكن لا يكفي أن تقرأ هذه الانتخابات من هذه الزاوية فقط، ولا بد أ، تقرأ قراءة سياسية، حيث نلاحظ ما يلي:

‌أ- عودة التكتلات الطائفية الصرفة تقريباً.

‌ب- من خلال إعادة الفرز هذه، التي كان شكلها طائفياً، وهي في الحقيقة عملية رسم لخارطة النفوذ والدور السوري – الأميركي في لبنان.

فمن حيث النفوذ نلاحظ العودة إلى تحالفات ما قبل الطائف وتقاسم الطوائف بينهما. أما من حيث الدور فنلاحظ سيطرة أميركية كاملة على السياسة المالية دون أي اعتراض سوري على تلك السياسات، وبالمقابل  وبرغم الهجمة الأميركية الكاسحة على المنطقة والانسحابات السورية المحدودة فإن بقاء الجيش السوري وفق ما تريده أميركا في لبنان مرهون بوظيفتين : البقاء حول المخيمات والمقاومة الإسلامية.

من هنا تميز موقفنا من الوجود السوري. فنحن لا مشكلة لدينا في الوجود العسكري السوري ولكن في التدخل السوري في السياسة الداخلية.

ج- لقد عكست نتائج الانتخابات فشل مشروع أو وهم مشروع بناء الدولة الذب أطلقه إميل لحود وسليم الحص. كما أدت نتائجها إلى تولي الحكومة الجديدة الشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي وفي المقابل تولي تحالف رئيس الجمهورية – حزب الله الشق المتعلق بالسياسة الإقليمية.

هذا ما يفسر المطلب الأميركي بنشر الجيش في الجنوب مقابل المساعدات المالية والاقتصادي للبنان.

3- فشل مشروع إعادة بناء الدولة:

وبعد خطاب القسم والبيان الوزاري الأول وما فيهما من وعود بإعادة بناء الدولة على أسس وطنية حديثة، وبسرعة كبيرة بدأ يتبين فشل الوعود.

أما السببان الأساسيان للفشل فهما :

الأول أن هذا الإصلاح سيتم بناءً على وبالاستناد إلى القوى الطائفية إياها ! فالأمر مستحيل، يستحيل للعلة أن تكون علاجاً. من هنا كان الفشل الأول بعدم القدرة على المحاسبة وتوقفت المحاولات.

والثاني تمثل بالرؤية الاقتصادية الاجتماعية التي كانت بحيثياتها استمراراً لسياسة الحكومات السابقة إياها، وقد تكرس ذلك في الانتخابات التي سدت كل منفذ للتغيير والإصلاح. فجاءت النتائج تعكس المقدمات.

وبالنتيجة كان تكريس اللعبة الطائفية بالاستناد إلى المعادلة الإقليمية – الدولية : سوريا بالسياسة وأميركا بالاقتصاد.

4- المرحلة الراهنة وآفاقها:

§استمرار الضغط الأميركي على سوريا والذي سيتجلى من خلال استمرار وتزايد الضغط على عليها في الداخل لحصر وظيفتها في لبنان بمسالتين :

- ضمان أمن الحدود الشمالية لإسرائيل وما يستتبعه في مرحلة لاحقة من عملية تفكيك للمقاومة.

- ترتيب أمر المخيمات في ضوء مقتضيات التسوية وما يتلاءم معها.

§إضافة إلى الضغط الشامل على سوريا في ما يتعلق بمجمل عملية التسوية. وهو ضغط سيكون متعدد الأطراف والوجوه.

وفي ضوء هذا تفسر خطوة إعادة الانتشار وما يتوقع أن يستتبعها من خطوات. وبالمقابل وفي ضوء هذا نفسر أيضاً إعادة تكتيل وجمع أدوات النفوذ السوري من خلال ما يسمى "الجبهة الوطنية وهي جبهة أساسها "شيعي – درزي" في مقابل الجبهة الأميركية القائمة فعلاً وأساسها "مسيحي –سني".

5- على الصعيد المالي والاقتصادي:

كان لا بد للسياسات المالية والاقتصادية التي انتهجت منذ العام 1992 من أن تؤدي إلى :

- إغراق لبنان بالديون التي بلغت نسبتها إلى الناتج المحلي القائم أكثر من 170%.

- تفاقم ظاهرة العجز وما تولده من زيادات مضطردة وهائلة في حجم الدين العام وبالتالي في الفوائد على هذا الدين.

