المبادرة التي يطرحها المؤتمر الوطني للإنقاذ

طباعة

من أجل مواجهة الأزمة المصيرية التي يمر بها لبنان

المبادرة التي يطرحها المؤتمر الوطني للإنقاذ

 

يواجه لبنان اليوم، أزمات مصيرية وأخطاراً تهدد بالانهيار الكامل للدولة وبإغراق البلاد في فوضى دموية عارمة، كما تهدد بتمزيق الكيان الوطني وتقويضه. ومن بين هذه الأزمات والأخطار تبرز اثنتان: انتشار المنظمات الإرهابية، وانهيار مؤسسات الدولة.

فيما يتعلق بالمنظمات الإرهابية التي ظهرت بقوة في السنوات الأخيرة، وانتشرت في العديد من البلدان، فإن لبنان لم ينجُ من هذه الظاهرة. وإذا كان خطر هذه المنظمات في البلدان التي ظهرت فيها يقتصر في الغالب على الجانب الأمني فإن خطرها على لبنان يتعدى مسألة الأمن ليهدد الوطن في وجوده ومصيره، وذلك للأسباب الآتية:

 

أ-إن هذه المنظمات مرتبطة، مباشرة أو بالواسطة، بالولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، وتشكل أدوات تنفيذية فعالة للمشروع الأميركي – الصهيوني الذي يرمي إلى إغراق البلدان العربية في فوضى دموية رهيبة بهدف تقسيمها وإعادة رسم جغرافيتها.

ب-إن هذه المنظمات تتلقى كل أأشكال الدعم من قبل دول إقليمية وعربية أبرزها إسرائيل وتركيا والدول الخليجية.

ج-إن النظام الطائفي في لبنان بما يغذيه من انقسامات، وبما ينشره من تعصب وفقر وجهل، يوفر البيئة الملائمة لنمو هذه الظاهرة. وإذا كانت مسؤولية مواجهة هذه المنظمات من الناحية الأمنية تقع على عاتق المؤسسات العسكرية والأمنية في الدولة، فإن مواجهة البيئة الحاضنة لهذه الظاهرة، والتي يوفرها لها النظام الطائفي، تقع بالدرجة الأولى على عاتق القوى الوطنية التي يجب أن تتصدى للطائفية في النظام السياسي كما في التربية والتعليم والإعلام والحياة السياسية.

في هذا المجال نتوقف عند قضية العسكريين المخطوفين لدى المنظمات الإرهابية، وفضيحة تعاطي الحكومة مع هذه القضية الوطنية. الحقيقة أن المنظمات الإرهابية هذه كانت مجرد أدوات تنفيذية في جريمة جرود عرسال وقتل العسكريين واختطافهم، أما الجهة التي دبرت هذه الجريمة فهي الدول التي ترعى هذه المنظمات وتغذيها وتسيرها. ولقد كان واجب الحكومة أن ترى هذه الحقيقة ولا تتعامى عنها، وأن تظهرها للرأي العام اللبناني والعالمي، وأن تتعاطى مع هذه الجهة كدول تعتدي على لبنان وتهدد أمنهوسلامته فتطالبها بوقف عدوانها والتعويض على لبنان وأسر الضحايا. وفي حال امتناعها عن الاستجابة تلجأ الحكومة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لاستصدار القرارات اللازمة ضد هذه الدول. وقد كان هذا هو السبيل السليم والفعال لإنقاذ العسكريين من قبضة المنظمات الإرهابية وليس التوسط لدى الدول المعتدية على لبنان لكي تقبل بأن تكون "واسطة خير" بين الدولة اللبنانية والإرهابيين.

أما لجهة انهيار مؤسسات الدولة فإن العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة كثيرة ومتشعبة وأبرزها:

1-منذ الاستقلال قامت الدولة في لبنان على معادلة طائفية في الداخل، كانت تستند إلى معادلة خارجية إقليمية – دولية تنظم التوازنات الطائفية في الدولة وتضبطها.

2-إن آخر صيغة لهذه المعادلة الخارجية كانت تلك التي قام عليها اتفاق الطائف، والتي استمرت قرابة خمس عشرة سنة. وإذا كانت هذه المعادلة قد بدأت تهتز منذ العام 2003، فقد انهارت بالكامل في العام 2005، ليدخل لبنان بعدها في مرحلة انتقالية لا تزال مستمرة إلى اليوم.

3-لقد تولت الطبقة السياسية الطائفية إدارة المرحلة الانتقالية خلال هذه الحقبة، وانتهى بها الأمر إلى تقويض المؤسسات الدستورية (رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة) التي باتت اليوم في حالة موت سريري ما ينذر بانهيار باقي مؤسسات الدولة، الإدارية والقضائية والعسكرية، ويؤدي إلى الانهيار الكامل والشامل للدولة. وهي تراهن على إمكانية توفر معادلة خارجية جديدة، تعيد توظيف نفسها فيها، وتمسك من جديد بمقاليد السلطة في لبنان.

4-إن القراءة الموضوعية للصراعات الدولية التي تجتاح المنطقة لا تبشر بإمكانية توفر معادلة خارجية في مدى منظور تعيد إنتاج الدولة الطائفية بمؤسساتها الدستورية المعهودة. ناهيك عن أن هذه المعادلة، إذا توفرت في يوم ما، فقد لا يكون للبنان كله، الوطن والدولة والشعب، مكان فيها.