- جمود اقتصادي بلغ مرحلة الاختناق الكامل ابتداء من العام 1997.

- عدم قدرة الاقتصاد اللبناني على المنافسة، وبالتالي ضمور وإفلاس القطاعات الإنتاجية.

- ارتفاع معدلات البطالة وتدني القدرة الشرائية لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين.

- الارتفاع الهائل في معدلات الهجرة، بشقيها الداخلي والخارجي، من الريف إلى المدينة وضواحيها، ومن الوطن إلى المهجر.

في بداية العام الحالي لم تعد المخادعة وسياسة التستر على الحقائق قادرتين على منع تفجر الأزمة، خصوصاً بعد التقارير والتصريحات الصادرة عن رئيس البنك الدولي والبعثات التي أوفدها صندوق النقد الدولي. وبعد أن شحت أو تحفظت مصادر الإقراض للدولة اللبنانية بسبب حجم المخاطر التي باتت تحيط بأي عملية إقراض للبنان. عند ذلك لجأت الحكومة إلى سلسلة من الإجراءات الخطيرة على الصعيد الاجتماعي، وهي تعد للمزيد من هذه الإجراءات، لا بد من التوقف عند أهمها :

‌أ- صرف أعداد كبيرة من الإجراء  في مؤسسات الدولة العامة والمصالح المستقلة والشركات التي تملك معظم أسهمها.

‌ب- البدء في تفكيك شبكات الأمان الاجتماعي وأولها وأهمها الضمان الاجتماعي.

‌ج- البدء بتنفيذ سلسلة إجراءات ضريبية ترفع نسبة الاقتطاع الضريبي من 18% إلى 25% من الناتج المحلي. وتحميل الأعباء الجديدة للشرائح الفقيرة والمتوسطة من الشعب اللبناني من دون الأغنياء.

‌د- الخصخصة الشاملة، بما هي في الحالة اللبنانية عملية بيع عشوائية لمؤسسات القطاع العام.

هذا إلى جانب لائحة طويلة من الإجراءات القاسية تنفذها الحكومة تحت شعار "التكيف الهيكلي"، وهي إجراءات لا يستطيع المجتمع اللبناني تحملها.

في ضوء ما تقدم كانت لحركة الشعب مواقف من الأحداث والتطورات المشار إليها. وكانت على الشكل التالي:

أولاً : في موضوع المقاومة والتحرير والعلاقة مع سوريا :

بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب احتدم الجدال في البلاد حول مسائل عدة مرتبطة بهذا الانسحاب. وكانت أبرز موضوعات هذا السجال تدور حول المواضيع التالية :

- مستقبل المقاومة

- ذهاب الجيش إلى الجنوب

- ذهاب مزارع شبعا

- الانسحاب السوري من لبنان

وفي فوضى هذا السجال وتشعباته وامتداداته الطائفية والإقليمية والدولية كان موقف الحركة وفي غير مناسبة على الشكل الآتي :

‌أ- إن موضوع المقاومة ليس مرتبطاً بالاحتلال المباشر لأجزاء من الأراضي اللبنانية فقط. ولكنه مرتبط بالعدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان والأمة العربية وما تبيته استراتيجية إسرائيل تجاه لبنان والمنطقة.

‌ب- إن  المآخذ على المقاومة يجب أن لا تغفل حقيقة الخلل الأساسي في سياسة الدولة اللبنانية.كان واجب الدولة من الأساس التصدي للعدوان وقيادة استراتيجية التحرير، غير أن انكفاء الدولة، وإن تحت شعارات مختلفة باختلاف الظروف، ترك المبادرة في أيدي قوى شعبية تصدت لمهمة المقاومة والتحرير.

‌ج- إن القضية التي يجب أن تطرح هي كيف نجعل من المقاومة حالة وطنية شاملة، أي كيف نخلق المجتمع المقاوم في مرحلة خطيرة تتهددنا فيها استراتيجية إسرائيل ومخططاتها تجاه لبنان والمنطقة.

‌د- وفي ضوء هذا كنا ولا نزال نرى إلى موضوع العلاقات اللبنانية – السورية. لقد أكدنا دائماً ضرورة تعزيز هذه العلاقة من أجل تعزيز جبهة المواجهة مع إسرائيل، لكننا كنا ولا نزال نرى أن الشرط الأول لتعزيز هذه العلاقة هو إعادة النظر في الأساليب والسياسات والوسائل التي اتبعت في السابق والتي أدت إلى توليد الاحتقان وإثارة كل ما يزعزع هذه العلاقة. ولقد اتخذنا مواقف صريحة في كل مناسبة ضد التدخلات غير المشروعة في القضايا والمسائل الداخلية للبنان. وطالبنا بالفعل بين المصالح الوطنية والقومية للبنان وسوريا وبين المصالح والمنافع الشخصية للمتنفذين في لبنان وفي سوريا. وبقدر ما أدنا التصرفات والسياسات المشار إليها، خصوصاً لجهة الدعم الذي قدمته سوريا للطبقة السياسية الفاسدة في لبنان، فقد أدنا بقوة تحريك النعرات العنصرية ضد سوريا.

ثانياً : الانتخابات النيابية :

لقد حذرنا من خطورة القانون الذي كان يرتب في الخفاء من أجل "فبركة" مجلس نيابي يصادر كل الحياة السياسية في البلاد لمصلحة العصبيات الطائفية والمذهبية ولمصالح الطبقة السياسية الفاسدة والمتخلفة. ولقد حاولنا وبكل قوتنا لدى مسؤولين في السلطة ومع قوى تقدمية من أجل إدخال تعديلات ولو طفيفة على القانون لكننا فشلنا. بعد ذلك حاولنا العمل مع قوى وهيئات وطنية من أجل خوض الانتخابات في كل لبنان بلوائح وطنية توجه لوائح الطبقة السياسية لكننا لم نلق استجابة كافية لدى هذه القوى والهيئات. وحاولنا أخيراً على مستوى بيروت ولم نلق استجابة من قبل أي طرف. عند ذلك اتخذت "حركة الشعب" قراراها المعروف، الذي وردت حيثياته كاملة في المؤتمر الصحافي الذي أذاعته الحركة بتاريخ .

لقد كان القرار، في مغزاه وأبعاده الحقيقية متلائماً مع هدفنا الأساسي إلا وهو تغيير وجه الصراع في لبنان من صراع تناحري بين عصبيات متخلفة إلى صراع بين قوى وطنية تقدمية وهذه الطبقة السياسية.

لقد شكل هذا الموقف المنطلق نحو إنشاء تجمع وطني لهذه القوى تمثلت الخطوة الأولى فيه بإنشاء "التجمع الوطني للإنقاذ".

إن أهمية هذا الموقف سوف تتأكد من خلال :

- الانهيار المحتم للطبقة السياسية في المدى القريب.

- تحول التجمع الوطني إلى كتلة سياسية قادرة على حمل مشروع بديل لإقامة الدولة والمجتمع على أسس سليمة.

ثالثاً : في الأزمة المالية الاقتصادية الاجتماعية وتداعياتها السياسية:

إن حقيقة الانهيار المالي والاقتصادي لم تعد موضع جدل أو اجتهاد، كما أن الآثار الاجتماعية المتشعبة والخطيرة لهذا الانهيار يجب أن تحظى بكل الاهتمام من قبل "حركة الشعب" ويجب أن تشكل المحور الأساسي لعملية في المرحلة الراهنة. وتجدر الإشارة هنا إلى سلسلة من الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها عن على صعيد زيادة الضرائب والرسوم التي تتحمل أعباءها الغالبية الساحقة من اللبنانيين من الشرائح الوسطى والفقيرة، إلى تفكيك شبكات الأمان الاجتماعي وبالدرجة الأولى الضمان الاجتماعي، إلى خصخصة قطاعات الخدمات وما يستتبع ذلك من عمليات صرف جماعية لأعداد كبيرة من المواطنين…

إن مبادرة الحركة، بخاصة من خلال التجمع الوطني ومن خلال تفعيل عملها في الأوساط الشعبية كافة يشكل المدخل السليم لتحقيق هدفها في تغيير وجه الصراع في لبنان كما أسلفنا، وفي تصحيح المواجهة بين القوى الوطنية من جهة والطبقة السياسية التي تتحمل مسؤولية هذا الانهيار من جهة أخرى.

إن مبادرتنا إلى جعل المسألة الاقتصادية الاجتماعية العنوان الأبرز الذي تدور حوله الحركة السياسية في لبنان يحقق لنا الهدف الاستراتيجي الذي نسعى إليه في الإصلاح السياسي وإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس سليمة.