5-وهكذا فإن لبنان اليوم يواجه احتمالين لا ثالث لهما:

-إما أن تظل الطبقة السياسية الطائفية ممسكة بزمام الأمور في هذه المرحلة الانتقالية، تديرها وفق مصالحها وأنانياتها ومراهاناتها الخاطئة والمتهورة.

-وإما أن تنبري القوى والفاعليات الوطنية، السياسية والفكرية والنقابية، إلى الإمساك بدورها التاريخي بشجاعة ووعي وفق خارطة طريق واضحة يؤيدها الشعب ويفرضها، وتتلخص بالآتي:

أ-تشكيل حكومة انتقالية محايدة تضم نخبة من الكفاءات القانونية والعلمية والفكرية والنقابية، وممثلين عن المؤسسات القضائية والإدارية والعسكرية.

ب-تضع الحكومة العتيدة إعلاناً دستورياً لإدارة المرحلة الانتقالية، ويكون من أولوياته الأمن ووضع قانون للانتخابات النيابية يرتكز على قواعد المواطنة والنسبية والدائرة الواحدة.

ج-إجراء انتخابات نيابية وفق القانون المذكور.

د-في ضوء نتائج الانتخابات النيابية تتشكل "حكومة جديدة" وبذلك تنتهي المرحلة الانتقالية.

هــ- يضع مجلس النواب الجديد دستوراً يرتكز على المواطنة وإلغاء الطائفية، يجري إقراره بالاستفتاء الشعبي.

و-يجري انتخاب رئيس للجمهورية وفق أحكام الدستور الجديد.

أسئلة كثيرة قد تطرح حول هذه المبادرة وكيفية تنفيذها، وحول شرعيتها، والقوة القادرة على فرضها. فيما يتعلق بمسألة الشرعية نوجز بالآتي:

الشعب مصدر السلطات، أو بالأحرى مصدر شرعية السلطات. وتكون السلطات شرعية عندما تؤدي وظائفها وفق أحكام الدستور الذي يعبر عن إرادة الشعب ومصالحه. وعندما تمتنع السلطات (المؤسسات الدستورية) عن أداء وظائفها، أو تعجز عن أدائها، أو عندما تؤديها خلافاً لأحكام الدستور تنتفي الشرعية عن هذه المؤسسات، وتعود الشرعية إلى مصدرها الأساسي، أي الشعب.

ما هو حال المؤسسات الدستورية اليوم؟

رئاسة الجمهورية خاوية، والحكومة بلا رأس. أما أداؤها لوظائفها الأساسية فحدث ولا حرج.

مجلس النواب انتهت صلاحيته من زمان، ومدد لنفسه بما يخالف صراحة أحكام الدستور والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي؟

إذاً فالشرعية اليوم سقطت عن هذه المؤسسات وعادت إلى مصدرها الأصلي، الشعب. وقد حصل هذا في بلدان كثيرة وفي مراحل مختلفة لا مجال لتعدادها الآن بل نكتفي بالإشارة إلى ما حصل في مصر في 30 حزيران 2013 عندما سقطت شرعية السلطة التي كانت قائمة وأعطى الشعب الشرعية لرئيس مؤقت وحكومة انتقالية، ولخارطة طريق تنتهي بإعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أحكام الدستور.

قد يقول البعض أن ملايين المصريين نزلوا إلى الشوارع ليعبروا عن إرادتهم وليعطوا الشرعية للسلطة الانتقالية التي تنظم المرحلة الانتقالية.

صحيح، ولكن المصريين قبل أن ينزلوا إلى الشوارع في 30 حزيران، كانوا قد نزعوا الشرعية عن السلطة بوسائل تعبير مختلفة، كالاستنكاف، وهذا ما يفعله اللبنانيون اليوم. وتنظيم الاعتصامات والاحتجاجات، وهذا ما يفعله اللبنانيون اليوم. والتعبير عن إدانتهم للسلطة التي كانت قائمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يفعله اللبنانيون اليوم.

ثم جاءت الخطوة التالية، النزول إلى الشوارع. وبهذه الخطوة أعطى الشعب الشرعية لسلطة انتقالية. وهذا ما ندعو إليه نحن اليوم.

إننا من خلال هذه المبادرة نتوجه إلى الشعب لنقول إنه قد آن الآوان لكي ننتقل إلى مرحلة إعادة بناء الدولة، إعادة بناء مؤسسات الدولة، على أسس الشرعية وفق خارطة الطريق التي نطرحها اليوم.

أما فيما يتعلق بالقوة القادرة على حمل هذه المبادرة وتنفيذها، فإننا نراها موجودة بقوة داخل المجتمع اللبناني، رغم ما يبدو ظاهرياً من غلبة للاستقطابات الطائفية، شرط أن توحد قواها وتلتقي، على اختلاف مواقعها أو أشكال تواجدها، سواء في أحزاب سياسية أو قوى وفاعاليات ونخب فكرية وطنية وديمقراطية وعلمانية، أو في مؤسسات المجتمع النقابية والمهنية والمدنية، أن تلتقي في إطار جبهة وطنية عريضة تتولى برمجة العمل على تنفيذ هذه الخطة والضغط من أجل إعادة تأسيس الدولة على قاعدة المواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية.